
السياسة الدولية بين أيادي الإقتصاديّين ورجال الأعمال
لطالما كنّا نطمح ونأمل في فصل السياسة عن الإقتصاد، لكنّ الواقع الجديد يُظهر ترابطاً عميقاً بينهما. في هذا العصر الحديث، أصبحت الشركات التكنولوجية والذكاء الإصطناعي تلعب دوراً محوَرياً في صَوغ السياسات الداخلية والدولية. وأيضاً إنّ رجال الأعمال والإقتصاديِّين قد دخلوا عالم السياسة ويتحكّمون بالقرارات المصيرية في العالم.
ليس سرّاً، أنّ الإنماء، الإستثمار، والتوظيف، تُشكِّل ركائز أساسية في البلاد، وسياسة عاجلة لتأمين هذه العناصر الحيوية، وتلجأ إلى الشركات لمساعدتها في تنفيذ هذه الأولويات البديهية، فأصبحت الشركات هي التي تسند السياسات وتقود ليس فقط الإقتصاد العالمي، لكن أيضاً السياسة الدولية.
فالولايات المتحدة كانت السبّاقة في هذا النهج الجديد، فنلاحظ إنماءً واسعاً للشركات التكنولوجية والمعلوماتية الدولية، مثل شركات: ميتا بلاتفورمز (Meta Platforms)، أمازون (Amazon)، مايكروسوفت (Microsoft)، آبل (Apple)، غوغل (Google) وغيرها، التي نمت بطريقة سريعة جداً، وتملك أهم الثروات والقوة في العالم وهي المعلوماتية والذكاء الإصطناعي.
فأصبحت كل الحكومات في العالم تتراكض نحو هذه الشركات العملاقة، لأنّ المعلوماتية والذكاء الإصطناعي هما الحاضر والمستقبل، ومَن يتملّكهما سيقود العالم.
هذه الشركات التي لا تشارك فقط في الإنماء والإستثمار والتمويل، لكن أيضاً وخصوصاً، أصبحت تشارك وتساهم وحتى تقود السياسات الداخلية والدولية، في البلدان وقارات العالم. وقد شقّ واتّبع هذه الطريق والنهج الجديد الرئيس الأميركي دونالد ترامب الذي أحاط نفسه برجال وسيدات أعمال نافذين، وعيّنهم في أرفع المسؤوليات والمناصب العليا، وأبعَد السياسيِّين التقليديِّين، فأصبح رجال الأعمال والإقتصاديّون يقودون سياسة واقتصاد الولايات المتحدة وأيضاً العالم.
نرى كبار الشخصيات مثل إيلون ماسك، رئيس مجلس إدارة «تسلا» (Tesla)، جيف بيزوس، رئيس مجلس إدارة «أمازون»، لورانس د. فينك رئيس مجلس الإدارة والمدير العام لشركة «بلاك روك» وغيرهم. هؤلاء اليوم قد دخلوا السياسة ويرسمون استراتيجية العالم الجديد.
أمّا بالنسبة إلى الشرق الأوسط، فقد عُيِّن السفير توم برّاك، كمبعوث أساسي للمنطقة، وهو أيضاً رجل أعمال بارز كان على رأس شركة «كولوني كابيتال» البارزة في مجال التمويل الدولي.
إنّ الفارق بين رجال السياسة ورجال الأعمال هو أنّ الرياديِّين والمبتكرين يتخذون قرارات سريعة جداً، أكانت قرارات إيجابية أو سلبية، ويذهبون إلى إبرام صفقات سريعة ويتفاوضون ويتواصلون ويتخذون قرارات سريعة وحاسمة، وهذا ما نشهده اليوم، في الولايات المتحدة، وأيضاً في السياسة الدولية الجديدة: مفاوضات، تواصل، قرارات سريعة، تنفيذ تكتيك واستراتيجيات صارمة.
في المحصّلة، إنّ السياسة الدولية الجديدة ستكون بأيادي رجال وسيدات الأعمال البارزين، في الولايات المتحدة، وأيضاً حيال الشركات التي تملك المعلومات والذكاء الإصطناعي، وهؤلاء هم الذين سيرسمون خارطة العالم الجديد والإقتصاد المتجدّد، فنشهد نهاية السياسة التقليدية ونعيش نهج السياسة الإقتصادية والإنمائية والتمويلية.
والسؤال الكبير الذي يطرح نفسه: هل الأشخاص الذين نجحوا في قيادة أكبر الشركات في العالم، سينجحون في قيادة العالم الجديد؟