
لبنان يريد مبادَلة التعهّدات بضماناتٍ وأميركا تلوّح بـ «نفض اليد»
– إذا لم يُسحب سلاح «حزب الله» فسيكون ذلك مخيّباً للآمال… ليست هناك عواقب ولا سوط ولا تهديد
– العقوبات على المسؤوليين اللبنانيين ليست قيد التفكير الآن
– ما نحاول القيام به هو الإتيان بالسلام والاستقرار وليس إضافة حطب أكثر على النار
في العادة «عدم وجود جديدٍ هو خبر جيّد»، ولكن في لبنان قد يكون ذلك من طلائع «أخبار سيئة» يُخشى أن تَكتب للبلاد مزيداً من الإقامة في دائرة الخطر الشديد.
وهذه الخشية أطلّتْ برأسها في ضوء ما رَشَح عن اليوم الأول من محادثات الموفد الأميركي توماس براك في بيروت، مع عدد من كبار المسؤولين والتي طَبَعَها عنوان: لا جديد لدى لبنان الرسمي بإزاء ترجمة نية سحْب سلاح «حزب الله»، في مقابل إشاراتٍ أطْلَقَها مبعوث الرئيس دونالد ترامب وفق شعار «حان وقت التنفيذ» وتَشي بأثمان تحت لافتة «خيْبة الأمل» من أي إمعانٍ بالمرواحة والمراوغة في وَضْع روزنامة زمنية تفكّك البنية العسكرية للحزب جنوب الليطاني وشماله بموجب خريطة طريق يقرّها مجلس الوزراء وبموافقة معلَنة من الأخير.
«التزامن والتوازي»
وتَبَلْوَر هذا الواقع البالغ الحساسية من خلال أمرين رافقا تسليم بيروت ردّها على الملاحظات التي سبق أن تسلّمتْها من برّاك على جوابها الأول على مقترحه في ما خصّ نزْع السلاح وبتّ مسألتيْ الحدود البرية مع أسرائيل وسوريا والإصلاحات:
– الأول تكريس لبنان مبدأ «التزامُن والتوازي» بين حصْر السلاح بيد الدولة وبين انسحاب إسرائيل من التلال الخمس وإعادة الإعمار، والذي بدا بمثابة صيغةِ «حل وسط» تضع مسافةً بين موقف الدولة غير الراغب ولا القادر على إغضاب واشنطن، وبين مقاربة «حزب الله» الذي يربط أي نقاش حول سلاحه بتنفيذ تل أبيب الانسحاب ووقف الأعمال العدائية والاغتيالات وإطلاق الأسرى (ومسار الإعمار) أولاً وبعدها بحث الملف في إطار ناظِم لبناني اسمه الحوار حول الإستراتيجية الدفاعية.
وبعد استقباله براك، ظهّر رئيس الجمهورية العماد جوزاف عون بوضوحٍ الموقفَ الرسمي اللبناني، حيث أعلن المكتب الإعلامي للقصر الجمهوري أن الموفد الأميركي تسلّم «باسم الدولة اللبنانية مشروع المذكرة الشاملة لتطبيق ما تعهّد به لبنان منذ إعلان 27 نوفمبر 2024 (اتفاق وقف الأعمال العدائية مع إسرائيل)، حتى البيان الوزاري للحكومة اللبنانية، مروراً خصوصاً بخطاب القسَم، وذلك حول الضرورة المُلحّة لإنقاذ لبنان، عبر بسط سلطة الدولة اللبنانية على كامل أراضيها بقواها الذاتية دون سواها، وحصْر السلاح في قبضة القوى المسلحة اللبنانية وحدها، والتأكيد على مرجعية قرار الحرب والسلم لدى المؤسسات الدستورية اللبنانية».
ملامح عدم الارتياح
وأضاف «كل ذلك، بالتزامن والتوازي مع صون السيادة اللبنانية على حدودها الدولية كافة، وإعادة الإعمار وإطلاق عملية النهوض الاقتصادي، بضمانة ورعاية من قبل أشقاء لبنان وأصدقائه في العالم، بما يحفظ سلامة وأمن وكرامة كل لبنان وجميع اللبنانيين».
– والأمر الثاني توجيه براك – الذي بدت عليه ملامح عدم الارتياح – من على منبر السرايا الكبيرة بعد لقائه رئيس الحكومة نواف سلام، وعشية اجتماعه اليوم مع رئيس البرلمان نبيه بري حيث يُفترض أن يَسمع رداً «موازياً» محمّلاً بموقف «حزب الله»، 3 رسائل فائقة الأهمية جاءت مُدَجَّجة بـ «حمولة سلبية» اعتُبرت برسْم ما تبلّغه من لبنان الرسمي والذي قابَلَه خلف الأبواب الموصدة بدعوةٍ إلى ترجمة النيات تنفيذياً ووفق إطارٍ زمني محدّد.
