برّاك يرمي كُرة النار إلى الحكومة… هل يعتكِف وزراء «الثنائي»؟

برّاك يرمي كُرة النار إلى الحكومة… هل يعتكِف وزراء «الثنائي»؟

الكاتب: محمد حمية | المصدر: الجمهورية
30 تموز 2025

وجّه المبعوث الأميركي توم برّاك في تغريدته الأخيرة رسالة مباشرة وشديدة اللهجة إلى أركان الدولة، مرفقة بدعوة صريحة للبتّ بملف سلاح «حزب الله» في مجلس الوزراء، ولو أدّى إلى صدام بين الجيش اللبناني والمقاومة، تحت تهديد بإبقاء لبنان في دائرة التعثر.

برّاك الذي دعا منذ أيام فقط إلى استمرار المساعي الديبلوماسية للتوصّل إلى حلٍ مع الدولة، لم يمنح الفرصة والوقت الكافي لاقتراح رئيس مجلس النواب نبيه بري في لقائهما الأخير، بل عاد بالردّ السلبي بزيارة ثانية إلى عين التينة في اليوم نفسه، بعد الاجتماع في منزل النائب فؤاد مخزومي وفق المعلومات، ما يعني أنّ الأميركي يستعجل الدولة لحسم الملف قبل اللجوء إلى خيارات أخرى للضغط، ومنها الخيار العسكري.

ويُشير مصدر ديبلوماسي في سياق ذلك لـ«الجمهورية»، إلى أنّ الأميركيِّين يُعدّون حزمة عقوبات مالية واقتصادية قاسية لن تقتصر على «حزب الله» وشخصيات لبنانية فحسب، بل على الدولة اللبنانية، لتشديد الخناق على الشعب اللبناني. ويتوقع الديبلوماسي تفاقم الأزمة الاقتصادية والمعيشية حتى الانتخابات النيابية المقبلة.

ويدعو برّاك الدولة إلى نقل كرة النار إلى داخل الحكومة لإحراج رئيسَي الجمهورية والحكومة و«حزب الله»، وخلق شرخ داخلي يكون أحد أدوات الضغط، بعدما حاول رئيس الجمهورية مراراً أخذ الملف بصدره لعدم إحراق نسيج الحكومة والدخول بأزمة سياسية وحكومية في أخطر مرحلة يمر فيها لبنان والمنطقة.

فهل يتّجه عون وسلام إلى طرح موضوع السلاح على مجلس الوزراء؟

ونفت مصادر مطلعة على أجواء السراي الحكومي لـ«الجمهورية» اتخاذ قرار بطرح ملف السلاح على مجلس الوزراء، ولو أنّه تمّ التداول به. وتشير إلى أنّ هناك تشاوراً رئاسياً حول الاتفاق على صيغة ما لمعالجة مسألة السلاح والورقة الأميركية، لكن لا قرار حتى الساعة.

وفيما عُلِم أنّ رئيس الحكومة عرض على بري طرح الورقة الأميركية وبند السلاح على مجلس الوزراء لاحتواء الضغط الخارجي، أشارت مصادر السراي إلى أنّ سلام ناقش وبري ملفات عدة، ولا سيما منها الورقة الأميركية والسلاح وزيارته الأخيرة لفرنسا والجلسة التشريعية المرتقبة.

ووفق مطلعين على الشأن السياسي، فإنّه حتى لو عُرضت قضية السلاح على مجلس الوزراء فلا يعني طرحها على التصويت لاتخاذ القرار، بل على سبيل المناقشة، وإن طُرِحت فإنّ أكثرية الثُلثَين تدور في فلك الرؤساء الثلاثة بأولوية وقف إطلاق النار والخروقات والاعتداءات الإسرائيلية وإطلاق الأسرى قبل أي خطوة من الجانب اللبناني.

ويذهب المطلعون، إلى حدّ الاعتقاد بوجود اتفاق أو عهد رئاسي ضمني منذ تأليف الحكومة، بتجنّب طرح قضايا وطنية خلافية على التصويت في مجلس الوزراء من دون التفاهم المسبق عليها، لتفادي أي تداعيات سلبية على تماسك الحكومة والوحدة الوطنية والسلم الأهلي، لأنّ الوزراء الممثلين «للثنائي الشيعي» في الحكومة سيعتكفون ويعلّقون مشاركتهم في الحكومة في حال طُرح موضوع السلاح على التصويت، ما قد يُدخل البلد في أزمة ميثاقية وتشكيك بشرعية الحكومة.

