من وصاية إلى وصايات

من وصاية إلى وصايات

الكاتب: د. فؤاد زمكحل | المصدر: الجمهورية
21 تموز 2025

هل انتقل لبنان من وصاية إلى وصايات أخرى؟ وصاية مالية، نقدية، تمويلية، إقتصادية، وصاية أمنية وعسكرية، وصاية حدودية، أو نحن أمام إعادة بناء الدولة المستقلة، السيادية والحرّة؟

نتذكّر بألم وأسف الوصايات المتعدّدة التي رزح لبنان تحتها عبر التاريخ والعقود الماضية. لكنّ السؤال الصعب الذي يُطرح في هذه الأوقات: هل ستُطوى صفحة الوصايات القديمة وتُفتح صفحة جديدة من نوع آخر من الوصايات وعلى أصعدة عدّة؟ المؤسف أنّ البعض مقتنع بأنّ لبنان لا يُمكن أن يُدار ويُحكم من دون وصايات عدة.

إنّ لبنان لا يزال يُواجه ما لُقّب بأكبر أزمة مالية ونقدية وإقتصادية في تاريخ العالم، ولم يُبلسم بعد الجروح الأخيرة والتدمير، ومن الواضح ألّا إمكانية لإعادة بناء ما دُمّر، وإعادة الهيكلة الإقتصادية والمالية من دون دعم خارجي، من البلدان المانحة والبنك الدولي وغيرها.

فالتمويل اليوم مشروط بإصلاحات بنيَوية وأيضاً سياسية، وإعادة بناء القطاع المصرفي مشروط أيضاً بتدقيق بنيَوي ومراقبة دولية، والتزامه في كل المعايير المالية بالإمتثال ومكافحة الفساد وتمويل الإرهاب والترويج. فعلينا وصاية جديدة، مالية ونقدية وإقتصادية، ورقابة دقيقة على كل سنت يدخل لبنان ويخرج منه.

فسَيفُ “دموقليوس” موجود في الآفاق عبر القائمة الرمادية، من قِبل الفاتف – مجموعة العمل الدولية، Financial Action Task Force، والقائمة السوداء من المفوّضية الأوروبية، وغيرها من أخطار العقوبات الموجودة في كل مكان.

من جهة أخرى، إنّ سماءنا مراقبة، ليلاً نهاراً، ليس فقط بالطائرات من دون طيار لكنّ بالتقنيات والذكاء الإصطناعي، وبمعرفة أدق التفاصيل. فانتقلنا هنا أيضاً إلى وصاية دقيقة في كل المجالات، وفي كل متر من أرضنا وحياتنا.

أمّا على حدودنا البرية الشمالية والشرقية، فهنا أيضاً علينا مراقبة دقيقة، عبر الحدود مع سوريا، وتدقيق وحتى ضغوطات على كل هذه المعابر.

في المحصّلة، إنّ لبنان اليوم على مفترق طرق، إمّا ينتقل من وصاية إلى وصايات جديدة مالية ونقدية وإقتصادية وأمنية وحدودية، وإمّا نقوم ببناء دولة حقيقية سيدة ومستقلة، تحترم المعايير الدولية، وبناء جيش قوي، يكون الحامي الوحيد للبلاد والشعب، من الجنوب إلى الشمال، من الجبال إلى البحر.

إنّ الخيار اليوم هو بين بناء دولة قوية، وأن يعود لبنان منصّة الحضارات ومنصّة إقتصادية، وإمّا العودة إلى لبنان الدويلات والفوضى والمحسوبيات.