
لقاء جنبلاط – جعجع: تحالف انتخابي وتأييد لحصرية السلاح
تبقى الأنظار السياسية مشدودة للقاء الذي عُقد بين رئيس حزب «القوات اللبنانية» سمير جعجع، والرئيس السابق للحزب «التقدمي الاشتراكي» وليد جنبلاط، في دارته في كليمنصو، بترتيب خاص من خلفه رئيس «اللقاء الديمقراطي» تيمور جنبلاط الذي غاب عنه لوجوده خارج لبنان، وتصدّرت جدول أعماله علاقة «القوات» برئيس المجلس النيابي نبيه بري بناء على رغبة مضيفه الذي شدّد، كما علمت «الشرق الأوسط» من مصادر مواكبة للأجواء الإيجابية التي سادته، على ضرورة التواصل بينهما من موقع الاختلاف في ظل القطيعة المسيطرة على علاقته بـ«حزب الله».
وكشفت المصادر عن أن علاقة جعجع ببري احتلّت حيزاً رئيساً من اللقاء الذي شارك فيه النائبان وائل أبو فاعور (اللقاء الديمقراطي) وملحم رياشي (كتلة الجمهورية القوية) وتخلله تبادل الآراء في العمق حيال أبرز القضايا المطروحة على الساحة اللبنانية في ضوء المراوحة التي ما زالت تعيق التوافق حول حصرية السلاح بيد الدولة اللبنانية الذي يسعى إليه الوسيط الأميركي توم برّاك. وقالت إن جنبلاط هو من بادر إلى طرحها من زاوية أن لا غنى عن التحاور مع رئيس المجلس النيابي الذي لم يقفل الباب في وجه التواصل مع القوى السياسية لإخراج البلد من التأزم والانتقال به إلى التعافي.
ولفتت إلى أن جنبلاط تحدث عن مستقبل علاقة «القوات» ببري انطلاقاً من تمايزه عن حليفه «حزب الله»، سواء بالنسبة للنأي بنفسه عن إسناده لغزة، أو بإحجام حركة «أمل» عن التدخل في الحرب التي دارت في سوريا. وقالت إنه كان وراء التوصل إلى اتفاق لوقف إطلاق النار في الجنوب الذي بقي تنفيذه معلقاً على امتناع إسرائيل عن التقيد به.
تمييز بين بري و«حزب الله»
توقفت المصادر أمام التزام بري بتعهده بعدم انخراط «حزب الله» إلى جانب إيران في حربها مع إسرائيل، وقالت إن جنبلاط لا يؤيد شمول حليفه بالحملات السياسية التي تستهدف الحزب، وضرورة تمييزه عنه، لأنه من غير الجائز التعامل معه على غرار تعاطي قوى المعارضة مع الثنائي الشيعي وكأنه في خندق واحد، بالمفهوم السياسي للكلمة، وإلا من هو المحاور البديل عنه الذي يتقن تدوير الزوايا رغبة منه بلقائه خصومه في منتصف الطريق للتوصل إلى تسوية تتعلق بالقضايا الخلافية، لأن عدم تواصلهما يُبقي المشكلة قائمة ولا يفي بالغرض المطلوب لإنقاذ البلد.
وأكدت أن جنبلاط باستحضاره مع جعجع علاقته الراهنة مع بري، يتناغم مع النصائح الأميركية والأوروبية التي أُسديت لجعجع بضرورة تطبيع علاقته به، ولو من موقع الاختلاف، نظراً لتمايزه عن «حزب الله» وتأييده لحصرية السلاح بيد الدولة. وقالت إن اللقاء أسهم في ترطيب الأجواء بينهما على أمل أن يصار إلى معاودة فتح قنوات التواصل التي كانت قائمة بينهما، وتعطّلت إلى حد ما بشمول المعارضة لبري في الحملات على «حزب الله».
