لبنان “المتعثر” قلق: عبارة “السعودية هي سوريا” لها أبعادها

لبنان “المتعثر” قلق: عبارة “السعودية هي سوريا” لها أبعادها

المصدر: المدن
27 تموز 2025

لا بد للبنان أن يرصد ويترقب لنتائج المفاوضات السورية الإسرائيلية في باريس. فهي المحكومة بتوازنات كثيرة، أولها، الحدود مع سوريا والملفات المطروحة، والعلاقة المفتوحة على احتمالات متعددة. ثانيها، الاحتلال الإسرائيلي ومواصلة الخروقات والعمليات والاعتداءات، ربطاً بشروط إسرائيلية كثيرة مفروضة على حزب الله والدولة اللبنانية. ثالثها، دور فرنسا التي زارها مؤخراً رئيس الحكومة نواف سلام، لا سيما أن الاهتمام الفرنسي بلبنان معروف، وتحاول باريس دوماً التمايز عن الموقف الأميركي الضاغط، وهي تسعى لمساعدة لبنان في مسألة التجديد لقوات اليونيفيل والتحضير لعقد مؤتمر لمساعدته في الخريف المقبل بالإضافة إلى اهتمامها بملف الإصلاحات.

 

لكن الأهم هنا هو أن باريس هي التي تستضيف المفاوضات السياسية بين سوريا وإسرائيل مع ما يحمله ذلك من مؤشرات، في ظل الأجواء التي أصبحت معروفة حول الضغوط الأميركية لدخول لبنان في مفاوضات مع إسرائيل على غرار سوريا. هنا سيكون لبنان محكوماً بتوازن بين قوتين، إسرائيل وسوريا، وسيجد لاحقاً محاولات دولية، ولا سيما أميركية، لدفعه إلى الاختيار والمفاضلة بين تل أبيب من جهة ودمشق من جهة أخرى. حتى الآن لم يتسرب الكثير عن فحوى مفاوضات باريس السورية الإسرائيلية، والتي توليها واشنطن وموفدها توم باراك اهتماماً استثنائياً. وتسعى إلى إنجاحها خصوصاً ما يتعلق بأزمة السويداء.

 

هذه المفاوضات ستستكمل لاحقاً في أذربيجان على المستوى الأمني لإنجاز تفاهم الترتيبات بين الجانبين. تتناقض التسريبات التي يتم ضخها بعد اجتماع باريس. فالمؤيدون للشيخ حكمت الهجري، ومن يريدون تكريس منطق اللامركزية الموسعة في سوريا، يعملون على تسريب أجواء تفيد بأن ما تم الاتفاق عليه هو خروج كل القوات التابعة للحكومة السورية من السويداء، وتشكيل لجان محلية لإدارة المحافظة، وعدم السماح لمؤسسات الدولة السورية بالدخول إلى المنطقة، بالإضافة إلى بند يُعد الأكثر أهمية واستراتيجية بالنسبة إلى إسرائيل، وهو تحويل الجنوب السوري منطقة منزوعة السلاح. في المقابل، فإن المؤيدين للحكومة السورية ينفون هذه التسريبات، وعلى الرغم من التكتم الكبير على مضمون الاتفاق وما تم التوصل إليه، تفيد المعلومات بأن دمشق تتمسك بإدخال قوات أمنية إلى السويداء، ودمج القوات الدرزية مع القوات الحكومية، من دون إدخال سلاح ثقيل إلى تلك المنطقة، في آلية مشابهة لاتفاق سيناء، بحيث تتحرك القوات السورية في الجنوب السوري عبر آلية أو ميكانيزم يرعاه الأميركيون.

 

لا بد من انتظار ما سيرشح من معلومات تفصيلية عن فحوى لقاءات باريس، كما لا بد من انتظار اجتماع باكو وما سيتوصل إليه من تفاصيل بشأن تفاهم الترتيبات الأمنية. من الواضح أن ما تسعى إليه إسرائيل في جنوب سوريا وجعله منطقة منزوعة السلاح، هو نفسه ما تسعى إليه في جنوب لبنان أيضاً من خلال شروطها وفروضها حول تفكيك كل البنى العسكرية العائدة لحزب الله، ربطاً بكلام الموفد الأميركي توم باراك عن أن الجيش اللبناني يجب أن يكون هو المسيطر في الجنوب ويتمتع بقوة دفاعية لا مقومات هجومية. جانب آخر من المواقف التي أطلقها باراك هو ما يتعلق بمزارع شبعا، والتي زارها بعيداً من الإعلام واطلع عليها ليعود ويقول إنها أرض ليست ذات أهمية وبالإمكان مبادلتها. تكشف هذه العبارة جانباً من حقائق الطرح الأميركي حول عدم وجوب تمسك لبنان بمزارع شبعا واعتبارها سورية لإزالة أي سبب من أسباب التمسك بالمقاومة لتحريرها.

بالنسبة إلى القوى الإقليمية والدولية فإن لبنان لا يزال متعثراً في مسار “استعادة الدولة”، أما النظرة تجاه سوريا فتبدو مختلفة، وهو ما ظهر في موقف السعودية التي أرسلت وفداً كبيراً من رجال الأعمال إلى دمشق للبحث عن استثمارات، وقد قال رئيس تجمع رجال الأعمال إنه على الرغم من كل الكلام عن مخاطر ومخاوف في سوريا فإن السعودية مستمرة في تقديم الدعم، وأكمل في عبارة أخرى أن السعودية هي سوريا، وهذه عبارة لا بد من التوقف عند معانيها وتفسيراتها بعناية كبيرة للمرحلة المقبلة. أما لبنان فلم يحظ حتى الآن بهذا الاهتمام. كل هذه التطورات لا تنفي وجود قلق كبير في بيروت من الدعم الذي تحظى به دمشق خصوصاً إذا ما تنامت سوريا اقتصادياً وتعزز وضعها السياسي على المستوى الإقليمي والدولي، فإنها حتماً ستكون متقدمة جداً على لبنان، وحينها سيلجأ لبنانيون كثر نحو دمشق لكسب الدعم ما يفتح الباب أمام تأثير لدمشق على بيروت، خصوصاً في حال بقي لبنان يراوح مكانه ولم يتمكن من تحقيق ما يفترض تحقيقه في سبيل توفير مناعة لبنانية في مواجهة أي تدخلات خارجية.