الرسالة الأولى عبّرتْ عنها تسميته اتفاق 27 نوفمبر الذي أوقف العمليات العدائية بين إسرائيل و«حزب الله» بعد حرب الـ65 يوماً الطاحنة بأنه اتفاق نزْع سلاح«حزب الله»مع إشارةٍ«تذكيرية»بأن واشنطن تعتبره«منظمة إرهابية أجنبية، ولا علاقة لنا بمناقشة أي شيء معه».
والثانية إعلانه رداً على سؤال حول مصير الضمانات التي طلبتْها حكومة لبنان من واشنطن لجعل تل أبيب توقف خرق اتفاق وقف النار،«لا أعرف ما الضمانات التي سألتَني عنها، ولكننا لا نستطيع أن نرغم إسرائيل على القيام بأي شيء. وأميركا ليست هنا كي تُرْغِم إسرائيل على القيام بأي شيء. نحن هنا لنستعمل تأثيرنا ونفوذنا للوصول الى نهاية، وكما قلنا نحن هنا للمساعدة والتوجيه الى نهاية، والمسألة تعود لكم أي للحكومة وللجميع عندما تكونوا قد سئمتم من هذه المناكفات والمنافسات حيث يصل الجميع الى خلاصة، الى ضرورة فهم أكبر وسلام مع الجيران، وليس فقط مع إسرائيل، فهناك شروط وعناصر أخرى، كي تكون الحياة أفضل. ولن يكون لنا جنود على الأرض في بيئة عدائية في أي مكان».
والثالثة تأكيده رداً على ما ستفعله الولايات المتحدة في حال فشلت الحكومة اللبنانية في سحب سلاح «حزب الله» أنه إذا لم يحصل ذلك «فسيكون مخيّباً للآمال»، بالتوازي مع إشارته إلى أنه «ليست هناك عواقب، ولا سوط ولا تهديد. فنحن هنا بشكل طوعي للمحاولة لمساعدتكم للوصول الى الحل، أي فقط نوع من التأثير للعودة الى النموذج الذي تريدون أن ترونه جميعاً أي الازدهار والسلام لأولادكم في محيط صعب جداً».
«مثلث الرسائل»
وتم التعاطي مع «مثلث الرسائل» هذا على أنه «شيفرة» عكستْ تَعاطياً من الولايات المتحدة على أن مفهومها الحالي لاتفاق 27 نوفمبر ينطوي على أولويةِ سحْب سلاح «حزب الله»، وإلا «نَفْضُ اليد» أميركياً ودولياً من لبنان وترْكه ربما لإسرائيل ومخططاتها، وسط توقُّف أوساط سياسية عند تكرار براك أن اتفاق وقف الأعمال العدائية «دخل حيز التنفيذ لكنه لم ينجح، وهناك أسباب لعدم نجاحه وهذا جزء مما نحاول جميعاً أن نحله»، وصولاً إلى تأكيده أن فرض عقوبات على المسؤولين اللبنانيين «بعيد جداً عما نقوم به حالياً، وهذا موضوع معقد للغاية وهو موجود ومتوافر، ولكنه ليس قيد التفكير الآن»، وتشديده على«أن ما نحاول القيام به هو الإتيان بالسلام والاستقرار وليس إضافة حطب أكثر على النار».
وفي موازاة حرص براك على التوضيح رداً على سؤال حول صحة «ما قيل عن تسلُّمه ردوداً من الرئيس عون ومن الرئيس بري تتضمّن ملاحظات لحزب الله، لم أر أي ملاحظة من الحزب على الأقل»، وإعلانه أن سبب عودته للمرة الثالثة إلى بيروت في غضون شهر «هو الاهتمام الكبير من الرئيس ترامب للتأكد من تأمين الاستقرار الإقليمي ولبنان محوريّ هذه العملية، ومفتاح في هذا الإطار»، فإن شَبَحَ أحداث السويداء خيّم على زيارة الموفد إلى سوريا والذي سَبق أن حضّ «بلاد الأرز» على الاقتداء بـ «النموذج السوري» الذي وُلد على أنقاض نظام بشار الأسد.
