
خاص – “لاءان” لبنانيتان لا تصنعان “نَعَمًا” أميركية
في الحلقة الأخيرة من برنامج “من سيربح الوطن” الذي امتد فصولًا على مدى عقود، طرأت تغييرات جذرية على قواعد اللعبة: فقد ألغِيت إمكانية حذف السؤال، وألغيت أيضًا إمكانية الاستعانة بصديق أو سؤال الجمهور، لأن الجمهور إجابته باتت معروفة فيما لم يبقَ أصدقاء للمشترِك. لم يتبقّ إذًا إلا خيارًا وحيدًا: إعطاء جواب نهائي على سؤال واحد أجمع على طرحه فريق الإعداد العربي والدولي بقيادة الولايات المتحدة، إضافة الى الجمهور المحلي وما تبقى من أصدقاء: هل يسلّم “حزب الله” سلاحه، ومتى؟
فلو اردنا استنساخ قواعد هذا البرنامج العربي الشهير (من سيربح المليون) على الواقع السياسي اللبناني، لوجدنا ان أمين عام “حزب الله” الشيخ نعيم قاسم قد أجاب بصراحة ووضوح شديدين على السؤال قبل وصول المبعوث الأميركي توم براك الى بيروت بساعات، مؤكدًا بجواب نهائي ان الحزب لن يسلم سلاحه أبدًا، من دون أن يكلف نفسه عناء وضع شروط معينة أو جدول زمني ما لتسليم هذا السلاح الذي لا يعرف أحد ماذا تبقى منه بفعل الضربات الإسرائيلية المستمرة على مواقع الحزب منذ الثامن من تشرين الأول 2023 الى اليوم.
لا النافية التي أطلقها “حزب الله” جاءت لتواكب لا ثانية أطلقتها الحكومة اللبنانية في أكثر من مناسبة، مؤكدة عدم رغبتها في نزع سلاح الحزب بالقوة بذريعة الخوف من إقحام البلاد في حرب أهلية. كما أكدت الحكومة أكثر من مرة، ولا تزال، أن هذا الأمر متروك لحوار “سري” بين رئيس الجمهورية العماد جوزيف عون و”حزب الله”، فيما لم يؤتِ هذا الحوار أية نتيجة الى اليوم، بدليل مواقف الحزب المتصاعدة في السلبية.
ولعل أسوأ ما في الأمر وضع قاسم الجيش اللبناني في الخانة نفسها مع جيش العدو الإسرائيلي، بتأكيده مرة ثانية رفض “حزب الله” تسليم السلاح الى اسرائيل، علمًا ان المفاوضات المحلية والمطالب الخارجية تؤكد على تسليم سلاح الحزب للجيش اللبناني، ذلك ان اسرائيل تفضل تدمير سلاح الحزب على تسليمه، وهو ما تعمل عليه يوميًا دون حسيب أو رقيب.
وبموازاة ملف السلاح الشائك، بدا “حزب الله” متصلبًا في قضية على درجة أدنى من الأهمية، بفعل تراخي السلطة اللبنانية في التعاطي معه، وعدم تنفيذها الفوري للقرار الذي اتخذته. فبعد أيام من إصدار مصرف لبنان تعميمًا قضى بحظر التعامل مع “جمعية القرض الحسن”، أصدرت الجمعية بيانًا أكدت فيه أنها لا تخضع لسلطة مصرف لبنان. وبالرغم من اعترافها بعدم شرعية عملها “لأنها لا تخضع لسلطة مصرف لبنان”، أكدت الجمعية “استمرارها في أداء مهامها الاجتماعية والمالية بوتيرة متصاعدة وبفاعلية أكبر، على الرغم من الضغوط والإجراءات الأخيرة”.
فإذا كانت الحكومة عاجزة عن تطبيق القانون والقرارات التي تتخذها في المجالات الاقتصادية والمالية، فهل لأحد في العالم أن يقتنع بعد بقدرتها على تطبيق قرار حصرية السلاح بيد الجيش والقوات المسلحة الشرعية، وخاصة بعدما دخل قرار سحب السلاح الفلسطيني مراحل التسويف والتأجيل؟
براك في لبنان ليس ليتسلم الرد اللبناني بشقيه من “حزب الله” والحكومة بعدما تسلمه اعلاميًا قبل وصوله. براك في لبنان ليغسل يديه من دماء أقربائه اللبنانيين بعدما يقول لمن يعنيهم الأمر: اللهمّ إني بلغت. وحين يغادر المبعوث الأميركي مطار بيروت سيكون على الحكومة اللبنانية ان “تقبع شوكها بيدها” لأنها ستكون متروكة لمصيرها من دون اي دعم عربي او دولي في منطقة يعاد ترسيم حدودها بالحديد والنار.
أما إسرائيل المنتظرة على ضفة النهر، فسيكون متاحًا لها تحويل لبنان بترابه ومياهه وأجوائه الى حقل رماية للمتطوعين الجدد في جيشها، وحقل اختبار لأسلحتها الجديدة على مدى الأشهر وربما السنوات المقبلة، ذلك أن “اللائين” اللبنانيتين من “حزب الله” والحكومة لن تصنعا بالتأكيد “نعمًا” أميركية لإعطاء فرص إضافية للعهد والحكومة.