هل دفع أحمد الشرع ثمن توم براك؟

هل دفع أحمد الشرع ثمن توم براك؟

الكاتب: فارس خشان | المصدر: النهار العربي
19 تموز 2025

لم يعد سراً أنّ إسرائيل تتطلع إلى تقسيم سوريا وتحويلها إلى مناطق متعددة النفوذ، وهي تحاول، من دون شك، الاستفادة من حاجة الدروز إلى الحماية، في سياق سعي أطراف منهم إلى إقامة حكم ذاتي، من أجل تفعيل مشروعها.

حاول الرئيس السوري أحمد الشرع إنقاذ نفسه من تجرع هذه الكأس المرة. تطلع إلى واشنطن التي خطب ود رئيسها دونالد ترامب مستعيناً بذلك بأركان أساسيين من حلفاء “البيت الأبيض”: تركيا التي سبق أن هنأها ترامب على الاستيلاء على سوريا، المملكة العربية السعودية التي قال الرئيس الأميركي إنّه لا يرد طلباً لولي عهدها الأمير محمد بن سلمان، والإمارات العربية المتحدة التي فاجأت المراقبين بإقامة علاقات ودية مع نظام أمسك به تنظيم من تنظيمات الإسلام السياسي!

يؤمن الشرع أنّ خطط إسرائيل الهادفة إلى العبث بالاستقرار الجغرافي والديموغرافي تبقى حبراً على ورق من دون الموافقة الأميركية. عندما حاول الشرع، قبل أشهر، أن يفرض نفوذ نظامه على دروز سوريا بالتزامن مع تقدم المفاوضات مع أكرادها، وبعد “التجربة الحاسمة” مع علوييها، وبعد وضع مبادئ دستورية أثارت غضب “الأقليات”، لم يكن قد تمكن من تطبيع علاقته مع البيت الأبيض، بعد! التدخل الإسرائيلي لمصلحة دروز سوريا في ضوء أحداث ريف دمشق، دفعه إلى وقف اندفاعة “فرض سلطة الدولة على جميع مكوناتها” بانتظار ظروف مواتية.

وظنّ الشرع أنّ هذه الظروف أتت. لم يصافح ترامب فحسب بل نال منه مديحاً استثنائياً، أيضاً. ولاحقاً تمّ رفع العقوبات الأميركية عنه وعن تنظيمه، “هيئة تحرير الشام” وتبعاً لذلك عن التنظيم المنبثق منه “جبهة النصرة”. ودخل في مفاوضات تجديد اتفاقية فصل القوات مع إسرائيل التي كانت قبل ذلك تتعاطى معه بعدائية، مصوّرة إياه بأنّه نسخة أخرى ليحيى السنوار، زعيم “حماس” الذي اغتاله الجيش الإسرائيلي في القطاع الفلسطيني المنكوب!

ولكنّ الشرع بقي في حالة حذر شديدة، إلى أن جاءه المبعوث الأميركي توم براك، السفير “فوق العادة” في تركيا. براك أغرق الشرع بالمواقف الإيجابية. وقف معه في مواجهة “قسد” الكردية وأبلغه بأنّ واشنطن تريد سوريا دولة موحدة ومركزية وترفض مشاريع التقسيم والفدرلة المرسومة لها في الدوائر الإسرائيلية، وهي لا تريد أن تسمع بكيانات درزية وعلوية وكردية. ولم يبق كلام براك “حبيس” الغرف المغلقة. نقله إلى الإعلام، وقاله، بوضوح في لقاء حواري انعقد في الحادي عشر من تموز/ يوليو الجاري في نيويورك.

بعد يومين على كلام براك، تحوّلت عملية سرقة تعرض لها أحد أبناء الطائفه الدرزية، على طريق السويداء-دمشق إلى شرارة مواجهة عسكرية دموية بين دروز هذه المحافظة الجنوبية وبين أبنائها البدو الذين حظيوا بدعم من عشائر درعا. وهنا أراد الشرع، تفعيل ثقته بوحدة سوريا تحت سلطته، فأرسل قوات تابعة له إلى السويداء، حيث دخلت بمواجهة مع بعض الفصائل الدرزية التي لا تريد أن تكون تابعة للحكومة السورية المركزية.

في هذه اللحظات، بدت كلمات توم براك في مكان والواقع في مكان آخر، إذ دخلت صاحبة مشروع تقسيم سوريا على الخط. حذرت الشرع بداية، ثم انقضت عليه: قصفت مبنى الأركان في دمشق ومحيط قصر الشعب الذي يتخده الشرع مقراً رئيسيّاً له، بعدما كانت قد استهدفت القوات الحكومية في درعا ومحيطها وأغارت على دبابات كانت تتوجه نحو السويداء. ورسمت إسرائيل خطوطاً حمراً حول دروز سوريا عموماً وأعلنت نفسها حامية لهم ولكيانهم الجغرافي ملمّحة إلى ضمّهم، في ترتيب يتم العمل عليه، إلى دروز الجولان المحتل! وتوم براك الذي رفع الصوت لوحدة سوريا، بدأ يرفع الصوت لسلامة الدروز. تراجع الشرع تكتيكياً. ترك الأرض لصراع الدروز والبدو، وبدأ اتصالاته لإعادة إدراك واقعه. تواصل مع راعيه العسكري، رجب طيب إردوغان وراعيه العربي، محمد بن سلمان اللذين حركا وسائل الضغط على حليفهما دونالد ترامب!

حتى تاريخه، يتقدم مشروع فصل السويداء عن سوريا بقوة. مخاطره أنه سوف يسحب نفسه في وقت لاحق على العلويين والأكراد، ومن ثم على كيانات سايكس-بيكو! على الأرجح، سيجد الشرع دعماً تركيا- سعودياً، ولكن لا أحد يستطيع أن يعرف المحصلة بعد.

الخائفون من التقسيم يراهنون على رفض تركيا إقامة كيان كردي مستقل في سوريا كما على رفض السعودية التخلي عن العشائر العربية في جنوب سوريا! الراغبون بالتقسيم يعتبرون أنّ إسرائيل بإعلان نفسها حامية الدروز يستحيل عليها، في ضوء حاجتها إلى إعادة ترتيب شرق أوسط مختلف، أن تتراجع! وفي الحالتين، هناك شخص يحتاج إلى إعادة تثبيت صدقية ما به ينطق من إيجابيات تجاه الحكام: توم براك!