تقرير “فرعية إصلاح المصارف”: إجراءات عقابية غير مسبوقة لحماية حقوق المودعين

تقرير “فرعية إصلاح المصارف”: إجراءات عقابية غير مسبوقة لحماية حقوق المودعين

الكاتب: كبريال مراد | المصدر: نداء الوطن
26 تموز 2025

من المنتظر أن تنهي لجنة المال والموازنة الإثنين الإقرار النهائي لمشروع قانون إصلاح المصارف. سيكون على طاولتها تقرير اللجنة الفرعية، الذي وزّع على أعضاء اللجنة، وحصلت “نداء الوطن” على نسخة منه، والذي جاء خلاصة 9 جلسات عقدتها اللجنة الفرعية برئاسة النائب إبراهيم كنعان، وتمثلت خلالها الحكومة بوزراء المال والاقتصاد والعدل، بالإضافة إلى حاكم مصرف لبنان.

لا شك أن قانون إصلاح المصارف هو القانون الإصلاحي الهام المنتظر والمطلوب محليًّا ودوليًّا. لكنه لن يكون نافذًا بغياب قانون الانتظام المالي واسترداد الودائع الذي لم تنجزه الحكومة وتدرسه وتقره وتحيله إلى مجلس النواب بعد، خصوصًا أن العديد من مواد “إصلاح المصارف” مرتبطة “بقانون الفجوة”، والمادة 37 منه على سبيل المثال لا الحصر، نصّت على أن القانون لا يُصبح نافذًا إلا بعد إنجاز قانون الانتظام المالي واسترداد الودائع.

من هنا، ومنذ اللحظة الأولى، شددت اللجنة على أهمية إقرار المشروع، ولكن مع مسارعة الحكومة كذلك في إحالة قانون الانتظام المالي واسترداد الودائع إلى مجلس النواب، منعًا للتضارب بينهما نظرًا للترابط الوثيق بين القانونين، وحمايةً لحقوق وأموال المودعين.

ولم تكتف اللجنة بذلك، بل أصدرت منذ السابع من أيار الماضي، توصية إلى الحكومة بضرورة إسراعها بإحالة مشروع “الانتظام المالي واسترداد الودائع”، ليصار إلى درسه بالتوازي مع مشروع إصلاح المصارف لما لذلك من أهمية للمودعين. فتحديد المسؤوليات بين الدولة ومصرف لبنان والمصارف وتوزيع الالتزامات على كل طرف، يحددها قانون الفجوة المالية، لتبدأ خريطة طريق استعادة ثقة المودع بدولته، من خلال استرداد ودائعه.

الهيئة المصرفية والغرفتين

نقطة أساسية خضعت لتعديل اللجنة الفرعية، وهي الهيئة المصرفية العليا. فحاكم مصرف لبنان وخلال الجلسات والمناقشة عرض لتعديل المواد 3و 5 من مشروع القانون بما يؤمن استقلالية المصرف المركزي من جهة، ولتكوين الهيئة المصرفية العليا من جهة أخرى بهدف الفصل بين الإجراءات العقابية والتدابير والاجراءات المتعلقة بإصلاح القطاع المصرفي، كما تحقيق أكبر قدر من الاستقلالية عن السلطة السياسية والمصارف.

وجهة النظر هذه ترافقت مع تقديم جدول مقارنة ولائحة تتضمن أمثلة لبلاد تعرّضت لأزمات مالية شاملة ونظامية مشابهة، وأنشأت هيئة خاصة لإصلاح وضع المصارف كما أنظمة أخرى تضمنت غرفتين (فرنسا والاتحاد الأوروبي وكندا) وذلك بشكل دائم.

لم تحسم المسألة في الجلسة نفسها، بل تمّ الاتفاق على إعطاء مهلة أيام لوزير المال وحاكم مصرف لبنان للاتفاق على صيغة جديدة مشتركة من وحي النقاش، لناحية الإبقاء على الهيئة المصرفية العليا مع غرفتين باختصاصات مختلفة على النحو التالي: الغرفة الاولى تُعنى بتعثر المصرف وصلاحياتها عقابية، والغرفة الثانية لها علاقة بالأزمة الشاملة وهي التي تعالج وتصحح وفقًا للقوانين المرعية الإجراء، وتناط بها صلاحيات ومهام إعادة الهيكلة المحددة في متن هذا القانون.

