
هل أخطأت دمشق في قراءة «الضوء الأخضر» الأميركي والموقف الإسرائيلي؟
قالت ثمانية مصادر مطلعة لـ «رويترز»، إن دمشق أخطأت في تقدير الكيفية التي سترد بها إسرائيل على انتشار قواتها في الجنوب، إذ شجعتها رسائل أميركية تؤكد أن سوريا يجب أن تدار باعتبارها دولة مركزية.
ووفقاً للمصادر، التي تضم مسؤولين سياسيين وعسكريين سوريين ودبلوماسيين اثنين ومصادر أمنية إقليمية، فإن دمشق اعتقدت أنها حصلت على «ضوء أخضر» لإرسال قواتها إلى الجنوب رغم تحذيرات تل أبيب من الإقدام على ذلك.
وقالت إن هذا الاعتقاد استند إلى تعليقات علنية وفي أحاديث خاصة من المبعوث الخاص إلى سوريا توماس براك، وكذلك إلى المحادثات الأمنية الوليدة مع إسرائيل.
وصرح براك علناً وفي اجتماعات خاصة في دمشق، بأن سوريا يجب أن تكون «دولة واحدة»، من دون حكم ذاتي لطوائفها الدرزية والكردية والعلوية، التي لاتزال لا تثق إلى حد بعيد في القيادة الجديدة.
وأحجم ناطق باسم وزارة الخارجية الأميركية عن التعليق على المناقشات الدبلوماسية الخاصة، لكنه قال إن واشنطن تدعم وحدة الأراضي السورية.
وأضاف أن «الدولة ملزمة حماية جميع السوريين، بما في ذلك الأقليات»، وحض على محاسبة مرتكبي أعمال العنف.
وفي رده على أسئلة «رويترز»، نفى مسؤول رفيع المستوى في الخارجية السورية أن تكون تصريحات براك أثرت على قرار نشر القوات الذي اتخذ بناء على «اعتبارات وطنية بحتة» وبهدف «وقف إراقة الدماء وحماية المدنيين ومنع تصاعد الحرب الأهلية».
وذكر مصدران، أحدهما مسؤول خليجي رفيع المستوى، أن أعمال العنف التي تلت ذلك ونُسبت إلى القوات السورية، بما في ذلك «إعدامات ميدانية وإذلال لمدنيين دروز»، دفعت إسرائيل إلى شن غارات على قوات الأمن ووزارة الدفاع في دمشق ومحيط القصر الرئاسي.
وقال مصدر سوري وآخر غربي مطلع، إن دمشق اعتقدت أن المحادثات مع تل أبيب في باكو قبل أيام، أسفرت عن تفاهم في شأن نشر قوات في الجنوب لإخضاع السويداء لسيطرة الحكومة.
وأعلنت إسرائيل، الجمعة، موافقتها دخول محدود للقوات السورية إلى السويداء خلال اليومين المقبلين.
وقال جوشوا لانديس، رئيس مركز دراسات الشرق الأوسط في جامعة أوكلاهوما، «يبدو أن المسؤولين العسكريين في حكومة الشرع أخطأوا في تفسير دعم الولايات المتحدة، كما أخطأوا في تفسير موقف إسرائيل من جبل الدروز من محادثاتهم في باكو».
وذكر مسؤول عسكري سوري أن المسؤولين الأميركيين لم يعقبوا لدى إبلاغهم بخطط نشر القوات، ما دفع القيادة إلى الاعتقاد بأن هناك موافقة ضمنية على ذلك و«أن إسرائيل لن تتدخل».
وقال دبلوماسي مقيم في دمشق إن السلطات كانت «مفرطة في الثقة» في عمليتها للسيطرة على السويداء، «بناء على الرسائل الأميركية التي اتضح أنها لا تعكس الواقع».
وتابع لانديس أنه يبدو أن الشرع فهم تصريحات براك الرافضة لأي نظام اتحادي «على أنها تعني أن الحكومة المركزية يمكن أن تفرض إرادتها على الأقلية الدرزية بالقوة».
وأكد المسؤول الخليجي رفيع المستوى، أن دمشق ارتكبت «خطأ كبيراً» في طريقة تعاملها مع السويداء، قائلاً إن القوات مارست انتهاكات شملت قتل وإهانة الدروز.
وذكر المسؤول الخليجي ومصدر آخر أن طبيعة العنف منحت إسرائيل فرصة لاستخدام القوة.
وقال مصدر استخباري من المنطقة، إن الشرع لم يسيطر على الأحداث على الأرض بسبب عدم وجود جيش منضبط، واعتماده بدلاً من ذلك على خليط من جماعات، أغلبها له خلفية إسلامية متشددة.
وكشف المسؤول الخليجي أن هناك «مخاوف حقيقية من أن سوريا تتجه نحو تقسيمها إلى دويلات»، في ظل إراقة المزيد من الدماء وتزايد الشعور بعدم الثقة في حكومة الشرع بين الأقليات.
وقبل ساعات من استهداف العاصمة السورية، الأربعاء، وصل مسؤولون تنفيذيون من ثلاث شركات طاقة مقرها الولايات المتحدة إلى دمشق.
وقال الرئيس التنفيذي لشركة أرغنت للغاز الطبيعي المسال جوناثان باس، إنه تلقى تطمينات كافية من واشنطن بأن العنف الذي اندلع في السويداء لن يتصاعد ويصل إلى دمشق.