
خاص – “الحرب الأهلية” التي حذّر منها برّاك
فلنكن واقعيين. ليس هناك شيء يجبر إسرائيل على الانسحاب من التلال الخمس، قبل أن يتمّ سحب سلاح “حزب الله” الثقيل والمسيّرات على الأقلّ. فهي التي فرضت شروطها عمليّاً في اتّفاق وقف النار الأخير مع لبنان، وأعطت فيه لنفسها حقّ تنفيذ عمليّات، كلّما ارتأت أنّ أمنها مهدّد. وهذا الاتّفاق وافق عليه “الحزب”، حتّى أنّه وُصف حينها باتّفاق الاستسلام. وما لم يتمّ سحب السلاح من كلّ لبنان، فإنّ إسرائيل ستواصل عمليّاتها المحدّدة ضدّ البنى التحتية ومخابئ الأسلحة، وستستمرّ في استهداف قادة “الحزب”. وقد لا تكتفي بذلك، بل ربّما تقرّر توسيع نطاق الحرب من جديد.
وفي المقابل، يرفض “الحزب” أيّ كلام على تسليم السلاح، بالتزامن مع وصول الموفد الأميركي توم برّاك في زيارته الثالثة لبيروت. وقد رفع الأمين العام للحزب نعيم قاسم السقف، مؤكّداً ضرورة “إزالة الخطر الوجودي، قبل الدخول في أيّ نقاش حول استراتيجية الدفاع الوطني”، متحدّثاً عن “ثلاثة مخاطر كبرى، هي إسرائيل على الحدود الجنوبية، وداعش على الحدود الشرقية، والهيمنة الأميركية التي تريد فرض وصايتها على لبنان”.
ووسط هذه الأجواء، تبدو زيارة برّاك لبيروت، محكومة بالفشل مسبقاً. ومهما حاول لبنان تدوير الزوايا في ردّه على الردّ الأميركي، فإنّ اللعب على الكلام لن يمرّ هذه المرّة. إذ لن يقبل برّاك سوى بورقة واضحة، تتضمّن جدولاً زمنياً لسحب السلاح، مرفقاً بموافقة صريحة من “الحزب”. وهذا ما لن يحصل بالطبع.
وبناء عليه، فإنّ لبنان مقبل على أوضاع صعبة. وبما أنّه رفض عمليّاً الخطّة الأميركية، فإنّ واشنطن ستعمد إلى الخطة “باء” في التعامل مع موضوع السلاح. وهنا تبرز كلّ التهديدات التي أطلقها برّاك، في حال لم يُرِد لبنان السير في الركب. وتقول معلومات حصل عليها موقعنا إنّ برّاك لن يعطي أيّ مهلة إضافية للبنان، وسيعتبر ما سيُقدَّم إليه اليوم بمثابة الردّ النهائي.
الأمر البديهي الذي سيحصل، وهو أقلّ أنواع العواقب، أنّ لبنان سيبقى على حاله من المراوحة الأمنية والاقتصادية. فأرضه ستبقى مستباحة أمام الطائرات الإسرائيلية، تغير على أهداف ساعة تريد. وسيبقى الجنوب من دون إعمار، وأهله لن يعودوا إليه طالما لا بيوت تأويهم. وبما أنّ أيّ دولة غربية أو خليجية لن تقدّم أي مساعدة ولن تقدم على أي استثمار في لبنان، فإنّ الوضع الاقتصادي والمالي سيغرق في مزيد من الأزمات.
ولكن، استناداً إلى المعلومات التي وردت إلى موقعنا، فإنّ واشنطن لن تكتفي بذلك، بل ستتّخذ إجراءات إضافية، منها فرض عقوبات على شخصيات لها علاقة بـ “حزب الله” أو بحلفاء له. كما أنّها ستواصل الضغط، ربّما من خارج إطار الحكومة، من أجل نزع السلاح. فتعطي ضوءاً أخضر مفتوحاً لإسرائيل، لضرب مواقع “الحزب” في الجنوب وبيروت والبقاع، ولتنفيذ اجتياح برّي محدود أو ربّما غير محدود، من أجل ملاحقة عناصر الحزب وتفكيك بنيته، طالما أنّ الدولة اللبنانية لا يمكنها القيام بهذه المهمّة بنفسها، كما أثبتت الوقائع.
ولا ننسى أنّ الموفد الأميركي تحدّث عن عودة لبنان إلى “بلاد الشام”، وعن احتمال اندلاع حرب أهلية. وبمعزل عمّا يقصده بذلك، فإنّ شرارة الفتنة كادت أن تشتعل في لبنان في الأيّام الأخيرة، على خلفية الاشتباكات التي وقعت في السويداء بين العشائر العربية والدروز، والمجازر التي شهدتها المحافظة. وهذا يدلّ إلى هشاشة الوضع اللبناني، خصوصاً أنّ هناك من يتماثل مع هذا المكوّن الطائفي أو ذاك في سوريا، وهناك إسرائيل التي تصبّ الزيت على النار، محاولة الاستثمار في الفتنة، من أجل أن تدخل إلى الجنوب السوري، وتفرض سيطرتها على مناطق فيه.
وعلى رغم حرص المسؤولين في الطائفتين الدرزية والسنّية على تفادي أيّ فتنة في لبنان، فإنّ من يعرف ما يجري على أرض الواقع، يتحدّث عن احتقان كبير وخوف لدى الدروز، وكذلك لدى العشائر العربية السنّية، من أن يؤدّي حادث بسيط أو احتكاك مفتعل إلى اشتعال فتيل “الحرب الأهلية” التي تحدّث عنها توم برّاك، عندما قال إنّ عدم نزع السلاح هو الذي سيقود إلى حرب بين اللبنانيين، وليس العكس. وهذه الفتنة، في حال اندلعت، قد تتّسع إلى طوائف أخرى، بحيث تقع اشتباكات حدودية بين القوّات السورية أوالعشائر من جهة و”حزب الله” من جهة أخرى، وتنسحب إلى الداخل اللبناني، فتنة سنّية – شيعية.
وهذه الحرب تناسب إسرائيل، لأنّها ستجعل اعداءها يتقاتلون في ما بينهم حتّى الموت، بينما هي تتفرّج، ولا تتكلّف الكثير من الخسائر. كما ستدفع الأحداث تركيا إلى التدخّل دعماً لحليفها أحمد الشرع. وهناك بالفعل حديث عن احتمالات عقد اتّفاق أمني مشترك بين البلدين.
ما يحمي فعلاً من حرب كهذه، ويحفظ حقوق الطوائف كلّها، وعلى رأسهم الشيعة، هو انضمام الجميع تحت مظلّة الدولة القويّة. ولن يكون عندها تسليم السلاح أكثر كلفة من حرب ستقضي على الجميع.