ما هي “الأراضي الأخرى” في عملية التبادل مع مزارع شبعا؟

ما هي “الأراضي الأخرى” في عملية التبادل مع مزارع شبعا؟

الكاتب: اندريه قصاص | المصدر: لبنان24
27 تموز 2025
قد يظّن البعض أن الأحاديث الطويلة للموفد الرئاسي الأميركي توم برّاك هي مجرد ثرثرة أو سرديات أو حتى “تخبيصات”. ولكن الحقيقة هي أن كل كلمة يقولها الرجل مقصودة ولها أهداف معينة، حتى تلك التي تبدو مستغربة أو مستهجنة كتصريحه الأخير عن مزارع شبعا، أو حتى تلك التي وصف فيها “حزب الله” بأنه حزب سياسي. فكل كلمة تخرج من فم هذا الأميركي المستعيد جنسيته اللبنانية لها معزىً محدّد، وليست مجرد “صف حكي بالطالع والنازل”، بل هو يقول ما يُطلب منه أن يقوله، وهو مجرد ناقل رسائل ليس إلاّ، و”ناقل الكفر ليس بكافر”.
 فهل يُعقل أن يقول رجل مثل برّاك له خبرته الطويلة في التفاوض ما قاله عن مزارع شبعا في هذا التوقيت بالذات، التي تبدو فيه خرائط المنطقة “مخربطة”، وسط صراعات طائفية لها أول وليس لها أخر. وقد تكون الحوادث الأمنية المؤسفة، التي وقعت في محافظة السويداء السورية نموذجًا لما يمكن أن تنتظره شعوب المنطقة المنقسمة على نفسها أولًا والمتخاصمة مع الآخرين ثانيًا وثالثًا ورابعًا.
عندما قال برّاك بأن لا قيمة لمزارع شبعا ودعوته اللبنانيين إلى “تبادل بعض الأراضي المحيطة بها” لم تكن مجرد زلة لسان جديدة مماثلة لكلام كثير قاله ،بل المقصود من كل هذا الكلام إطلاق بالونات اختبار في محاولات منه لجسّ النبض عمّا يمكن أن تكون عليه ردود الفعل. وما ورد في كلامه عن “تبادل للأراضي” كان سبقه كلام ممهد له عندما تحدّث عن ضمّ لبنان إلى “بلاد الشام”.
فهذا الكلام الجديد المعطوف على كلام سابق مشابه له في المضمون والأهداف هو إشارات أميركية تمهيدية لما تخطّط له واشنطن لدول المنطقة منذ اليوم الأول لتسّلم دونالد ترامب مقاليد السلطة المطلقة في الولايات المتحدة الأميركية، أو تحضيرًا لمرحلة لا بدّ منها بالنسبة إلى الادارة الأميركية لاكتمال مشهدية التطبيع، الذي بدأ الحديث عنه يطفو على سطح الأحداث والتطورات، فيما كان هذا الموضوع من “التابوهات”، التي لم يكن يجوز التطرق إليها سوى داخل الجدران الأربعة.
ومن ضمن سياق “تبليع” اللبنانيين وغير اللبنانيين من شعوب المنطقة “طعم” التطبيع بجرعات مدروسة ومتدرجة تأتي تصريحات برّاك، الذي يبدو أنه خبير في هذه المسائل الشديدة الحساسية. فهو متحدّث لبق من الطراز الأول؛ وهكذا كان آموس هوكشتاين، الذي استطاع أن يمرّر ترسيم الحدود البحرية بين لبنان وإسرائيل من دون أن يحدث أي خدوش في علاقة “حزب الله” بالدولة، بعدما ضمن الحصول على موافقته الضمنية على هذا الاتفاق، الذي هو الأول من نوعه بين لبنان وإسرائيل، التي طالما اعتبرها اللبنانيون عدوتهم الأولى والأخيرة.
فما قاله برّاك في خلال زياراته الثلاث للبنان، وهو كلام غير مألوف، لم يكن ليلقى آذانًا صاغية لو قيل في ظروف غير تلك الظروف، التي تمرّ بها المنطقة، ومن ضمنها لبنان، الذي لا يزال وحتى إشعار آخر، الحلقة الأضعف في سلسلة غير مترابطة وغير متماسكة.
فمزارع شبعا غير المحدّدة هويتها لغاية تاريخه لا تزال محتلة من قِبل إسرائيل، سواء أكانت لبنانية أو سورية. وهذه حقيقة يعرفها برّاك، ويعرفها أيضًا الإسرائيليون أنفسهم، الذين خبروا على مدى سنوات أهمية هذه المزارع من الناحية الاستراتيجية، حتى ولو لم تكن تشبه “مزارع كنتاكي الأميركية”.
وما زيارة الموفد الأميركي لهذه المزارع سوى حلقة في سلسلة من الخطوات المترافقة مع ما ورد في المقترح الأميركي لناحية تزامن ترسيم الحدود الجنوبية والشمالية والشرقية مع لبنان.
ويبقى أن يسأل اللبنانيون السيد برّاك عن “الأراضي الأخرى” التي تحدث عنها وعن عملية تبادلها مع مزارع شبعا؟