لا ضمانات أميركية: نزع السلاح مهمة تل ابيب!

لا ضمانات أميركية: نزع السلاح مهمة تل ابيب!

الكاتب: عبد الوهاب بدرخان | المصدر: النهار
23 تموز 2025

فوجئ دونالد ترامب، على ذمة ما يُنقل عنه، بالقصف الإسرائيلي أخيراً للكنيسة الكاثوليكية الوحيدة في مدينة غزّة. لكنه اكتفى بالتوضيح الكاذب الذي تلقاه من بنيامين نتنياهو: القصف “كان خطأً”، ولم يرَ أن هناك ما يستوجب الإدانة. أما الأنباء اليومية عن قتل منتظري المساعدات، وعن المجاعة في غزّة، فيعتبرها الرئيس الأميركي مجرّد “روتين” حربي متوقّع لا يستحق الاهتمام.

“فوجئ” ترامب أيضاً- كما لو أنها المرّة الأولى- بقصف إسرائيلي للسويداء ودمشق، ونُقل عن مسؤول في البيت الأبيض أن نتنياهو “يتصرّف بجنون (…) ما قد يُفشل جهود ترامب في سوريا والمنطقة”. وسجّلت إسرائيل انتقادات كثيرة في الوسط السياسي الأميركي لهذا “الجنون”، وحاولت أن تنسبه إلى وزير الدفاع، الموصوف إسرائيلياً بأنه “صبي نتنياهو”. لم تدنْ واشنطن هذا القصف، بل كثّفت التسريبات بأنها غير موافقة عليه، ثم جاء الموقف المستهجن في قول المبعوث الخاص توم برّاك إن التدخل الإسرائيلي في سوريا “جاء في وقت سيئ” أو “غير مناسب”، وإن واشنطن “لم تُستشر ولم تشارك”… ولدى التساؤل ماذا لو استشيرت؟ وما الوقت المناسب؟ سيتبين أن هذا الموقف لا معنى له: فإمّا أن إسرائيل هي التي تقود سياسة أميركا في المنطقة، وإما أنها تنفّذ سياسة هوجاء متعارضة مع أهداف واشنطن لكنها ستحظى بتأييد ترامب في نهاية المطاف.
خلافاً للانطباعات الطيبة التي بثّتها تحركات توم برّاك وتصريحاته في سوريا ولبنان، فإن أحداث السويداء كشفت أن إسرائيل تمارس تضليلاً مركّزاً للسياسة الأميركية، ما ينعكس على عمل المبعوثين، باستثناء “كبيرهم” ستيف ويتكوف الذي يبقى “متفائلاً” ما دامت إسرائيل تواصل حربها الوحشية وتتصلّب في المفاوضات. تختلف الحال بالنسبة إلى المبعوث برّاك، لا لأنه من أصل لبناني، بل لأنه مكلّف ملفَّي لبنان وسوريا البالغَي التعقيد. وفيما يحاول معالجة الشروخ السورية الداخلية، يجد أن إسرائيل تعمل على توسيعها لدى جميع “المكوّنات”. أما بالنسبة إلى لبنان، فكيفما قُلّبت مواقفه فإنها لا تعبّر حتى الآن عن مقاربة متماسكة لمسألة “نزع سلاح حزب إيران/ حزب الله”. كيف؟
قال إن وقف النار بين لبنان وإسرائيل “فشل” و”نحاول معالجة أسباب الفشل”. ومن الواضح أن “المعالجة” التي يعنيها تتعلق بـ “نزع السلاح”، لكن الجانب اللبناني الرسمي يطالب بـ”احترام اتفاق وقف النار”، أي بإزالة إسرائيل احتلالها ووقف اعتداءاتها واغتيالاتها لعناصر “الحزب”، كي يتمكن لبنان من التصدّي لمسألة السلاح. غير أن صراحة باراك بأن واشنطن “لا تستطيع إجبار إسرائيل على فعل أي شيء” تكاد تعني أن مهمته كوسيط أمام طريق مسدود، وإن توافق الطرفان الأميركي واللبناني على استمرارها. إذ إن “الحزب” يزداد إصراراً، بلسان أمينه العام من طهران وقادته ونوابه في بيروت، على التمسّك بسلاحه، وقد منحتهم إسرائيل بتدخلها في السويداء ذرائع إضافية، وإن لم يكونوا في حاجة إلى ذرائع. هنا يأتي الموقف البرّاكي القائل إن “سلاح الحزب مسألة لبنانية داخلية” وإن “حلّها في أيدي الحكومة اللبنانية”، لكنه يعلم أنها “مسألة إيرانية” أولاً وأخيراً، وبالتالي فإن حلّها سيبقى متروكاً لإسرائيل، وعلى طريقتها.