
برّاك «يصدم» لبنان: على الحكومة التصرّف فوراً في ملف السلاح
– «حزب الله» يَمضي في «عصيانه»… وجنبلاط يحذّر من «ويلاتٍ على لبنان سيجلبها احتفاظ الحزب بسلاح ثقيل»
«… الآن الآن وليس غداً». هكذا صاغ المبعوثُ الأميركي توماس براك رسالته للحكومة اللبنانية وبلغةِ الـ «فوراً» بوجوبِ الانتقال من الأقوال إلى الأفعال في ما خصّ سحْب سلاح «حزب الله» لأن الكلماتِ لم تَعُد تكفي.
وتَطايرتْ من بين سطور المنشور الذي كَتَبَه براك أمس على صفحته على منصة «اكس»، بعد 4 أيام على مغادرته بيروت، مخاوف من أن يكون هذا الموقف التحذيري البالغ الأهمية بمثابة «دخانِ» يُخْفي وراءه حقيقةً تتجرّعها «بلاد الأرز» تباعاً بأن مهمته – الوساطة «احترقت» سواء بـ «النار الخافتة» التي اختار لبنان الرسمي أن يعالج معها قضيةَ السلاح، أو بقرارِ «حزب الله» الذي يعاند تسليمَ ترسانته و«يتخفّى» خلف عنوان «حوار داخلي حول الإستراتيجية الدفاعية» يعقب تنفيذ إسرائيل الجانب المتعلّق بها من اتفاق 27 نوفمبر.
وجاء في موقف براك «ترتكز صدقية الحكومة اللبنانية على قدرتها على التوفيق بين المبدأ والممارسة… وكما قال قادتُها مراراً وتكراراً، من الأهمية بمكان أن تحتكر الدولة السلاح».
وأضاف: «ما دام حزب الله يحتفظ بالسلاح، فإنّ الكلمات لن تكفي. على الحكومة وحزب الله الالتزام الكامل والتصرّف فوراً حتى لا يُحكم على الشعب اللبناني بالبقاء في حالة الجمود والتعثر».
وما جَعَلَ كلام الموفد الأميركي يكتسب أبعاداً ما فوق عادية:
– أنّه أَرْفَقَ منشوره برابطٍ لتقريرٍ صحافي بالانكليزية بعنوانِ «الرئيس اللبناني يقرّ بالتقدم البطيء في المحادثات مع حزب الله حول نزع سلاحه»، وفيه كلام الرئيس جوزاف عون عن قيامه شخصياً باتصالات مع الحزب في ما خص مسألة السلاح وإعرابه عن «تفاؤل حذر حيال إمكان إحداث اختراق متدرّج»، وقوله «هناك بعض التجاوب مع الأفكار التي نناقشها، وإن كانت الأمور تتقدّم بمسار بطيء»، ودعوته اسرائيل للالتزام باتفاق وقف الأعمال العدائية (27 نوفمبر) والانسحاب من التلال الخمس في الجنوب، مع تأكيده أن «الجيش اللبناني ينتشر في كل المناطق، ما عدا الأماكن التي لاتزال إسرائيل تحتلها والتي تعوق استكمال هذا الانتشار».
كما تضمّن التقرير موقف «حزب الله» الذي عبّر عنه النائب ايهاب حماده ورفض فيه الورقة الأميركي «التي قدّمها براك»، واعتبر أنه غير معنيّ بها بل هو «معنيّ فقط بتنفيذ القرار 1701»، مع «إقرارٍ عامٍ بمبدأ حصر السلاح ولكن من ضمن بحثٍ في استراتيجية دفاع وطني شاملة وخصوصاً في ضوء الهجمات الاسرائيلة المستمرة».
– أن ما أعلنه براك عَكَسَ نمطاً جديداً في مخاطبة المسؤولين اللبنانيين مباشرةً و«على الملأ»، مع ما يعنيه تَعَمُّد تظهير موقفه على أنه ردّ على الرئيس عون وعلى أن الجهود الحوارية التي يبذلها الأخير مع «حزب الله» محكومة بأفقٍ مسدود بدليل مواقف الحزب التي تأتي بالنسبة إلى واشنطن على طريقة «ومن فمك أدينك».
– أن هذا التخاطب على طريقة «أنتم ستتحّملون مسؤولية ما قد يكون»يعزّز الانطباعَ بأن براك قد يكون اقترب من «خط النهاية» في مَهمته التي بدأها بديلاً عن الموفدة مورغان اورتاغوس، وسط تقارير استبعدت أن يعود إلى بيروت التي زارها 3 مرات في نحو شهر، بعدما أكّد في منشوره أمس ضمناً أنه لن يقبل بعد اليوم، بـ«الكلمات» وأن الوقتَ بات لترجمة النيات وتنفيذ سَحْب السلاح.
