
هل تحمي المظلّة الفرنسية لبنان من العاصفة الآتية؟ خيبة أميركية وعربية من الردّ اللبناني
عبثًا تحاول الدولة اللبنانية الحصول على مظلة دولية ورسائل اطمئنان، ما لم تتخذ موقفًا تاريخيًا حاسمًا وعمليًا، مرفقًا بجدول زمني لحصر السلاح غير الشرعي. هذا المطلب السيادي الداخلي كرره الإليزيه على مسمع رئيس الحكومة نواف سلام الذي عاد في الشكل إلى السراي حاملًا في جعبته رسالة اطمئنان بعد لقائه الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون الذي أكد التزامه مساعدة لبنان والتجديد لقوات “اليونيفيل” وتعزيز العلاقات الثنائية لا سيما في مجالات الأمن والاقتصاد والتعليم والثقافة.
أما في المضمون، فعاد سلام خالي الوفاض، فالمظلة الفرنسية لم تحدّد موعدًا لانعقاد مؤتمر المانحين الدوليين الذي وعدت بتنظيمه هذه السنة بعد مؤتمر تشرين الأول من العام الماضي.
فباريس وبحسب مصادر لـ “نداء الوطن” تتريث في انتظار أن ينجز لبنان سلسلة إصلاحات تتعلق بكافة قطاعات إعادة بناء مؤسسات الدولة. وماكرون يعتبر أن معالجة ملف السلاح غير الشرعي بالكامل وإنجاز كامل الإصلاحات أمران ملحّان ولا يحتملان التأجيل. وعلم في هذا الإطار، أن الرئيس الفرنسي لم يكن بعيدًا من أجواء المحادثات التي أجراها الموفد الأميركي توم براك مكررًا مخاوفه من أن تأتي الأيام المقبلة بتطورات لا تسير في مصلحة الاستقرار العام في لبنان.
هل تملك فرنسا أدوات الضغط الفعلية؟
وفي ظل الانسداد الحاصل في ملف السيادة، ورفع “حزب الله” سقوف المواجهة مع الشرعية بإصراره على التمسك بالسلاح، ومحاولاته المتكررة تفخيخ مسار العهد، تبدو باريس وكأنها تحاول إعادة الإمساك بالورقة اللبنانية من جديد، بعدما عجزت من خلال موفدها الرئاسي جان إيف لودريان وعلى مدى أشهر مضت عن الدفع في اتجاه تجاوز لبنان مخاضه الرئاسي.
مصادر سياسية متابعة أشارت لـ “نداء الوطن” إلى أن زيارة الرئيس سلام إلى باريس تؤكد مجدّدًا اهتمام الجانب الفرنسي بلبنان ومتابعته أبرز الملفات فيه ولا سيما ملف الإصلاحات وإعادة الهيكلة وإطلاق المسار السياسي والإصلاحي للحكومة، إضافة إلى المؤتمر الذي تعمل باريس على تحضيره من أجل لبنان في الخريف المقبل.
في المقابل تسأل مصادر، هل تملك فرنسا أدوات الضغط الفعلية لإحداث تغيير في الداخل اللبناني خارج المظلة الأميركية وخصوصًا في ما يتعلق بملف تسليم السلاح؟ وهل تأتي المظلة الفرنسية كبديل أم مكمل للمبادرات والمساعي الأميركية والخليجية لمساعدة الدولة على استكمال النهوض بمؤسساتها والشروع في مرحلة التعافي؟
رد مخيّب للآمال
في الواقع، تعكس زيارة سلام إلى باريس ومغادرة المبعوث الأميركي توم براك بيروت إلى فرنسا لعقد لقاءات مع مسؤولين فرنسيين يتناول نتائج زيارته إلى لبنان، واقعاً مزدوج المسارات: مسار أميركي ضاغط يربط الدعم بالإجراءات الأمنية والسيادية وتحديد جدول زمني، ومسار فرنسي أكثر مرونة يراهن على استنهاض المؤسسات من دون الدخول في اشتباك مباشر مع “الحزب”.
وفي هذا السياق تشير المصادر، إلى أن الرد اللبناني على ورقة براك جاء مخيّبًا للآمال، والسبب مواصلة الدولة سياسة الهروب إلى الأمام وتمييع تحديد جدول زمني لتسليم السلاح غير الشرعي. هذا الملف، سيحضر بقوة على طاولة البحث بين براك والجانب الفرنسي بالإضافة إلى ملف التجديد لقوات “اليونيفيل” العاملة في جنوب لبنان وسط تباين واضح في موقفي البلدين.
