
خاص – حول التواصل مع العدو
كان الليل قد أوشك على الانتصاف عندما دخل حبيب وصديقه يوسف الى إحدى الحانات المعروفة في دبي. جلسا على البار يحتسيان كأسًا عله يزيل عنهما تعب يوم شاق في العمل. بعد قليل دخلت فتاتان فاتنتان وجلستا في مكان ليس ببعيد عنهما وراحتا تتبادلان أطراف الحديث برقي لافت وبلكنة باريسية لا يتقنها إلا من عاش في عاصمة العطور.
أعجب يوسف بإحدى الفتاتين، اقترح عليها كأسًا فوافقت، دعاها الى الرقص في أجواء رومنسية هادئة، وكان حوار عام بالفرنسية التي تعلمها في بيروت طغى عليه الإعجاب المتبادل:
-ما اسمك وماذا تفعلين في دبي؟
-أنا باتريسيا وجئت مع صديقتي الى دبي للسياحة وغدًا موعد رحلة عودتنا الى باريس.
-أنا يوسف وأعمل هنا منذ فترة في شركة عالمية.
وبعد كأسين آخرين سأل يوسف باتريسيا ما اذا كانت ترغب في متابعة السهرة في منزله على أن يوصلها في اليوم التالي الى المطار. وافقت باتريسيا من دون تردد، وهذا ما كان.
في اليوم التالي التقى يوسف بصديقه وزميله في العمل حبيب وأخبره بما حدث، لأن الاخير ودّعه في الليلة السابقة عائدًا الى منزله، وهكذا فعلت راشيل صديقة باتريسيا. إلا ان ما قاله حبيب نزل كالصاعقة على رأس يوسف: ألم تخبرك باتريسيا بأنها وصديقتها يهوديتان وربما تكونان إسرائيليتين؟
كلا بالتأكيد رد يوسف، مقللًا من أهمية الأمر طالما انه لن يراها بعد اليوم ولم يتفقا على التواصل مجددًا. ليلة حمراء وانتهى الأمر. هذا فضلًا عن ان الشركة التي يعملان فيها تضم عددًا من اليهود الإسرائيليين، وهو ما لم يشكل مشكلة لهما.
هنا رد حبيب ممازحًا صديقه: انت الآن متهم بتهمتين وفقًا للقوانين اللبنانية: الزنى، والتواصل مع العدو.
انتهى الحديث، إلا ان المشكلة حسب القوانين اللبنانية لم تنته.
هذه الرواية “المتخيلة”، وإن كانت شديدة الواقعية، ليست سوى مقدمة لإعادة طرح مسألة القوانين اللبنانية التي يعود تاريخ وضعها الى منتصف القرن الماضي وبعده بقليل عندما كان العرب، كل العرب، بحالة عداء مع إسرائيل، ولم يكن في حينه اي اسرائيلي قادرًا على ان يطأ أرضًا عربية. أما اليوم فقد قامت دولة فلسطينية على جزء من الأرض المحتلة، ووقعت معظم الدول العربية اتفاقات سلام معلنة أو مضمرة مع إسرائيل، وما زالت القوانين اللبنانية على حالها لتنفذ غب الطلب على من ينتقد الحكومة اللبنانية أو من يحكمون بسلاحهم الحكومة اللبنانية.
ماذا يعني التواصل مع العدو؟ ومن هو العدو أولًا؟
هل كل يهودي في العالم هو عدو؟ هل الفلسطينيون من عرب 1948 الذين يحملون جنسيات اسرائيلية هم عدو؟ هل دروز الجولان المحتل المجنسون ويخدم شبابهم في صفوف الجيش الاسرائيلي هم عدو؟ هل اللبنانيون الفارون من الجنوب عام 2000 هم عدو؟
أما تهمة التواصل فهي فضفاضة لدرجة تسمح بإلصاقها بأي شخص مهما كانت فعلته. فهل ان الاستماع في المنزل الى محطة تلفزيونية اسرائيلية هو تواصل؟ وهل ان الاستماع الى بث مباشر من الناطق باسم الجيش الاسرائيلي افيخاي ادرعي ليحدد مناطق ستقصفها الطائرات المعادية يعد تواصلًا؟ وهل ان العمل في مؤسسة عربية يعمل فيها اسرائيليون يعد تواصلًا، بعدما أصبح الاسرائيليون متواجدين في معظم الدول العربية فضلا عن الدول الاوروبية والاميركية طبعًا؟
أما التواصل الحقيقي مع العدو هو ما فعلته الحكومة اللبنانية مدعومة من “حزب الله” عندما وقعت اتفاقية ترسيم الحدود البحرية مع اسرائيل والتي (للتذكير) تضمنت 21 مرة عبارة “دولة إسرايل”. فهل ستواصل السلطة التنفيذية، عبر المحكمة العسكرية وأجهزتها الأمنية، وبتحريض مباشر من “حزب الله”، ترك اللبنانيين في هذا الوضع من الانفصام في الشخصية عبر رفض تطوير القوانين المتعلقة بهذا الأمر، بهدف الاحتفاظ بسيف مصلت على رقاب الأحرار؟
مناسبة العودة للحديث عن هذه القضية الشائكة هو ما حصل مع الزميلة هاجر كنيعو التي تم توقيفها 9 ساعات لدى وصولها الى مطار بيروت بناء على اشارة قضائية من القاضي فادي عقيقي بتهمة العمالة. كما صادر الامن العام هاتفها الخلوي وحاسوبها الخاص، فيما لم توجه اليها في التحقيق اي تهمة أمنية عندما حضرت بعد يومين الى المقر الرئيسي للامن العام. واعتبرت كنيعو انه “بمجرد ان تعلو أصواتنا ضد الحزب يبدأ الفيلم المفبرك”.
هي بالتأكيد رسالة مكررة لكل صوت حر في لبنان، لكنها أيضًا، وفي الوقت نفسه، رسالة الى العهد والحكومة لضرورة الإسراع في التخلص مما تبقى من مفاعيل الاحتلال الإيراني للبنان.