
الحكومة على الحياد بين المركزيّ و”القرض الحسن”
تحدّت جمعيّة “القرض الحسن” سلطة مصرف لبنان ردّاً على قراره القانوني والشجاع الذي حظر فيه تعامل المصارف والمؤسّسات المالية مع الجمعية، وهي الذراع الماليّة لـ”الحزب”، فأعلنت أنّها ليست مستمرّة في نشاطها غير القانوني فحسب، بل هي بصدد زيادة عدد فروعها بحيث ترتفع من 36 إلى أربعين فرعاً.
ذهبت الجمعيّة إلى أبعد من ذلك، فأدلت بأنّها غير خاضعة لمصرف لبنان وقراراته وتعاميمه، مع أنّ مصرف لبنان في تعميمه الأخير رقم 170 لم يوجّه أيّ تعليمات مباشرة لجمعيّة “القرض الحسن” بل حظر على المصارف والمؤسّسات المالية الخاضعة لسلطته التعامل مع الجمعيّة بأيّ شكل من الأشكال.
الجمعيّة التي تمارس نشاطات ماليّة غير شرعية مرخّصة من قبل وزارة الداخلية، وهي تقبل الودائع وتمنح القروض خلافاً لقانون النقد والتسليف، الذي فرض على أيّ طرف يمارس هذا النوع من النشاطات المالية أن ينال ترخيصاً بذلك من المصرف المركزي.
جمعيّة أم مصرف؟
لذلك كان على الحكومة، والحكومات السابقة، أن تبسط على طاولة مجلس الوزراء هذا الموضوع الخطير المتمثّل في أنّ جمعيّة “خيرية” حوّلت نفسها إلى مصرف يقبل الودائع ويمنح القروض من دون ترخيص من السلطة الوحيدة صاحبة الصلاحيّة في هذا الشأن، وهي المصرف المركزي. والمركزي لا يكتفي بإعطاء التراخيص بل هو يمارس الرقابة الدائمة على مؤسّسات الائتمان وعملها ضمانة لحقوق الناس وودائعها وحرصاً على مصلحة الاقتصاد والاستقرار الماليّ العامّ في البلاد. لكنّ النشاط “المصرفيّ” لجمعيّة “القرض الحسن” كان خارج كلّ رقابة وأموال المتعاملين معها هي في خانة المجهول.
جُرؤ حاكم مصرف لبنان كريم سعيد على اتّخاذ قراره الشجاع بعد فترة وجيزة من تبوّئه منصبه، في إطار المهمّة العامّة المناطة بمصرف لبنان. وبقيت الحكومة صامتة ومكتوفة اليدين كأنّ الأمر لا يعنيها، على الرغم من الأضرار الجسيمة التي تلحقها بالبلاد “جمعية القرض الحسن”.
شكّلت تحدّياً لسلطة الدولة وسيادتها على غرار جيش “الحزب”، وأساءت إلى سمعة لبنان في الأوساط المالية الإقليمية والدولية. إذ أصبح لبنان متّهماً بمخالفة القوانين الدولية، خصوصاً قوانين تبييض الأموال وتمويل الإرهاب وقواعد الامتثال والشفافية، فدفعت “مجموعة العمل الدولي” لبنان إلى اللائحة الرمادية ورشّحته للانضمام إلى اللائحة السوداء بما يعزّز عزلته الدولية.
إن “القرض الحسن”، بما هو مصرف مركزيّ لـ”الحزب”، يشكّل أحد العناصر الأساسية للاقتصاد النقدي في لبنان، وهو إحدى المشاكل الرئيسية التي تضعف الاقتصاد والنظام المصرفي وتعزّز عزلة لبنان ضمن المجموعة الاقتصادية الدولية.
إلغاء التّرخيص واجب
إلغاء الترخيص المعطى للجمعية هو واجب ملحّ يقع على عاتق الحكومة بسبب مخالفة الجمعية للمهامّ التي تضمّنها قرار الترخيص لها، وبسبب مخالفتها الجوهريّة لقانون النقد والتسليف. إنّ قرار حاكم مصرف لبنان الذي يمنع تعامل المصارف والمؤسّسات المالية مع الجمعية لا يعفي الحكومة من واجب اتخاذ قرار بإلغاء الترخيص المعطى للجمعية بناء على اقتراح وزير الداخلية.
هل تخاف الحكومة من حرب أهلية، أيضاً، إذا اتّخذت هذا القرار؟ ثمّ إنّ الحكومة التي لا تجرؤ على إلغاء جمعية لـ”الحزب” تخالف القوانين، كيف تعد اللبنانيين والمبعوثين الدوليين بسحب السلاح من مخازن الحزب وأنفاقه وحصره بيد الدولة؟
عندما صوّت مجلس الوزراء لصالح تعيين كريم سعيد حاكماً لمصرف لبنان، خرج رئيس الحكومة نوّاف سلام من قاعة المجلس غاضباً وألقى خطبة عصماء مفادها بأنّ على مصرف لبنان أن يكون خاضعاً لقرارات الدولة وسياساتها. تبيّن منذ ذلك الوقت أنّ رئيس الحكومة لا يعرف بأنّ قانون النقد والتسليف تضمّن ترسيماً دقيقاً للحدود بين المصرف المركزي والدولة، فهو يتولّى حماية النقد اللبناني ويسهر على سلامة النظام المصرفي بشكل مستقلّ عن الدولة، أمّا هي فعندها خارج هذا الإطار بحر واسع من المهامّ والوظائف.
ينطبق الأمر نفسه على موضوع “القرض الحسن” حيث إنّ دور مصرف لبنان يختلف عن دور الحكومة، هو يمنع المؤسّسات المالية من التعامل مع الجمعية، وهي، أي الحكومة، تلغي ترخيص الجمعية من أساسه وتحاسب المسؤولين عنها، عند الاقتضاء.