سوريا على حافة تهديد المنطقة

سوريا على حافة تهديد المنطقة

الكاتب: روزانا بو منصف | المصدر: النهار
18 تموز 2025

أفضت التحركات الطائفية التي حصلت في لبنان على خلفية الأحداث في السويداء والدخول الإسرائيلي على الخط “دعما للدروز”، إلى تظهير الخطر الكبير في دفع إسرائيل المنطقة إلى التفتيت والشرذمة انطلاقا من سوريا. الزعيم الدرزي وليد جنبلاط، البعيد النظر وذو التجربة الطويلة، كان من أبرز المحذرين من أن “تدمير مبنى وزارة الدفاع السورية لا علاقة له بحماية الدروز”، في إشارة واضحة إلى أنهم قد يكونون وقودا لمشروع إسرائيلي أكبر لم تلبث مؤشراته أن ظهرت في حرص واشنطن على وقف التصعيد الإسرائيلي الذي ينذر بالقضاء على استثمارها في النظام الجديد الذي رفعت العقوبات عنه ومنحته فرصة تهدد إسرائيل بتبديدها من جهة، وتنذر بدفع المنطقة إلى فوضى مخيفة من جهة أخرى، إذ من المؤكد أنها قد تعيد إيران إلى الواقع السوري.

تحدث الرئيس الأميركي دونالد ترامب مكررا ما قاله وزير خارجيته ماركو روبيو عن “سوء فهم بين إسرائيل وسوريا” وعن مساع تبذلها واشنطن لاحتواء التصعيد. فيما تُعدّ ضربات إسرائيل للقصر الرئاسي ووزارة الدفاع في سوريا استهدافا معنويا قاسيا لنظام أحمد الشرع في ظل عدم القدرة على الرد على اعتداءات إسرائيل أولا، وأكثر، في ظل محادثات بينه وبين إسرائيل لم تمض أيام على إجرائها في أذربيجان على نحو محرج للشرع في تطويعه أكثر من إسرائيل تحت طائلة تجويف سلطته أو تظهير صعوبة سيطرته على الأراضي السورية، بما يفتح الأبواب أمام احتمالات قد تؤدي إلى تفكيك سوريا وتفتيتها أو تدخلات أخرى من جانب تركيا في الدرجة الأولى.

 

هذا السيناريو قد يؤدي إلى صراع إقليمي أوسع تم تجنبه في الحرب على إيران، لكنه قد يتفاقم في سوريا ولا سيما مع إتاحة المجال لتنظيمات متطرفة في إعلاء شأنها أكثر، وهي لا تزال موجودة بقوة، ما يهدد دول المنطقة وليس سوريا وحدها. والحال أن إضعاف الشرع وفرض شروط لتراجع سيطرته وتحدي شرعيته، سيرسمان علامات استفهام كبيرة حول قدرته على استكمال سيطرته على مناطق أو مكونات سورية أخرى.

 

هذا الباب يفتح على مصراعيه، ليس على المستوى السوري فحسب بل على مستوى دول المنطقة التي اندفعت إلى دعم سوريا الجديدة تخوفا من انهيارات تؤدي إلى تفكك المنطقة وعدم استقرارها على مدى طويل جدا. ولهذا ارتفع مستوى الاستنفار الإقليمي من الدول الداعمة لسوريا الجديدة خوفا عليها ومنها في الوقت نفسه، فيما أثارت الاعتداءات الإسرائيلية أسئلة كبيرة حول التمايز الأميركي – الإسرائيلي إزاء سوريا، والمدى الذي تتيحه واشنطن لإسرائيل، في ما يتخطى تحييد بنيامين نتنياهو الأنظار الإسرائيلية عن “تنازلات” لاتفاق في غزة أو حماية لحكومته.

 

دخول إسرائيل على الخط ليس لإتاحة انخراط دروز الجولان في دعم اتجاهات الصراع مع النظام في سوريا فحسب، بل لتوجيه ضربات تنال من سيادتها وهيبة السلطة فيها، وهو ما ساهم في تعقيد مشهد داخلي معقد أصلا في ظل ما وصفه وزير الخارجية الأميركي بأنه “خصومات تاريخية قديمة العهد، بين مختلف المجموعات في جنوب غرب سوريا، وهذا الأمر أفضى الى وضع مؤسف”، في إشارة إلى الاشتباكات بين الدروز والبدو في سوريا. من جهة أخرى، هناك الانقسامات الدرزية الخطرة في ظل استدعاء البعض للخارج، وفق ما حذر وليد جنبلاط، ورئاسة روحية للطائفة الدرزية عبرت بقوة عن حتمية البقاء تحت لواء الشرعية السورية. وهناك أيضا ما لا يقل أهمية، وهو الانتهاكات التي ارتكبتها الجهات الأمنية الفاعلة، ولا سيما إذا كانت من خارج أوامر السلطات السياسية، ما يفيد بوجود تمرد مستمر تردد أنه كان موجودا أيضا في مجزرة الساحل السوري مع العلويين، وهو ما يهدد بتقويض قدرة النظام السوري على إرساء استقرار أمني طويل الأمد في البلاد.

 

وقد ترك عدم محاسبة السلطة السورية علنا العناصر المسؤولة عن المجزرة ضد العلويين، تداعيات كبيرة في سوريا وصلت مؤشراتها بقوة إلى لبنان ولمسها اللبنانيون، على الأقل في نزوح علوي كان واضحا في شهري نيسان/أبريل وأيار/مايو الماضيين في شكل خاص، وقد انضم إلى هذا النزوح العلوي نزوح مسيحي ازدادت حدته على خلفية ثلاث محطات،  إحداها ما حصل مع العلويين، وما كان حصل مع الطائفة الدرزية في جرمانا والسويداء في أيار/مايو الماضي، ثم الانفجار الإرهابي الذي تعرضت له كنيسة مار إلياس الأرثوذكسية اليونانية في دمشق، في أكبر هجوم ضد الأقلية المسيحية في سوريا منذ عقود.

 

ويُفترض ان يعرف الحكم الجديد في سوريا، كما البعثات الأجنبية، أن مخاوف الأقليات تكبر أكثر فأكثر على خلفية هذه التطورات، فيما ترحّل هذه الأقليات فتياتها وحتى فتياتها إلى لبنان ودول الجوار من دون ضجيج، في ظل المخاوف التي لم تجد طمأنة لها على رغم الجهد الذي بذله الرئيس السوري أحمد الشرع، وذلك بعد تتابع هذه الأحداث واتساع هوة انعدام الثقة بين السلطات الجديدة وهذه الإقليات.