الأزمة الاقتصادية والمالية تشتد على المؤسسات العسكرية

الأزمة الاقتصادية والمالية تشتد على المؤسسات العسكرية

الكاتب: مارينا عندس | المصدر: الديار
27 تموز 2025

منذ اندلاع الأزمة الاقتصادية والمالية في لبنان أواخر عام 2019، كانت تداعياتها كارثية على معظم القطاعات، إلّا أنّ وقعها على المؤسسة العسكرية كان مضاعفًا. فالعسكريون ، سواء في الخدمة أو التقاعد، وجدوا أنفسهم أمام انهيار شبه كامل في قيمة رواتبهم، في ظل تحديات أمنية متزايدة وحاجة ملحة إلى استقرار المؤسسة الأمنية.

لم يشكّل قرار مجلس شورى الدولة، والقاضي بوقف تنفيذ قرار الحكومة بفرض ضريبة إضافية على المحروقات لتمويل زيادات رواتب العسكريين في الخدمة الفعلية والمتقاعدين، مفاجأة لا للحكومة ولا للمتابعين عن كثب لهذا الملف. فمسألة فرض الضرائب تدخل ضمن صلاحيات المجلس النيابي حصرًا، ما يعني أنّ الحكومة تخطّت صلاحياتها في هذا الإطار. بناءً عليه، قبل مجلس الشورى الطعن المقدّم من حزب القوات اللبنانية، ما فتح الباب أمام تساؤلات عديدة حول مصير الزيادات التي أُقرّت للعسكريين: هل سيتم تعليقها إلى حين إيجاد مصدر تمويلي بديل، أم أنّ وزارة المال ستستمر في صرفها عبر خطة طوارئ مؤقتة؟

 

هل تسقط المنح المالية؟

أعلن مجلس شورى الدولة خلال منتصف الأسبوع، عن إبطال قرار الحكومة بفرض ضريبة إضافية على البنزين والمازوت، بعد طعن حزب «القوات اللبنانية»، معتبرًا أن لا صلاحية للحكومة في هذا المجال خارج إطار مجلس النواب. ورغم توقف التمويل المعتمد سابقًا على الضريبة، أكّدت مصادر مطّلعة أنّ “ذلك لا يُفسد حق العسكريين في الزيادات المقررة، لأنها أُقرّت بقانون من مجلس النواب ولا يمكن التراجع عنها إلا بقانون مماثل”. وقال معنيون بالحكومة إنّ “وزارة المالية ستجد مصادر أخرى لتمويل الزيادات” من خارج أموال المحروقات، وستلتزم بصرفها حسب المواعيد المقررة. كما ذكرت جهات أمنية أنّ “الإيرادات الجمركية ارتفعت بنسبة كبيرة (120% حتى نيسان)، وأن الخطط الجارية – كتركيب ماكينات سكانر في المرافئ – ستزيد الإيرادات لتغطية الكلفة .

 

الضرائب: عبء إضافي على العسكري

فيما تعالت الأصوات بضرورة إصلاح النظام الضريبي، شملت القرارات المالية الأخيرة فرض ضرائب جديدة أو تعديل بعض الرسوم بطريقة شملت العسكريين أيضًا، خلافًا لما كان يُعمل به سابقًا. فبعض المخصصات التي كانت معفية من الضرائب أصبحت خاضعة لها، مما قلّص من الدخل الشهري الفعلي للعسكريين، وسط غلاء معيشي فاحش.

ومع إعادة تصحيح الحد الأدنى للأجور للقطاعين العام والخاص، بقي العسكريون في وضع ضبابي. رغم أنّ زيادات الرواتب التي أُقرت في بعض المراحل (كالمساعدات الاجتماعية المؤقتة) طُبقت عليهم، إلا أن تلك الزيادات لم ترقَ لمستوى تصحيح حقيقي يتناسب مع الواقع الاقتصادي. وبدلًا من تصحيح الأجور فعليًا، اقتُرحت حلول مؤقتة وغير دائمة.

بعض العسكريين، ولا سيما المتقاعدين، أبدوا قلقًا من احتمالية تأجيل الصرف أو استبداله باعتماد “خطة طوارئ”. الأمثلة تشمل تهديد بتحركات احتجاجية في حال تم تعليق الزيادة. وعلى أيّ حال، الزيادات يفترض أن تكون أكبر، لتتناسب مع مداخيل باقي موظفي القطاع العام”.

فخلال السنوات الأخيرة، ارتفعت الأسعار بشكلٍ كبيرٍ ( مثل المواد الغذائية، العلاج، الإيجارات…)، بينما بقيت رواتب المتقاعدين العسكريين ثابتة أو زادت بنسب بسيطة لا تواكب الواقعية. ما يعني أنّ القوة الشرائية للمتقاعد العسكري تنخفض سنويًا، حتى لو بقي الراتب كما هو. كما أنّ معظم العسكريين المتقاعدين يعانون من آثار صحية نتيجة الخدمة، سواء إصابات مباشرة أو آثار نفسية. لذلك، ارتفاع تكاليف العلاج مع ضعف التأمين أو التغطية الصحية يزيد من الحاجة إلى دعم مالي أكبر. وفي ظل الظروف الاقتصادية الحالية، يصبح من المنطقي أن يُعاد النظر في آلية احتساب زيادات هذه الفئة لضمان حياة كريمة تحفظ كرامتهم ودورهم الوطني.

في المجمل، قرار وقف الضريبة لم يلغِ “الزودات” المنصوص عليها قانونًا، لكنّ الحكومة باتت أمام تحدٍ في تأمين مصادر مالية بديلة. الأهم أن تخرج هذه الزيادات من حالة الاعتماد على الضرائب الاستهلاكية، وتُستبدل بخطط تمويل دائمة ومستدامة (كتحسين تحصيل الرسوم الجمركية أو ضبط التهريب). كذلك، بات من الأفضل تجاوز التفرقة بين موظفي الدولة، والعمل على استراتيجية أكثر عدالة تشمل كافة الفئات، لتفادي الاحتقان الاجتماعي. بهذا تكون صورة الزيادات للفترة الحالية واضحة: لا توقف قانوني لها، لكنها تحتاج الى خطة تمويل جديدة، وسط ضغط مطالبين بمشاركة عادلة بين موظفي الدولة كافة.

يبقى مصير العسكريين – في الخدمة والتقاعد – مقلقًا. فضعف القدرة الشرائية، وتآكل القيمة الفعلية للراتب، وغياب الضمانات المالية المستقرة، تضع هذه الشريحة أمام خطر التفكك الاجتماعي والمعنوي. وإذا لم تُعتمد حلول جذرية تشمل تصحيح الأجور، وتثبيت المساعدات، وإعفاء العسكر من الضرائب غير المنصفة، فقد نشهد قريبًا تفريغ المؤسسة من كادرها البشري بفعل الهجرة أو الاستقالات أو حتى الإحباط الداخلي.