خاص- “الحزب” يراهن على الصفقة من جديد

خاص- “الحزب” يراهن على الصفقة من جديد

الكاتب: ايلين زغيب عيسى | المصدر: Beirut24
28 تموز 2025

تبيّن أنّ “حزب الله” ما يزال يملك من القوّة ما يكفي لمنع الدولة اللبنانية من سحب سلاحه. وعلى رغم إضعافه إلى حدود غير مسبوقة، بسبب الحرب الإسرائيلية عليه واغتيال قيادته، إلّا أنّ سطوته في الداخل لم تتراجع كثيراً، أو على الأقلّ عادت لتشتدّ تدريجاً. ومع كلّ يوم يمرّ من دون نزع السلاح، يراهن “الحزب” على الوقت، وعلى تعب إسرائيل، وتوجيه الاهتمام الأميركي إلى ملفّات أخرى، كي يواصل عمليّة التعافي.
وهذا السيناريو تعتمده إيران أيضاً. إذ تراهن على الوقت، وعلى تغيّر المعطيات، وعدم تمكّن إسرائيل والولايات المتّحدة من إسقاط النظام، كي تُطلّ برأسها من جديد، حتّى لو أخذ الأمر بضع سنوات إضافية. وفي أيّ حال، فإنّ مصير “الحزب” مرتبط ارتباطاً وثيقاً بما تقرّره طهران، وبما ستؤول إليه أحوالها.
ولكنّ سلاح الوقت لن ينفع في حالة واحدة، هي اتّخاذ واشنطن وتلّ أبيب قراراً مشتركاً بالقضاء على النظام الإيراني بالكامل. وهذا الاحتمال موجود، ولو أنّه ضئيل. فقد تبيّن أنّ القضاء على البرنامج النووي ليس بهذه السهولة، حتّى مع استخدام الولايات المتّحدة للقنابل الخارقة. أمّا القضاء على النظام، فلا يقلّ صعوبة، ولا يمكن أن يتمّ عبر ضربات محدودة، ولو كبيرة الحجم. وربّما يحتاج ذلك إلى حرب تشبه الحرب على العراق في العام 2003، حيث شارك فيها حلفاء واشنطن، وانتهت بدخول القوّات الأميركية إلى بغداد. واتّخاذ قرار بهذا الحجم، يحتاج إلى تضافر عناصر عدّة، ودرس التوازنات القائمة، والتأثير الإقليمي والدولي.
واستناداً إلى هذه الصورة، تعتقد طهران أنّ إمكانات عقد اتّفاق مع الولايات المتّحدة حول الملفّ النووي ما زالت قائمة. وتأمل في إجراء مفاوضات، تتوصّل فيها إلى صفقة مناسبة، تحفظ بقاء النظام، في مقابل التخلّي عن تخصيب اليورانيوم. وربّما تسوّق لدور لها، تكون فيه الطرف الموازن للنظام السوري الجديد، الذي ترتاب فيه إسرائيل، ولا تثق به الولايات المتّحدة، على الأقلّ حتّى الآن.
ولا بدّ لهذه المعطيات أن تنعكس على الساحة اللبنانية في شكل مباشر. وكان لافتاً للغاية أنّ رئيس مجلس النوّاب نبيه برّي تعمّد لقاء الموفد الأميركي توم برّاك في شكل منفصل، وفي يوم منفصل، عن اللقاءين مع كلّ من الرئيس جوزف عون ورئيس الحكومة نوّاف سلام، حيث قدّم للموفد الأميركي ورقة تختلف عن الورقة الرسمية الموحّدة. ومع أنّ المعلومات التي ُسرّبت عن فحوى الورقة تشير إلى مزيد من التشدّد لدى “حزب الله” في موضوع السلاح، لكنّ اللقاء المنفرد بين برّي وبرّاك يعني بلا أدنى شكّ محاولة لفتح قناة اتّصال مباشر بين “الحزب” والجانب الأميركي، وتهميش الموقف اللبناني الرسمي.
وفي أي ّحال، فإنّ الموفد الأميركي لا يمانع في التفاوض المباشر مع “الحزب”، إذا كان ذلك يوصل إلى النتيجة المتوخّاة، أي نزع السلاح. وسبق لبرّاك في زيارته الأولى للبنان، أن فصل بين الجناحين العسكري والسياسي للحزب، وأشار إلى دوره كحزب سياسي في التركيبة اللبنانية، قبل أن يصحّح ذلك بوصفه بالمنظّمة الإرهابية، حسب التصنيف الأميركي.
ويؤكّد مطّلعون أنّ “الحزب” يبحث عن صفقة مع واشنطن، يعقدها بنفسه، ويحصل في مقابلها على مكاسب سياسية. وهو يريد العودة إلى الطروحات التي حملها أموس هوكشتاين حول ترسيم الحدود والإغراءات بالمكاسب الاقتصادية والنفطية. ويُذكر أن “الحزب” عقد بالفعل الاتّفاق الأوّل مع هوكشتاين، الذي تمّ فيه ترسيم الحدود البحرية بين لبنان وإسرائيل. وكادت الصفقة الثانية القائمة على ترسيم الحدود البرّية أن تتمّ أيضاً، وكان “الحزب” على قاب قوسين من إبرامها، لولا التعليمات الإيرانية التي وصلته بالتشدّد، وعدم التوقّف عن حرب إسناد غزّة، وهو ما أدّى إلى تطيير الصفقة. ثمّ شنّت إسرائيل حرباً بلا هوادة على لبنان، انتهت إلى إضعاف “الحزب”، ما سمح بانتخاب الرئيس عون والإتيان بحكومة برئاسة سلام.
وأعطت واشنطن فرصة للحكم اللبناني الجديد على مدى أكثر من ستة أشهر. ولكن، كان يتبيّن يوماً بعد يوم، ضعف السلطة، وعدم قدرتها على سحب السلاح، بحجّة زعزعة الاستقرار. واليوم، تأكّد للجانب الأميركي عجز الدولة عن تطبيق ما تعهّدت به في خطاب القسم وفي البيان الوزاري. لذا، ليس غريباً أن تعود إلى التفاوض مع “الحزب”، الطرف القويّ في المعادلة الداخلية. وإذا ما وافقت إسرائيل على مبدأ الصفقة من جديد، يكون ما كُتب قد كُتب.