تشظياتُ أحداث السويداءوإذ بدت تشظياتُ أحداث السويداء، التي أصابَتْ «أحد جناحيْ» مهمة براك، ماثلةً في جانبٍ منها في الجولة الثالثة من دوره على خطّ الملف اللبناني، وسط اعتبار قريبين من «محور الممانعة» أن المنزلَق الذي بَلَغَتْه «بلاد الشام» أَلْحَقَ «ثقوباً» في حقيبةِ الموفد الأميركي وأوراق الضغط المتعلّقة بسلاح «حزب الله» الذي كان بكّر في «رَبْط الدروس» مع تطورات الجنوب السوري، فإن الأوساطَ السياسية حذّرتْ من أي استئخارٍ جديدٍ لملف السلاح من لبنان الرسمي، لهذا الاعتبار أو ذاك، لأن ذلك سيَعني وضْع البلاد على كفّ حربٍ جديدة تتحيّنها إسرائيل خصوصاً في ضوء ما عَكَسه نأي برّاك بالولايات المتحدة عن قرار تل أبيب بضرب سورية من هامشٍ كبير، نظري أو واقعي، تملكه الأخيرة في «حرية التصرف» في كل مكان وزمان.
ولم تمرّ إطلالة براك من بيروت على الملف السوري وإشارته بدايةً إلى أنه يعود هذه المرة «وسط عدم الاستقرار الإقليمي الموجود في ضوء ما حصل في سوريا الأسبوع الماضي والأعمال الفظيعة التي حدثت»، من دون التباساتٍ أثارتْها ترجمات لموقفه رداً على سؤال حول الوضع في سوريا ربطاً بأحداث الجنوب وهل قوّضت ثقتة واشنطن بالنظام الجديد خصوصاً لجهة وضْع الأقليات.
وفي حين تناقلتْ ترجماتٌ بعضُها في وسائل إعلام لبنانية وعربية أن براك دعا إلى محاسبة الحكومة السورية، فإن التدقيقَ في ما قاله يُظْهِر أنه اعتبر أن هذه الحكومة «يجب أن تكون محلّ مساءلة وتحميل للمسؤولية، ولكن يجب أيضاً أن يتاح لهم أن تولّي المسؤولية الموكلين بها».
وقال براك «انتاب الولايات المتحدة إزاء الأحداث في سوريا قلق كبير وألم وحزن وتَعاطُف ومساعدة، وإقرارٌ بأنه في هذه الكيانات الحاكمة الناشئة التي تحاول أن تدمج الإقليات فإن هذه العملية والتواصل أمرٌ مهم للغاية، والتنسيق (كذلك) مع الجيران، وهنا إسرائيل، وجمْع كل هذه القطع معاً، وأن نتذكر أنه كانت هناك 15 عاماً من الأعمال الفظيعة التي حصلت قبل وصول الحكومة الحالية في سوريا».
وختم أن «الوضع في لبنان مختلف، حيث هناك حكومة قائمة تعمل مع الأقليات ومع الجيش اللبناني، وهناك جيش مستقر ويفهمه الشعب. أما في سوريا فثمة حكومة جديدة وأقليات وقبائل عاش معظم أبنائها حياتهم في الفوضى وغياب الحكومة. وما يحصل أنه عندما تقع أمور يلجأون إلى قبيلتهم. إنه الفرد، العائلة، القبيلة، ثم الأمة في النهاية. وما حدث فظيع بالتأكيد ولا يمكن تصوُّره. ونأمل أن يؤدي هذا إلى إيجاد حل وتوحيد هذه القضايا في شكل أسرع. ولكن هناك حكومة سورية يجب تحميلها المسؤولية ولكن أيضاً يجب أن يتم منحها المسؤولية التي هي موجودة من أجلها. وجزء من هذه المشاكل كان ربما بسبب عدم نجاح التواصل بين كل هذه المكونات».
وبرز في اليوم الأول من محادثات براك لقاءه الزعيم الدرزي وليد جنبلاط الذي يضطلع بدور كبير في ملف أحداث السويداء وتهدئتها، والمطران الياس عودة، واستقباله نواباً وشخصيات على عشاء في مقرّ السفارة الأميركية، على أن تشمل زيارته اجتماعات مع عدد من القادة السياسيين الذين يلتقي بعضهم على مائدة عشاء يقيمها النائب فؤاد مخزومي اليوم. أما غداً فيزور البطريرك الماروني مار بشارة بطرس الراعي.
وفي موازاة ذلك، عاجَل نائب حزب الله حسين جشي براك بموقف عالي السقف اعتبر فيه أن «الموفد الأميركي حضر إلى لبنان مجدداً، ويريد من بلدنا أن يتخلى عن سلاح المقاومة، بعدما كان قد صرّح في جولة سابقة أن على كل فريق أن يتخلى عن شيء، في حين أننا نقول له اليوم إننا لا نريد منكم شيئاً، بل عليكم أن تُخْرجوا العدو الإسرائيلي من أرضنا وبحرنا وسمائنا. وعندها فقط يصبح لبنان بخير، فنحن كلبنانيين نتدبر أمرنا، ونعرف ما فيه صلاح بلدنا وحماية وطننا، ولا نحتاج إلى وسيط بيننا».