انشغال أميركي متزايد بسوريا: لبنان المنقسم إلى الإهمال الخطِر

انشغال أميركي متزايد بسوريا: لبنان المنقسم إلى الإهمال الخطِر

المصدر: المدن
25 تموز 2025

الوتيرة الأميركية المتسارعة في المنطقة، لا تبدو منسجمة مع الإيقاع اللبناني. ويبدو الاهتمام متركزاً أكثر على سوريا، حيث كلما انفجرت الأوضاع هناك أو اقتربت من الانفجار، تدير واشنطن كل محركاتها في سبيل إطفاء أي حريق قابل للاشتعال. عندما كان في بيروت، وفي غمرة اهتمامه بالملف اللبناني، كان الموفد الأميركي توم باراك مهجوساً بالتطورات السورية، ويواكب كل الاتصالات لمنع التصعيد الإسرائيلي ضد دمشق. وعمل على التواصل مع الأطراف المختلفة بغية ترتيب لقاء سوري- إسرائيلي في العاصمة الفرنسية باريس. إذ غادر لبنان باتجاهها لإعادة تفعيل مسار التفاوض بين تل أبيب ودمشق.

الانشغال بسوريا

المؤشرات واضحة، وقدّ عبر عنها باراك بإحدى عباراته، عندما قال إنه في حال لم يواكب لبنان هذه التطورات، ولم يقم بما هو مطلوب منه، فإن واشنطن ستفقد اهتمامها أو تسحب يدها، بينما الأيدي كلها تنشغل بسوريا وملفاتها وتعقيداتها، على محور السويداء، أو محور شمال شرق سوريا، أو في العلاقة مع إسرائيل. خصوصاً أنه في موازاة الاجتماع “السياسي” الذي سيعقد بين مسؤولين سوريين وآخرين إسرائيليين في باريس برعاية أميركية، فإن تركيا تحضر لعقد لقاء على المستوى الأمني في أذربيجان، لاستكمال إنجاز اتفاق الترتيبات الأمنية بين الجانبين.

أمام كل هذا الانشغال الدولي بسوريا، يتراجع لبنان إلى المرتبة الدنيا، وسط معلومات تفيد بأن كل الطروحات التي تقدم بها المسؤولون اللبنانيون لا تبدو أنها تلقى آذاناً صاغية، أميركياً وإسرائيلياً. وعلى الرغم من إبداء الموفد الأميركي توم باراك تفهمه لمواقف اللبنانيين وهواجسهم، ومطالبتهم بتطبيق اتفاق ترتيبات وقف الأعمال العدائية، وكيفية تعزيزه وضرورة التزام إسرائيل به، إلا أن تل أبيب لا تبدو متجاوبة مع هذه المطالب، ولا تبدو مستعدة للتقدم أي خطوة على طريق وقف اعتداءاتها وخروقاتها وعملياتها في الداخل اللبناني. كما أنها حتى الآن لا تبدي أي استعداد للانسحاب. 

انقسام لبناني

طرح لبنان أفكاراً كثيرة، بينها وقف إسرائيل لكل الخروقات والعمليات لمدة معينة، وبعدها يتجه إلى اتخاذ قرار سياسي واضح في مجلس الوزراء حول تطبيق حصرية السلاح بيد الدولة، مع وضع آلية تنفيذية وجدول زمني. لكن لا جواب من إسرائيل حول هذا المسعى. وما ينقله الأميركيون أن المطلوب هو خطوات عملانية وليس قرارات مكررة أو مواقف مستعادة.

هذا الواقع، يؤسس لانقسام لبناني يتبلور أكثر فأكثر. في البداية اتخذ طابع رفض حصر التفاوض مع الأميركيين حول ورقة باراك بالرؤساء الثلاثة، والمطالبة بعرض المقترح الأميركي على طاولة مجلس الوزراء واتخاذ قرار بشأنه، على أن يعرض لاحقاً على مجلس النواب للمصادقة عليه. ثم تزايد الانقسام مع بروز أصوات سياسية ونيابية، تطالب بتحرك الحكومة وعقد جلسة لمجلس الوزراء، يتم خلالها اتخاذ القرار، وأن تلجأ الدولة إلى ممارسة سلطتها لتطبيقه. بينما هناك رفض من جهات متعددة في البلاد لمثل هذا الطرح، لما يمكن أن ينتجه من توترات. وهؤلاء يفضلون الحوار ومعالجة الملف بطريقة هادئة. هذا الاختلاف سيؤسس للمزيد من السجالات التي اعتاد اللبنانيون على الغرق فيها. وهو ما سيجعل الأميركيين وغيرهم يندفعون إلى سحب أيديهم واهتمامهم. وربما يدفع الإسرائيليين إلى تصعيد عملياتهم العسكرية وتكثيفها.

على مستوى المسؤولين، لا مانع من عقد جلسة حكومية. ولكن كان هناك انتظار لبلورة الأفكار التي يتم تبادلها مع الأميركيين. وبعد تبلورها، يتم عرضها على مجلس الوزراء لإقرارها. وذلك تجنباً لأي سيناريو انقسامي، أو لأي مقاطعة للجلسة الحكومية. وهذا يرتبط أيضاً بسعي الأميركيين إلى الحصول على موافقة كل القوى السياسية على مبدأ سحب السلاح وتسليمه للدولة، بما فيهم حزب الله. وهو ما لا يبدو ظاهراً أو ممكناً في هذه المرحلة. خصوصاً أن الحزب يتمسك بالسلاح ويرفض تسليمه أو حتى البحث به، قبل الوصول إلى تطبيق اتفاق وقف الأعمال العدائية وانسحاب إسرائيل من الجنوب.