توازيًا، أشارت مصادر متابعة إلى أن الموقف العربي يتماهى بشكل كبير مع الموقف الأميركي، فالدول العربية مستعدة لمساعدة لبنان ومد يد العون لكن على لبنان القيام بالخطوات المطلوبة، وبالتالي لا مساعدات ملموسة واستراتيجية من دون حصر السلاح بيد الدولة والقيام بالإصلاحات المطلوبة. وتبدي المصادر خشيتها من الأحداث القادمة خصوصًا إذا أصرت إسرائيل على استكمال مخططاتها، وسط استمرار “حزب الله” بالتمسك بموقفه برفضه تسليم السلاح.
إلغاء اللجنة الأمنية المشتركة
في انتظار ترجمة مفاعيل الزيارة الفرنسية، لفتت رسالة رئيس حزب الكتائب النائب سامي الجميّل في خلال مؤتمر صحافي عقده في بيت الكتائب المركزي في الصيفي، إلى الشعب اللبناني، تمثلت بدعوته إلى عدم التأثر بالبروباغندا الحاصلة في سوريا والخشية منها، وتأكيده أن الدولة وحدها وجيشها قادران على الحفاظ على مكونات البلد ومواجهة أي خطر قد يأتينا من الحدود. كما دعا الدولة إلى إلغاء اللجنة الأمنية المشتركة بين “حزب الله” والجيش اللبناني”.
فرار “أبو سلة”
أمنياً، تصدّر المشهد الأمني في بعلبك واجهة الأحداث الداخلية في صورة تظهر إصرار الدولة على ملاحقة أوكار تجار المخدرات.
فقد نفّذ الجيش اللبناني أمس، عملية دهم واسعة في حي الشراونة، استهدفت عددًا من المطلوبين الخطرين وعلى رأسهم تاجر المخدرات المعروف بـ “أبو سلة”.
وفي وقت حاول “أبو سلة” الفرار بسيارة رباعية الدفع ترافقه مجموعة من مساعديه، استهدف الجيش السيارة بصاروخ من طائرة “سسنا” وأصابها بشكل مباشر، ما أدى إلى توقيف السائق، بينما تمكّن “أبو سلة” من الفرار إلى جهة مجهولة.
وأسفرت العملية عن توقيف عدد من المطلوبين، فيما لا تزال التعزيزات العسكرية قائمة في المنطقة.
كذلك وقعت اشتباكات مساء أمس بين عدد من المطلوبين والجيش في بلدة الكنيسة تخللها إطلاق نار وسط معلومات عن استهداف آلية للجيش بقذيفة صاروخية.
توازيًا، نفّذت مديرية المخابرات سلسلة عمليات أمنية، وأوقفت بنتيجتها 3 مواطنين لتأليفهم خلية تؤيد تنظيم داعش. وقد بيّنت التحقيقات الأولية أن الخلية تخطط للقيام بأعمال أمنية ضد الجيش بتوجيهات من قياديين في التنظيم خارج البلاد. وتجري المتابعة لتوقيف بقية أفراد الخلية.
الغارات تزنر مستودعات “الحزب”
في المقابل واصلت إسرائيل غاراتها أمس على المناطق الجنوبية حيث أغارت مسيّرة إسرائيلية على “بيك أب” في بلدة عيتا الشعب متسببة بمقتل مصطفى حاريصي. كما أغارت مسيّرة بصاروخ على منطقة حرجية في أطراف بلدة بيت ليف ما أدى إلى اشتعال حريق، قبل أن تطلق صاروخًا ثانيًا لمنع فرق الإطفاء من السيطرة على النيران. وأطلق الجيش الإسرائيلي الرصاص من تلة الحمامص باتجاه محيط رعاة الماشية في منطقة العمرة. ونفّذ تفجيرين في محيط الموقع المستحدث في الأراضي اللبنانية في تلة الحمامص بالتزامن مع عملية توسعة وتحصين الموقع.
لاحقًا أعلن الجيش الإسرائيلي مهاجمة مواقع عسكرية لـ “حزب الله” في جنوب لبنان منها مستودعات أسلحة ومنصة قذائف صاروخية.
وتساءلت مصادر رسمية عبر “نداء الوطن”، ما إذا كانت الغارات الإسرائيلية التي حصلت مساءً هي رد أولي من إسرائيل على الملاحظات والمطالب اللبنانية، وأشارت إلى أن نية إسرائيل التصعيد ويجب التحضر للأسوأ.
الراعي في المستشفى
بعيدًا من هذه الأحداث الأمنية المتنقلة، تعرّض البطريرك الماروني الكاردينال مار بشارة بطرس الراعي لوعكة صحية، نُقل على أثرها إلى المستشفى حيث يخضع للعلاج، وأفادت المعلومات بأن حالته مستقرة.