وبالتالي، اعتمدت اللجنة الفرعية، بموافقة وزارة المال والمصرف المركزي صيغة الهيئة المصرفية العليا من غرفتين، وفقًا لما هو معمول به دوليًا، بما يمنع التضارب بالمصالح بين دور لجنة الرقابة التحضيري للملف، والذي يجري التقييم وإصدار التوصية للشطب أو الدمج أو إصلاح المصارف، وبين دورها بالهيئة المصرفية العليا كمشارك في اتخاذ قرار الحكم.

ومن النقاط اللافتة التي أقرّتها اللجنة الفرعية، هي تمييز المودعين عن سائر الدائنين وأدخلتهم في صلب لجان تصفية المصارف.

تشدّد غير مسبوق

وقد ترافق تحديد الهيئة المصرفية العليا مع إجراءات عقابية صارمة وحاسمة وغير مسبوقة بحق المصارف التي تتبيّن أن عليها أي شبهات أو أنها غير قادرة على القيام بواجباتها، وذلك في المواد 16 و23 و31، تصل إلى حد تغيير ملكية المصرف والحجز على أملاك كبار المساهمين والإداريين ومفوضي المراقبة الخ… والعودة في ذلك 10 سنوات إلى الوراء.

وعلى سبيل المثال، فالمادة 16 المتعلّقة بصلاحيات الهيئة المصرفية العليا، تنص على أنه “يكون لدى الهيئة المصرفية العليا صلاحية سلطة على المصرف وتمارس هذه الهيئة صلاحياتها كلّ على حدة أو مجتمعة، من دون حاجة الى موافقة مساهمي المصرف…”، كما تنص على “إقالة أو استبدال أعضاء مجلس الإدارة و/أو الإدارة العليا، أو الطلب من المصرف القيام بذلك”، و”تعيين عضو مجلس إدارة أو أكثر مستقل غير تنفيذي أو الطلب من المصرف القيام بذلك”، و”الطلب من المصرف أن يبيع أصول، منها على سبيل المثال لا الحصر مشاركاته في الخارج”، و”الطلب من المصرف تغيير هيكليته القانونية أو التشغيلية، بما فيها على سبيل المثال لا الحصر إعادة تنظيم هيكلية الملكية”.

أما المادة 23 المتعلّقة بقرار الشطب المؤدّي إلى التصفية، فتنص على “إبلاغ الأشخاص المذكورين وجوب الامتناع عن التصرف بكل أو بعض أملاكهم المنقولة وغير المنقولة وحساباتهم المصرفية، ووضع إشارة منع تصرف عليها، إضافة إلى قرار منعهم من السفر، وعلى أن لا تتجاوز مفاعيل هذه التدابير ستة أشهر غير قابلة للتجديد”، و”الطلب من المحاكم المختصة في لبنان أو الخارج إلقاء الحجز الاحتياطي على كل أو بعض الأموال المنقولة وغير المنقولة العائدة للأشخاص المذكورين، وفقًا للقوانين اللبنانية والأجنبية المرعية الإجراء”، و”ملاحقة هؤلاء الاشخاص أمام المحاكم اللبنانية المختصة و/ أو أي محكمة أجنبية مختصة لما يترتب عليهم من مسؤولية مدنية و/ أو جزائية بموجب القوانين والانظمة المرعية الإجراء”.

أما المادة 31 المتعلّقة بالطعن بقرارات الهيئة المصرفية العليا، فتنص على أنه “تقبل جميع القرارات الصادرة عن الهيئة المصرفية العليا الطعن أمام المحكمة الخاصة المنشأة بموجب القانون رقم 110 تاريخ 11/7/1991، وتُتبع أصول المحاكمات المدنية المتعلقة بمحكمة الدرجة الأولى. لا يوقف الطعن أمام المحكمة المختصة تنفيذ القرار المطعون فيه”.

وهي كلّها مواد تؤكّد أن الإجراءات العقابية التي في متن مشروع القانون تعدّ من الأكثر تشددًا في دول العالم في مثل هذه الحالات.

إذًا، خطوة إصلاحية إضافية ستقرّها لجنة المال والموازنة في الأيام المقبلة. وهو مسار يعزز الثقتين الداخلية والخارجية بلبنان، الذي ينتظر التعافي، ويرتقب الاستثمارات الخارجية. فهل سيقر المشروع مع الحفاظ على حقوق المودعين كما عدّلته اللجنة الفرعية، أم أن ضغطًا سيمارس للفصل بين قانون الانتظام المالي واسترداد الودائع وقانون إصلاح المصارف؟