
«بطاقة صفراء» أميركية للبنان حيال سلاح «الحزب»
يتعاظم مأزقُ لبنان الرسمي «المحشور» في معادلةٍ شائكة من حدّين، «بطاقةٌ صفراء» أميركي تُنْذِر بإخراجه من «رادار الاهتمام» العربي – الدولي ما لم يترك «مقاعد المتفرّجين» في ملف سحب سلاح «حزب الله»، ومعاندةٌ من الحزب مدفوعاً من إيران للتسليم بالحقائق الجديدة والضغوط التصاعُدية التي تواكبها إسرائيل بتحفُّزٍ دائمٍ ورسائل شبه يومية وكأنها «تمرين بالنار» في الطريق إلى ما هو أدهى.
وبعد جولاتٍ كلامية «بالصوت والصورة» للموفد الأميركي إلى سورية ولبنان توماس براك انطبعتْ بالتباساتٍ أتاحتْ تأويلاتٍ متناقضة، جاء الموقف الذي أطلقه بعيد وصوله إلى باريس حول حصيلة لقاءاته في بيروت بـ«وضوحِ الشمس» حيال ما هو على المحكّ في حال لم تبادرْ «بلاد الأرز» إلى برْمجةِ سحْب سلاح «حزب الله» بما يتلاءم مع التطلعات الدولية و«التوقيت» الذي يجنّب إغراقَ هذا الملف في لعبة شراء وقتٍ لن تكون إلا على حساب الوطن الصغير و… من جيْبه.
«… الكرة الآن في ملعب القيادة السياسية اللبنانية، وكذلك الجيش اللبناني لإظهار العزم والإرادة السياسية من أجل، كما قال الرئيس دونالد ترامب… اغتنام فرصة جديدة لمستقبل خالٍ من قبضة إرهابيي حزب الله. وعلى هذا الطريق، ستقف الولايات المتحدة كتفاً إلى كتف مع شعب لبنان».
قالها براك هذه المرة كتابةً في منشورٍ من 3 أجزاء على منصة «أكس»، ولا يَحتمل الاجتهادات بإزاء تخيير لبنان بين سحْب السلاح فيكون جزءاً من منظومة «الشرق الجديد» وبين «الافتراق» وتالياً ترْكه على قارعة المستقبل وجهاً لوجه مع إسرائيل.
وقال براك إنه صرّح خلال زيارته الأخيرة لبيروت بأن “سلاح حزب الله هو مسألة يجب أن يحسمها اللبنانيون أنفسهم، في تأكيد لموقف الولايات المتحدة الثابت منذ أعوام، وهو أن الحزبَ يُشكّل تحدياً لا يمكن معالجته إلا من الدولة اللبنانية”. وأضاف “إن الولايات المتحدة لا تزال مستعدة لدعم لبنان إذا التزمت الحكومة بفرض حصرية السلاح بيد الدولة، على أن تكون القوات المسلّحة اللبنانية هي الجهة الوحيدة ذات الصلاحية الدستورية للعمل داخل حدود البلاد”، مذكراً بتصريح وزير الخارجية ماركو روبيو القائل “إن هدفنا في لبنان هو دولة لبنانية قوية قادرة على مواجهة حزب الله ونزع سلاحه”.وكرر أن الولايات المتحدة “لا تميّز بين الجناحين السياسي والعسكري لـحزب الله، بل تعتبر التنظيم بكل أوجهه منظمة إرهابية أجنبية”، مشيراً إلى أنه في المقابل تعترف واشنطن “بالقوات المسلحة اللبنانية كمؤسسة عسكرية وطنية شرعية وحيدة، وركيزة من ركائز السيادة اللبنانية، والمفتاح نحو مستقبل مستقر ومزدهر”.
وما جعل كلام براك يكتسب أبعاداً تحذيرية أخطر أنه ترافق مع معلوماتٍ عن أنه سبق لقاءاتٍ عقدها في باريس، على هامش رعايته اجتماعاً سورياً – إسرائيلياً، وبينها مع وزير الخارجية الفرنسي جان نويل بارو.
ونقلت صحيفة «النهار» من باريس أن براك أبلغ إلى بارو في ما خص محادثاته في بيروت «أن السلطات اللبنانية لا تتقدم في مسألة نزع سلاح حزب الله»، وأن الوزير الفرنسي حذّر من أنه «إذا بقي التباطؤ حول موضوع نزع سلاح الحزب فقد تعود إسرائيل بعملياتها التي كانت قبل نوفمبر الماضي، فهناك خطر ولذا ينبغي التقدم في نزع السلاح بطريقة ربما تكون بمراحل أو بشكل أكثر توازناً».
ولم يقلّ دلالة ما أوردته الصحيفة نفسها عن أن المحادثات التي تمت قبل 3 أيام بين بارو ووزير الخارجية السعودي الأمير فيصل بن فرحان في باريس، تناولتْ إلى جانب المؤتمر الذي سيعقد في نيويورك حول حل الدولتين، ملفات سوريا ولبنان وإيران.
