
الخلاف على ملف التفرغ يتفاقم: هل اقترب موعد إزاحة كرامي؟
لم تكن التسريبات التي صدرت عن اجتماع رئيس الجمهورية جوزاف عون مع رئيس الجامعة بسام بدران ووزيرة التربية ريما كرامي حول ملف تفرغ الأساتذة المتعاقدين قبل بداية العام الجامعي المقبل، إلا كـ”إبرة بنج” لتخفيف احتقان الأساتذة. صحيح أن التسريب حول تمرير ملف التفرغ على ثلاث دفعات يرضي رئيس الجامعة، الرافض لأي دور تقوم به وزيرة التربية ريما كرامي في الجامعة (تضطلع بدور مجلس الجامعة في ظل انحلاله)، إلا أن العقدة الطائفية ستبقى حائلاً في كيفية تفرغ أكثر من 1500 أستاذ الغالبية الكبرى منهم ينتمون للطائفة الشيعية.
الخلافات بين كرامي وبدران كبيرة
بدا لافتاً في كلمة بدران التي ألقاها يوم أمس إشارته إلى ضرورة “تعزيز استقلالية الجامعة” وأن تعزيز استقلاليتها يشكل مطلباً جامعياً وضرورة وطنية تفرضها التحديات التنموية، وتقتضيها، كما أن استقلال القرار الأكاديمي هو ما يضمن تعيين الأساتذة بالتفرغ وفق آليات قانونية شفافة، وبناء على حاجاتها”. فهذا غمز من قناة كرامي في ظل الصراع القائم بينهما. كما لو أن بدران يقول إن كرامي تتدخل في شأن لا يعنيها، فيما يفترض أنها تقوم بدور مجلس الجامعة في اتخاذ القرار، طالما أن مجلس الجامعة منحل وينتظر تعيين عمداء جدد.
الصراع بين كرامي وبدران على ملف التفرغ وملف تعيين العمداء وباقي ملفات الجامعة لم يعد خافياً. إلا أن ملف التفرغ يعتبر الأكثر إشكالية. فبدران يصرّ على تفريغ متعاقدين وفق مبدأ حاجة الجامعة، فيما ترى كرامي أن هذه ذريعة منه لعدم تفريغ الأساتذة. فتفسير مبدأ حاجة الجامعة فضفاض للغاية. والسؤال الذي يطرحه الأساتذة المتعاقدون الذين التقوا بكرامي وبدران هو: إذا كان المتعاقدون لا يشكلون حاجة للجامعة فلماذا تعاقدت الأخيرة معهم؟ وجوابهم هو، طالما أن الجامعة تعاقدت مع أستاذ فهذا يعني أنها كانت بحاجة إليه. وخلاف ذلك يعني أن الجامعة وقعت عقوداً “كتنفيعات”، وعندما أتى موعد التفرغ انكشف الأمر.
وينقل الأساتذة عن كرامي إصرارها على اعتبار أن كل الأساتذة المتعاقدين هم حاجة للجامعة وعلى الأخيرة أن تنتقي منهم العدد المطلوب ووفق ما تسمح به الحكومة، لتفريغهم. ويمكن وضع معايير وشروط لانتقاء العدد المطلوب منها سنوات الخبرة والكفاءة العلمية. أما شرط حاجة الجامعة يصبح تحصيل حاصل طالما أن الجامعة وقعت العقود مع الأساتذة انطلاقاً من حاجتها لهم.
شرط الأقدمية وحق الأساتذة
المختلف بين مقاربة بدران وكرامي أنها تعتبر أن لدى الأساتذة حقوق على الجامعة. أما بدران فلا يعترف بمبدأ الحق، وأن الجامعة غير ملزمة إلا بتفريغ من هي بحاجة إليه. ولهذا الأمر تفسيرات لأن مبدأ الحاجة فضفاف للغاية وتحته يمكن تفريغ أساتذة جدد وقعت العقود معهم غب الطلب، على حساب أساتذة أمضوا عشرة سنوات أو أكثر في التعليم في الجامعة.
ويرى الأساتذة أن مرسوم آلية التفرغ السنوية، الذي عملت عليه كرامي، سقط بعد رأي مجلس شورى الدولة السلبي به، وبالتالي سقطت معه آلية إعادة تحديد ملاكات الجامعة لتحديد حاجتها من الأساتذة. ويفترض اعتبار كل المتقاعدين في الجامعة بمثابة حاجة. وفي حال أرادت الجامعة تخفيض عدد الداخلين إلى التفرغ، طالما أن عدد المتعاقدين يفوق 1500 متعاقد، فهذا الأمر ممكن من خلال تحديد شروط علمية، شرط عدم التفريط بمبدأ الأقدمية.
ويقول أساتذة متعاقدون ألتقوا بها مؤخراً أنه لا يجوز “أن تستنزف الجامعة الأساتذة ثم تتخلى عنهم”. بمعنى أن العديد منهم أفنوا حياتهم في الجامعة وخدموها حتى في أقسى الظروف وبأجر وصل إلى نحو مئة دولار سنوياً، خلال الأزمة. وعندما أتى موعد التفرغ بات بدران ينظر إليهم كما لو أنه فائض ولا حاجة لهم، وبدأ يضع شروط لرفض تفريغهم.
انتخاب عمداء الكليات
الخلاف الثاني بين بدران وكرامي، الذي برز مؤخراً، هو إعادة تشكيل لجان علمية لدرس ملفات الأساتذة وإجراء مقابلات معهم قبل رفع اسمهم إلى التفرغ. ويعتبر الأساتذة أن هذا الأمر حجة جديدة للمماطلة، لا سيما أن الجامعة لا توقع أي عقد مع الأستاذ إلا بعد الخضوع للجنة علمية. إلا إذا كان هناك أساتذة جديد وقعت معهم الجامعة العقود من دون الخضوع للجان علمية، وهذه فضيحة تتحمل مسؤوليتها الإدارة، لا الأساتذة الذين يدرّسون في الجامعة منذ أكثر من عشر سنوات. كما أن تشكيل اللجان تعوزها الشفافية لأن المكاتب التربوية هي من يشكل اللجان في نهاية المطاف. وهذا يفتح الباب إلى تشكيل لجان غب الطلب لانتقاء أساتذة بعينهم دون سواهم.
ما بات مؤكداً أن ملف التفرغ لا يزال يراوح مكانه. قد تحصل انفراجة بتفريغ عدد معين منهم قبل بداية العام الدراسي كما وعد رئيس الجمهورية الأساتذة المتعاقدين. وهنا ثمة همس في الجامعة من أن بدران سيقرأ زيارة عون للجامعة يوم أمس كدعم مباشر له. وقد يلجأ بدران إلى تحديد موعد انتخاب مجالس الوحدات العمداء قريباً، أي قبل العطلة الرسمية في آب المقبل. ويتشكل مجلس الجامعة بدعم من رئيس الجمهورية. حينها يكون بدران قد ذهب بعيداً في تحدي كرامي لكفّ يدها نهائياً عن الجامعة. ويعود ملف التفرغ ليصبح بعهدة مجلس الجامعة الجديد، حتى لو أن الدور النهائي للتفرغ منوط بالحكومة.