هل ستشعر واشنطن بـ”الخيبة” وتنتقم؟

هل ستشعر واشنطن بـ”الخيبة” وتنتقم؟

الكاتب: طوني عيسى | المصدر: الجمهورية
26 تموز 2025

لم يشرح الموفد الرئاسي الأميركي توم برّاك كيف ستردّ واشنطن على استرسال الدولة اللبنانية في عدم استجابة للمطالب المتعلقة بنزع السلاح. ويعتقد البعض أنّها ربما تُمهل أركان هذه الدولة مزيداً من الوقت والفرص، لكن آخرين يقولون إنّ واشنطن التي بذلت كل الجهود لإيصال هؤلاء إلى السلطة، ليست مضطرة إلى الانتظار إلى ما لا نهاية، فيما وتيرة الأحداث في الشرق الأوسط تستدعي منها اتخاذ خطوات سريعة.

​لا يفوّت الأميركيون فرصة إلّا ويُذكِّرون فيها بالجهود الهائلة التي بذلوها لدعم العملية السياسية في لبنان. فهم الذين أزالوا العوائق وأتاحوا انتخاب الرئيس جوزاف عون وتشكيل حكومة نواف سلام. ولم يكن هدفهم من هذا الدعم ملء الفراغ فحسب، بل أيضاً خلق «دولة جديدة» قادرة على اتخاذ قرارات مستقلة عن نفوذ إيران و«حزب الله».

لكن ردّ أركان السلطة على رسالة برّاك شكّل «خيبة» حقيقية لواشنطن، إذ تهرَّبوا مراراً وتكراراً من تحديد جدول زمني لنزع السلاح، وأثبتوا أنّ «الحزب» ما زال ممسكاً بغالبية القرار السياسي والأمني في البلد. وحتى إشعار آخر، تبدو المبادرات الأميركية الهادفة إلى دفع لبنان نحو الحلول السياسية في دائرة المراوحة بلا جدوى. وفشلت واشنطن في تغيير نهج الدولة اللبنانية، حتى في نسختها السياسية الجديدة. ولذلك، هي ستردّ على لبنان في مكان ما. وثمة سبل عدة قد تسلكها في هذا الاتجاه:

1- الطريقة الأولى ربما تكون بتجيير الردّ إلى إسرائيل. ففي الشرق الأوسط، عندما تصطدم الديبلوماسية الأميركية بالصعوبات في تحقيق أهدافها، تتحول إلى الخيار الأسهل، أي إلى الحليف الإقليمي إسرائيل، فيقوم هو بأداء المهمّات المطلوبة. وقد ترى واشنطن في عدم التجاوب اللبناني ذريعة كافية لتتخلّى عن ضماناتها التقليدية وتسحب يدها من الملف اللبناني وتوقف جهودها الرامية إلى كبح جماح إسرائيل. وعلى العكس، قد تلجأ إلى تبرير أي تصعيد إسرائيلي مقبل، «انتقاماً» من لبنان ودولته وأركانها، وتُبرّره بـ«الدفاع عن النفس».

2- ​يُحتمل أن تزيد الولايات المتحدة من ضغوطها الاقتصادية على لبنان، إما بفرض عقوبات جديدة أو بسحب مساعدات أساسية أو بتضييق الخناق على القطاع المصرفي، بذريعة أنّ الحكومة اللبنانية لا تتعاون في مكافحة الإرهاب. وقد حاول مصرف لبنان أن يتدارك هذا الخطر بإعلانه حظر التعامل مع مؤسسة «القرض الحسن»، لكن الأميركيين اعتبروا القرار غير كافٍ، ولو أنّه خطوة في الاتجاه الصحيح.

3- ​قد تُبقي واشنطن على دعمها لبعض مؤسسات الدولة (الجيش خصوصاً)، وتتخذ موقفاً يعوق التجديد لقوات «اليونيفيل»، من أجل زيادة الضغط على لبنان، على رغم ما ينذر به هذا القرار من مخاطر. وهذه المسألة هي اليوم محور جدال داخل الإدارة الأميركية بين فريق يضغط لوقف عمل «اليونيفيل» وآخر يدعو إلى التجديد لها روتينياً.

​فالفريق الداعي إلى عدم التجديد يعتبر أنّ الردّ اللبناني يثبت أنّ الديبلوماسية وحدها لا تجدي، وأنّ التهديد بسحب «اليونيفيل» هو رسالة قوية تدفع الحكومة اللبنانية نحو الوفاء بتعهدها بنزع سلاح «حزب الله». وأما الفريق الآخر فيرى أنّ قرار عدم التجديد لـ«اليونيفيل» ربما يتسبب بزعزعة الاستقرار الهش في لبنان. فـ»اليونيفيل»، على رغم من محدودية قدراتها، تلعب دوراً حاسماً في نزع فتيل التوتر في الجنوب اللبناني. ومن دونها، يرتفع خطر سوء التقدير، وقد تتحول المناوشات حرباً شاملة. وكذلك، إنّ الجيش اللبناني يعمل في شكل وثيق مع هذه القوات، وسيؤدي سحبها إلى إضعاف قدرته والحدّ من سلطة الدولة، مقابل سيطرة أكبر لـ«حزب الله». كما أنّ أي «فيتو» أميركي ضدّ تجديد مهمّة «اليونيفيل» سيواجه معارضة قوية من دول أخرى، بما في ذلك من الحلفاء الأوروبيين الذين يساهمون فيها.

وسيكون الخيار الأرجح هو أن تعتمد الولايات المتحدة تسوية وسطى تقضي برفع مستوى الضغط، بحيث لا تمنع التجديد للقوات الدولية، لكنها تضغط لتعديل تفويضها ليكون أقل تقييداً لإسرائيل، أو تهدّد بخفض مساهمتها المالية.

وفي الخلاصة، الأرجح أنّ واشنطن لن تردّ على لبنان بشكل مباشر وواضح، لكنها ستسحب يدها منه بمقدار معيّن، ما يمثل أحد الأشكال القاسية لـ»الانتقام» السياسي والديبلوماسي، فيما تسمح لإسرائيل بأن تتولّى جانب الانتقام العسكري والأمني. وفي الحالين، ستكون الأثمان التي سيدفعها لبنان باهظة.