وبحسب هذه المعلومات، فإن الوزير السعودي أعرب في ما خص لبنان عن استياء شديد قائلاً إنه «إذا كان لبنان لا يريد أن يتحول إلى بلد طبيعي حيث الدولة تتسلم الأمن والسلاح فالسعودية لن تساعده».
لا أحد يرغب بالحرب
وعلى وقع اشتداد الضغوط الدولية على بيروت التي لم تقدّم جديداً لبراك في ما خص مطلب سحب سلاح “حزب الله” ضمن مهلة زمنية محددة (لا تتجاوز نوفمبر او ديسمبر) وبناء على قرار في مجلس الوزراء وموافقة معلنة من الحزب، بل تمترستْ خلف المطالبة بضمانات أميركية في ما خص وقف اسرائيل اعتداءاتها واغتيالاتها كمدخلٍ لإطلاق مسار مناقشة حزب الله في سلاحه، برز موقف للرئيس جوزاف عون أعلن فيه “اننا ما زلنا ننتظر نتائج تحركات السفير براك، ورده على الورقة اللبنانية المقدَّمة له”.وقال عون الذي يتوجّه غداً الى الجزائر، إن “المطلب اللبناني واضح جداً، نريد التزام إسرائيل باتفاقية وقف النار كما التزم لبنان بها، وانسحابها من التلال الخمس”، مستغرباً رداً على سؤال حول سلاح حزب الله والدعوات لإلغاء اللجنة الأمنية بين الجيش اللبناني والحزب، الكلامَ عن وجود مثل هذه اللجنة، ومشيراً الى “قيامه شخصياً باتصالات مع الحزب لحل مسألة السلاح، وانه يمكن القول ان هذه المفاوضات تتقدم ولو ببطء، وان هناك تجاوباً حول الأفكار المطروحة في هذا المجال”. وشدد على “أن أحداً لا يرغب في الحرب، ولا احد لديه القدرة على تحمل نتائجها وتداعياتها، ويجب التعامل بموضوعية وروية مع هذا الملف”.
ولم يكن جفّ حبر كلام عون حتى خرج «حزب الله» بمواقف أكثر تشدُّداً في ما خص مصير سلاحه، حيث قال عضو مجلسه السياسي محمود قماطي «لن ننخدع بشعار حصرية السلاح الذي لا يعني المقاومة التي تدافع عن لبنان مع الجيش اللبناني».
وأضاف «أن حصرية السلاح، هي لحماية الأمن الداخلي اللبناني من السلاح المتفلت».
وعلى الخط نفسه، وفي ظل تقارير عن دخول إيران عبر سفيرها في بيروت مجتبى أماني على خط المتابعة اللصيقة لمهمة براك في لبنان ومواكبة تفاصيلها، أكد نائب «حزب الله» ايهاب حمادة «اننا غير معنيين بالورقة الأميركية، بل بتنفيذ 1701 بكل مندرجاته، وما قدمه الرئيس عون باسم الدولة اللبنانية واضح، ويبدأ بمندرجات هذا القرار وفي مقدمها الانسحاب الإسرائيلي، وموقف الرئيس نبيه بري متقدم في هذا السياق، ونحن غير معنيين بأي كلام آخَر، وهو غير موجود بالنسبة لنا».التجديد لـ «اليونيفيل» بين إنهاء المهمة وتفعيل «حرية التدخل»
يسود اعتقاد بأن التجديد الدوري لقوة «اليونيفيل» في مجلس الأمن (نهاية أغسطس المقبل) لن يتم هذه المرة في شكل تلقائي، بعدما كان هذا الملف في صلب المحادثات الأميركية – الفرنسية في باريس، وسط انطباعٍ بأن رفْعَ الولايات المتحدة سقفاً أعلى أوحتْ من خلاله بإمكان خفض ميزانية «القبعات الزرق» في الجنوب، وتالياً الدفع نحو إنهاء مهماتها جاء بمثابة غطاء لطرحٍ رديف يُراد إمراره تحت عنوان «حرية التدخل» لهذه القوة في دهم مخازن أسلحة وتفتيش وحتى توقيف بمعزل عن مؤازرة الجيش اللبناني.
ويُخشى أن يكرّس مثل هذا الطرح، الذي تَرَدَّدَ أن فرنسا تريده أيضاً، ما اعتبرته أوساط غير بعيدة عن محور «الممانعة» واقع «الكماشة» جنوباً بحيث تُلاقي «حريةَ التدخل» من اليونيفيل «حرية الحركة» من إسرائيل، وسط إيحاءاتٍ بأن أي إنهاءٍ لمَهمة القوة الدولية (تعمل في الجنوب منذ العام 1978) سيكون من خلفياته إزالة «وسيط» بين الجيش اللبناني وإسرائيل ودفْع الأول «اضطرارياً» لنوعٍ من التواصل مع «عدوّه».