وتم التعاطي مع ما كَتَبَه براك أيضاً على أنه هو الجواب الذي تَنتظره بيروت على الردّ الذي قدّمتْه إليه على ملاحظاته على جوابها الأول على مقترحه حول سحب السلاح والذي عاد وتَشَدَّدَ فيه خصوصاً لجهة مطالبته بوجوبِ التنفيذ المرحلي والمجدْوَل خلال مهلة زمنية لا تتجاوز نوفمبر أو ديسمبر وعلى أن يَصدر قرارٌ في هذا الإطار عن مجلس الوزراء اللبناني وبموافقة علنية من حزب الله، وذلك معزل عن ضماناتٍ أميركية لم يقدّمها الموفد الأميركي وتتّصل بإسرائيل ووقف اعتداءاتها، وقد«وسّعها» رئيس البرلمان نبيه بري لتشمل الوضع في سورية في ضوء أحداث السويداء وما أثارتْه من مخاوف في لبنان، وكلها شكّل منها (بري) «حيثيات» لسؤالِ «مَن يمكن له الحديث عن سحب السلاح في ظل هذه الأوضاع؟».
– الأجواء التي تحدّثت عن إمكان تكليف موفد أميركي جديد بالملف اللبناني أو وضْعه في عهدة السفارة في بيروت ريثما يتسلّم السفير الجديد مهماته.
«غيوم سود»
ولم يكن عابراً أن تترافق هذه المناخات، التي عَكَست تَراكُم «غيوم سود» في سماء لبنان يُخشى أن «تمطر ناراً» من جديد في ظل تَوثُّب إسرائيل الدائم لإنجاز مهمة سحب السلاح بيدها، مع 3 مواقف:
– الأول لرئيس الجمهورية نقلتْه عنه «القدس العربي» وفيه قال إنه «يتفهم توق الناس لتنفيذ خطاب القسَم خلال فترة قصيرة للوصول إلى لبنان الذي يحلم به الجميع»، معدّداً ما تَحقق منذ تشكيل الحكومة في فبراير الماضي من«تعيين لحاكم مصرف لبنان، ورؤساء الأجهزة الأمنية، ومجلس القضاء الأعلى، وإجراء الانتخابات البلدية، وإعادة العلاقات مع الدول العربية إلى نصابها الصحيح»، واعداً «بعمل المزيد ولكن الأمر يتطلب وقتاً»، مضيفاً «أنا اسمي يوسف (جوزاف) وليس مار يوسف وليست هناك عصا سحرية لتحقيق كل المتطلبات، ويجب النظر إلى الإيجابيات لتعزيز الأمل».
– والثاني للحزب الذي كرّر بلسان النائب حسن عز الدين أمس، «أن المقاومة باقية ومستمرة وموقفنا واضح بعدم التخلي عن قوتنا وقدراتنا التي تجعلنا دائماً نحافظ على كرامتنا وأرضنا وثرواتنا ولن نتراجع ولن نرفع راية الاستسلام مهما فعل الأميركيون والإسرائيليون».
وقال «نجد أن الضغوط الأميركية تزداد سواء من خلال الضغط النفسي والتضليل والحرب الناعمة لجعلنا نستسلم وتَكسر إرادتنا، ولكن ما الذي قدّمه الأميركي؟ لم يضغط على إسرائيل لإلزامها بما تم التوافق عليه، في حين أن المقاومة ملتزمة ولبنان التزم بما تعهد به. ولماذا لا تساعد أميركا لبنان في الضغط على إسرائيل للانسحاب من النقاط الخمسة التي تحتلها؟ ولماذا لا تمنع العدو من انتهاك السيادة اللبنانية؟ ولماذا لا تمنعه عن الإغارة التي ينفذها على البنى التحتية التي يدّعي استهدافها؟».
ولفت إلى «أن لبنان الذي عمل على موقف موحّد، وأبلغه إلى المبعوث الأميركي برّاك، يجب أن يواصل تحصين هذا الموقف والوقوف خلفه».
– تحذير الزعيم الدرزي وليد جنبلاط من أنَّ «على حزب الله أن يقتنع بأن احتفاظه بسلاح ثقيل سيجلب الويلات على لبنان»، واعتباره أن ترسانة الحزب لم تُجْدِ أمام إسرائيل، مشيراً إلى «أنَّ الحكومة اللبنانية فككت الجزء الأكبر من ترسانة الحزب بالجنوب، فيما الأمن لا يستطيع حتى الآن تفكيك سلاح حزب الله في شمال الليطاني ومناطق أخرى».