
الجلسة النيابية: هل انقلب السحر على الساحر؟
منذ أن وجّه رئيس مجلس النواب نبيه بري الدعوة إلى جلسات لمناقشة سياسات الحكومة، بدأت الكتل النيابية تعدّ العدة للإدلاء بدلوها، فقط لأن الجلسات علنية، وكأنها بذلك تخاطب ناخبيها لا الحكومة، لإدراك مسبق بأن ما كُتب حكومياً قد كُتب، وليس لأي فريق أن يغيّر في المعادلة. وقد تجلى ذلك بوضوح في موقفي كل من “تكتل لبنان القوي” الذي ذهب رئيسه إلى طرح الثقة بالحكومة، فيما انبرى “تكتل الجمهورية القوية” إلى التصويت لها، وله فيها أربعة وزراء، بالرغم من اعتراضات واسعة كان عبّر عنها في الآونة الأخيرة لسياساتها، وتهديده بالانسحاب.
هكذا، انتهت النقاشات إلى تجديد الثقة بحكومة شاخت قبل أوانها، واهتزت صورتها بالرغم من الزخم المحلي والعربي والدولي الذي رافق تأليفها. وقد جاء اندفاع النائب جبران باسيل الرامي أساساً إلى إحراج “القوات اللبنانية”، ليقدم هدية مجانية غير متوقعة للحكومة ورئيسها، إذ بدا واضحاً من مواقف نواب “القوات” أن معارضتهم لم تكن تهدف إلى إسقاط الحكومة، ولن يكون لهم مساهمة في هذا المجال.
يقول عضو التكتل النائب غياث يزبك لـ”النهار” في هذا المجال: “إن انتقادنا للحكومة يأتي في صلب العمل البرلماني، حتى لو كنا ممثلين فيها، فهذا لا يمنعنا من الانتقاد إذا كان هناك أخطاء، علماً أن وزراءنا يقومون بواجبهم كاملاً، ونحن في المجلس نقوم بدورنا الرقابي”.
هل أحرج باسيل “القوات” بطرحه الثقة وإلزام نوابها التصويت لها؟ يجيب يزبك: “أهداف باسيل أبعد من ذلك، وعينه على الانتخابات النيابية، علماً أن ما قام به خطير، وقد تجاوزناه لأنه كان يدفع نحو الفراغ. وله في ذلك أكثر من هدف، أحدها أداء دور المعارض، وقد ذهب به إلى حد السخرية، لأنه لم يمض على خروجه من السلطة أكثر من بضعة أشهر، والحكومة تواجه اليوم مخلفات الفشل والعجز الموروث، فيما يذهب هو إلى التملص والتنصل من مسؤولياته. أما الهدف الآخر الدافع في اتجاه الفراغ، فيرمي إلى تأجيل الاستحقاق الانتخابي، لعلمه أنه سيعجز عن تحقيق فوز بكتلة نيابية وازنة، وبالتالي أفضل له الحفاظ على ما لديه الآن”.
ويحذّر يزبك من محاولات تطيير الحكومة “لأن ذلك سيؤدي إلى تطيير آخر أمل بلبنان وبقيام مؤسساته”، معتبراً أن “جلسات الثقة شكلت حافزاً للحكومة للخروج من حالة الخجل إلى المواجهة في الملفات الشائكة المطروحة، ولا سيما ملف السلاح”.
من جهته، يرى النائب آلان عون رداً على سؤال “النهار” عن تقويمه لجلسات المناقشة، أنها “شكلت فرصة لانطلاقة جديدة للحكومة، منحها إياها النواب عبر تجديدهم الثقة بها، وهو أمر يجب أن يشكل حافزاً لها لاستعادة الزخم، وخصوصاً أن كلمات النواب أثارت الملفات المطروحة التي تهمّ المواطنين، ونفّست بعض الاحتقان لدى الناس. وقد جاء رد رئيس الحكومة ليجيب عن التساؤلات”.
وإذ ينوّه عون برد رئيس الحكومة، معتبراً أن الجلسات أنعشت حكومته، يتوقف عند عدم تقديم التزامات واضحة بمهل محددة للملفات المطلوب معالجتها. ولدى سؤاله عن طلب باسيل طرح الثقة بالحكومة، يستغرب أن يعترض باسيل “على ملفات كان مسؤولاً عنها في العهد السابق، ولم يقدم فيها حلولاً، مثل ملف الودائع أو النازحين وغيرهما”، ويرى أنه “إذا كان الهدف تسجيل نقاط على فريق آخر، فهو لم يأخذ في الاعتبار الظروف الاستثنائية الراهنة والتي أشرت إليها في كلمتي، علما أنها تستدعي من الجميع الترفع عن أي حسابات ضيقة في هذه المرحلة”، معتبرا أن “النتيجة جاءت عكسية وثبتت المثبت، فالبديل الذي سعى إلى تقديمه في مداخلته يدفعنا إلى استعادة المثل القائل من جرّب المجرب… وهو بالتالي خدم الحكومة”.