ويؤكّد المطلعون، أنّ الرؤساء الثلاثة لا يثقون بأنّ الجانب الأميركي سيضغط على الاحتلال الإسرائيلي للإنسحاب من الجنوب ووقف الإعتداءات، ولا حتى ضمان بوضع جدول زمني لذلك، فلماذا نذهب إلى الإصطدام مع «حزب الله»؟ ولذا، فإنّ التعنّت الإسرائيلي بات حجّة مقنعة للبنان لتأجيل الخلاف.

غير أنّ جهات عليمة تخشى من مفاجآت أو أحداث كبرى في لبنان والمنطقة، قد تدفع برئيسَي الجمهورية والحكومة تحت ضغوط غير عادية إلى اتخاذ قرار بالتصويت على مسألة السلاح. ووفق المعلومات، فإنّ وزراء «القوات اللبنانية» سيطرحون التصويت على حصرية السلاح في الجلسة المقبلة تحت ضغط التلويح بالإستقالة.

وقد تلجأ إسرائيل إلى توسيع العمليات العسكرية الجوية ضدّ مخازن صواريخ استراتيجية لـ«حزب الله» أو اغتيال قيادات رفيعة، لخلق ديناميكية سياسية في لبنان تضغط لوضع سلاح «الحزب» على الطاولة الحكومية قيد الحسم وتحاصر الحزب وبيئته أكثر وتحمّله مسؤولية استمرار الحرب وتداعياتها وفق معادلة: لَو سلّمتم السلاح لما حصلت الحرب وعليكم في ظل الحرب الالتزام بتسليم السلاح.

وإذا استُثنيَ سيناريو تحريك الفصائل المسلحة الأجنبية في سوريا في اتجاه الحدود اللبنانية نحو البقاع لقتال «حزب الله»، فربما تذهب المغامرة الإسرائيلية إلى توسيع دائرة الاستهداف لتشمل البنى التحتية والمؤسسات الحيَوية اللبنانية مثل المطار والمرفأ والجسور الأساسية التي تربط الجنوب ببيروت والبقاع ومحطات الكهرباء والمياه والإتصالات، التي حُيِّدت بقرار أميركي في الحرب الأخيرة، لأنّ الدولة كانت بلا رئيس للجمهورية وحكومة أصيلة وللاستفراد بـ«حزب الله» وبيئته. أمّا اليوم، فالدولة مكتملة الأركان، وخيار ضرب البنى التحتية وفق المنظار الإسرائيلي الأميركي قد يُشكّل عامل ضغط على الدولة للإلتزام بالورقة الأميركية، مع تحريض المكوّنات اللبنانية غير الشيعية تحت ضغط استهداف مناطقها وتوقف الخدمات الأساسية، على مطالبة الدولة بوقف الحرب حتى لو كان الثمن نزع سلاح المقاومة.

وتكشف أوساط على صلة بـ«حزب الله» لـ«الجمهورية»، أنّه أبلغ إلى الدولة رفضه تسليم السلاح من دون صورة واضحة عن سبل حماية لبنان في ظل فوضى المشاريع الإسرائيلية الخطيرة في سوريا والمنطقة وأحداث السويداء التي وضعت الأقليات في سوريا والمنطقة في نزاع وجود، ولا مانع لدى الحزب من نقاش مسألة السلاح في حال طبّق الإسرائيلي القسم الأول من القرار 1701 أي الانسحاب إلى الحدود الدولية ووقف الاعتداءات وإطلاق الأسرى، لكن وفق استراتيجية الأمن الوطني التي دعا إليها رئيس الجمهورية ومن ضمنها استراتيجية الدفاع الوطني.

وتضيف هذه الأوساط، أنّ «حزب الله» ملتزم بقرار الدولة عدم الردّ على الإعتداءات، ويأخذ بصدره نزيف الاغتيالات بجسمه العسكري، لكن في حال أقدمت إسرائيل على توسيع عدوانها باستهداف المراكز السكنية والبنى التحتية والتقدّم البرّي لاحتلال القرى ولم تستطع الدولة ردعها، فإنّ الحزب سيكون في حلٍ من أمره، وسيواجه بكل قوّته وقدراته للدفاع عن وجوده وأهله وأرضه وبلده مهما كلّف الثمن، ولا ضمان بعدم عودته إلى جنوب الليطاني للدفاع من الخطوط الأمامية، وستنهار كل الخطوط الحُمر التي رُسِمت في الحرب الأخيرة لاعتبارات عدة، لأنّ الحزب سيعتبر الحرب المقبلة هي الأخيرة.