
هل من جولة ثانية في لبنان وإيران؟
أصبح من الواضح، انطلاقًا من الوقائع الميدانية العسكرية، أنّ إسرائيل تفوّقت على خصمها الممانع بدءًا بإيران، وصولًا إلى أذرعها، ومن يتفوّق لا يوقف حربه ولا يقبل بأنصاف الحلول. وعلى الرغم من أنّ الحسم الوحيد حصل في سوريا من خلال الانقلاب الكامل والشامل، وعلى الرغم من أنّ الوضع في غزة ولبنان وإيران لم يحسم نهائيًّا بعد، إلّا أنّ “حماس” أصبحت خارج مستقبل غزة السياسي، و “حزب اللّه” حوصر وتعطّل عسكريًّا، والعراق يشيد بنفسه أنه لم يسمح للفصائل الشيعية الإيرانية بتوريطه في الحرب، والتأثير الحوثي معدوم أساسًا، وخسارة طهران تتجاوز البعد العسكري، رغم ضخامته، إلى لمسها لمس اليد بأنّ الثنائي دونالد ترامب وبنيامين نتنياهو لن يسمحا لها بدور نووي وإقليميّ.
ويُفترض أن تكون الممانعة قد لمست بأن إسرائيل لا تخوض حربًا كلاسيكية، وأنها لن تُنهي هذه الحرب قبل أن تتثبّت من إنهاء القدرات العسكرية لهذه الممانعة، وأنها تحظى بالدعم الأميركي المفتوح لتحقيق هذا الهدف، ولكنّ السؤال الذي يطرح نفسه: هل لمست الممانعة فعلًا هذا التوجُّه الإسرائيلي، وبالتالي ستتخلّى عن مشروعها المسلّح؟ وماذا لو أنها لمست وترفض التخلّي عن هذا المشروع، فعلامَ تراهن؟
ما يحصل الآن أبعد من استراحة المحارب على الجبهات استعدادًا لجولات جديدة، ويتعلّق بسعي واشنطن إلى الوصول لحلّ دبلوماسي يحقّق الهدف الإسرائيلي العسكري من دون الحاجة إلى جولة عنف جديدة في لبنان وإيران، وقد أعطت واشنطن أساسًا فرصة لـ “حزب اللّه” والقيادة الإيرانية، ولكنّ الحزب لم يتلقّف عرض آموس هوكستين، ولا طهران أبدت استعدادها في جولاتها التفاوضية مع واشنطن للتخلّي عن النووي ودورها الإقليمي، فهل يتلقّف “الحزب” اليوم عرض توم برّاك تجنبًا لحرب كان تجنّبها لو وافق على عرض هوكستين، والأمر نفسه ينسحب على إيران؟
لا يبدو من خلال المواقف التي يطلقها “حزب اللّه” بتمسّكه بسلاحه ومشروعه، أنه اتّعظ من رفضه الحلّ الدبلوماسي الأميركي الأول والذي أدّى إلى توسيع تل أبيب الحرب والقضاء على قيادته وإلزامه التوقيع على اتفاق يمنحها الحقّ باستهدافه متى وأين تشاء، ولا يبدو أنّ طهران اتّعظت بدورها من الفرصة الدبلوماسية الأولى التي قدّمت لها، ومعلوم أن واشنطن تنتظر اليوم الردود من “الحزب” والقيادة الإيرانية على العروض المقدّمة لهما تحت عنوان الفرصة الثانية والأخيرة، وفي حال كانت الردود سلبية على غرار المحاولة الأولى، فلا محال أمام جولة حرب جديدة ضد “الحزب” في لبنان، وضد القيادة الإيرانية، وستكون مفتوحة على شتى الاحتمالات.
والمقصود بشتى الاحتمالات خيار إسقاط النظام الإيراني واغتيال السيد الخامنئي انطلاقًا من أنه أعطي فرصة بعد الضربة الأولى الكبرى التي قضت على أبرز قياداته العسكرية والنووية ولم يتلقّفها، وعدم تلقّفه الفرصة الثانية يعني أنه يُصرّ على مواصلة مشروعه النووي والتوسّعي، وهذا ما لا يمكن التهاون معه ولا السماح به، لأنّ استمرار النظام في هذه الحالة يعني أن الحرب لم تحقِّق أهدافها، ويعني أن الخطر الوجودي على إسرائيل ما زال هو نفسه، وبالتالي الخيارات أمام إيران باتت محدودة، فإما أن توافق دبلوماسيًّا على التخلي عن سلاحها النووي ومشروعها التوسعي، وإما أن الهدف الأساس للحرب المقبلة سيكون اغتيال الخامنئي وإسقاط النظام.
وأما في لبنان وفي حال أصرّ “حزب اللّه” على رفضه ورقة برّاك التي تقايض بين تفكيك بنيته العسكرية، وبين خروج إسرائيل وإخراج الأسرى ووقف استهدافاتها وإعادة الإعمار، فإنه يعبِّد بنفسه الطريق أمام ضربة إسرائيلية جديدة ستكون على نسق أيلول الماضي وتدميرية على غرار ما تقوم به في غزة.
لا يمكن القول بعد إن المحاولة الدبلوماسية الأميركية فشلت وانتهت، ولكن لغاية اليوم لا تبدُّل، أقلّه ظاهريًّا، بموقف القيادة الإيرانية وقيادة “حزب اللّه” رغم إدراكهما أن إسرائيل لن تقبل بالستاتيكو الحالي، وأن سياسة حافة الهاوية لم تعد صالحة، وأن الجولة الثانية آتية لا محالة.