قطيعة مع الطائفة الشيعية
وتردد أن برّاك كان قد بحث ملياً مع جعجع، في زيارته الثانية لبيروت، علاقته ببري في ضوء انسداد الأفق أمام التلاقي وضرورة إحياء قنوات الاتصال بينهما، لأن لا مصلحة للطرفين بأن تبلغ العلاقة مرحلة القطيعة مع الطائفة الشيعية، التي تعتبر واحدة من المكونات الأساسية في البلد، ولا يمكن تجاهلها أو القفز فوقها ما يؤدي للإخلال بالتوازن في إدارته.
كما تردد بأن العلاقة بينهما مرشحة للدخول في مرحلة سياسية جديدة تتطلب منهما التلاقي في منتصف الطريق، وهذا ما يتمناه جنبلاط ويشاركه برّاك رأيه، ومعهما معظم سفراء الاتحاد الأوروبي المعنيين بالملف اللبناني.
وبالنسبة للمواضيع الساخنة التي تركّز عليها القوى السياسية وتوليها أهمية، فإنها نوقشت بين جنبلاط وجعجع. وعلمت «الشرق الأوسط» من المصادر المواكبة أن اجتماعهما انتهى إلى توافق تام، بخلاف ما كان يشاع بأن علاقة «التقدمي» بـ«القوات» تمر في مرحلة من التوتر بغياب التواصل إلا في الحالات الاستثنائية، مؤكدة أن الاتصال الذي جرى بين جعجع وجنبلاط الابن مهّد للقائهما الذي تُوّج بتأكيدهما خوض الانتخابات النيابية المقررة في ربيع 2026 على لوائح موحدة تشمل بالدرجة الأولى أقضية الشوف وعاليه والمتن الجنوبي (بعبدا).
وأضافت المصادر أن تحالفهما الانتخابي يأخذ بعين الاعتبار إلغاء المادة 112 من قانون الانتخاب على نحو يسمح للبنانيين المنتشرين في بلاد الاغتراب بممارسة حقهم بالاقتراع في الدوائر الانتخابية بحسب قيودهم المسجلة على لوائح الشطب، أي بانتخاب النواب الـ128 الذين يتشكل منهم البرلمان اللبناني. وقالت إنها تستبعد تأجيل الاستحقاق النيابي الذي يصر رئيس الجمهورية العماد جوزيف عون على إنجازه في موعده، ولا يحتمل ترحيله لوقت لاحق بخلاف ما تعهّد به في خطاب القسم، كونه يشكل محطة لإعادة تكوين السلطة في لبنان ويتعاطى معها المجتمع الدولي على أنها ضرورية للمجيء ببرلمان منتخب على قياس التحولات التي حصلت في المنطقة وشملت لبنان الذي يستعد للانتقال لمرحلة جديدة على أنقاض سابقتها التي كانت وراء انهياره.
جهود حصر السلاح
كما تم التفاهم على الانخراط في الجهود المحلية والمساعي الدولية الآيلة لحصرية السلاح بيد الدولة التي من دونها لا يمكن للبنان أن يفي بما تعهّد به أمام المجتمع الدولي لجهة إعداده لدفتر الشروط المطلوب منه لبسط سلطته، بلا أي شريك، على كل أراضيه تطبيقاً للقرار 1701 بإلزام إسرائيل بالانسحاب من الجنوب، وكممر إلزامي لتنفيذ الإصلاحات المطلوبة منه لانتشاله من قعر الانهيار الاقتصادي وصولاً لإنقاذه، برغم أن موقفهما في هذا الخصوص يشكل مادة خلافية مع «حزب الله» وإن كان لكل منهما طريقته في مقاربتها.
لذلك فإن التحالف الانتخابي بين «القوات» و«التقدمي» يمكن أن يتسع لقوى في المعارضة تتصرف منذ الآن بأنه غير قابل للنقض، ويبقى أن نراقب رد فعل «التيار الوطني الحر» وإمكانية تعاونه مع «الثنائي الشيعي» في الدوائر التي يتمتع بها بنفوذ وازن، وإن كان تمايز عن حليفه «حزب الله» بانتقاده الشديد لإسناد غزة لعله يرفع من منسوب تأييده في الشارع المسيحي، في منافسته لخصومه.