
خاص- حتى لا يعود وفيق صفا الى العدلية
في غمرة التهديدات العسكرية الإسرائيلية، والضغوط السياسية الأميركية، و”السلبية المالية” العربية، و”الترقب” السوري على الحدود الشمالية والشرقية، وصل الأمر الإيراني الى “حزب الله” بعدم تسليم سلاحه الى الجيش اللبناني (وليس الى اسرائيل كما يحلو للشيخ نعيم قاسم ان يقول)، على أمل ان يكون هذا السلاح ورقة رابحة في المفاوضات المرتقبة بين واشنطن وطهران.
على الضفة الأخرى من المعادلة تقف الحكومة اللبنانية محتارة في أمرها بعدما جاء الرد الأميركي- الإسرائيلي سلبيًا على الرد اللبناني الذي تم وضعه بالاتفاق بين رئيس الجمهورية العماد جوزيف عون ورئيس مجلس النواب نبيه بري ورئيس الحكومة نواف سلام. وبعدما وصلت الأمور الى ما وصلت إليه، وفي ظل التعثّر الواضح في المفاوضات بين رئيس الجمهورية و”حزب الله” بدليل اللغتين المختلفتين اللتين يقاربان فيها مسألة السلاح على الإعلام، قرّر عون وسلام طرح القضية على مجلس الوزراء مجتمعًا في جلسته التاريخية الثلاثاء المقبل.
في هذه الأجواء الملبّدة بالغيوم أطل رئيس الجمهورية على اللبنانيين في عيد الجيش، المعني الأول ببسط سلطة الدولة على أراضيها، ليؤكد أنه “يجب أن نقتنص الفرصة التاريخية وندفع من دون تردد الى التأكيد على حصرية السلاح بيد الجيش والقوى الأمنية دون سواها وعلى الأراضي اللبنانية كافة اليوم قبل الغد”. أضاف: “ليس أضمن من سلاح الجيش بوجه العدوان. جيش وراءه دولة مبنية على المؤسسات والعدالة والمصلحة العامة. فلنحتم جميعًا خلف الجيش لأن التجربة أثبتت أن سلاحه هو الأمضى، وقيادته هي الأضمن، والولاء له هو الأمتن”.
ما قاله رئيس الجمهورية رائع في مضمونه حتى أنه يصلح ليكون مقدمة لكتاب التربية الوطنية في لبنان. إلا أن الأخطر هو ما لم يقله الرئيس لجهة كيفية تعاطي الدولة مع هذا السلاح من جهة، وتراتبية القرار في “حزب الله” التي تنتهي في طهران التي قرّرت بعد حربها الأخيرة مع اسرائيل أخذ لبنان رهينة في خدمة مفاوضاتها على بقاء النظام مع بعض المكتسبات الممكنة من جهة ثانية.
أما بالنسبة الى عمل الحكومة فقد أشار رئيس الجمهورية الى تململ شعبي من بطء الإنتاجية، فأعاد التذكير بالانجازات في فترة قصيرة، متحدثًا عن التعيينات والتشكيلات القضائية والدبلوماسية والتشكيلات العسكرية والتعيينات في مجلس الإنماء والإعمار والتعيينات في مصرف لبنان وهيئة الرقابة على المصارف، اضافة الى التعيينات الادارية لاسيما في الهيئات الناظمة في قطاعات الكهرباء والاتصالات والطيران المدني. كما تطرق الى نجاح الحكومة في اجراء الانتخابات البلدية والاختيارية والتحضير للانتخابات النيابية، مذكرًا بالجهود التي بُذلت لإعادة لبنان الى محيطه العربي والدولي.
“ساعة الحقيقة بدأت تدق، وعلينا اليوم أن نختار إما الانهيار وإما الاستقرار”. هي بيت القصيد في كلمة رئيس الجمهورية. إلا أن ما يجب التأكيد عليه هو عدم السماح للبعض بالاختيار عن الكل فيسقط الجميع في التهلكة.
واللافت أيضًا ان التململ الشعبي من الحكومة الذي تحدث عنه عون سببه الأساسي شعور المواطن بضعف الدولة في مواجهة “حزب الله” الذي يرفع نبرة خطابه السلبية كل يوم في وجه الدولة وجميع مكوّنات المجتمع اللبناني.
وإذا أرادت الحكومة المحافظة على إنجازاتها ومتابعتها فلا بد من لها من إيجاد حل لمشكلة سلاح الحزب أولًا، لأن التشكيلات القضائية لن تمنع وفيق صفا من العودة الى العدلية لعرقلة تحقيق العدالة في قضية انفجار مرفأ بيروت، والتعيينات في مصرف لبنان لن تمنع “مؤسسة القرض الحسن” من مواصلة أعمالها غير الشرعية، والتشكيلات الدبلومسية لن تمنع الحزب من مواصلة خطابه المسيء لعلاقات لبنان بأشقائه وأصدقائه، والتعيينات في مجلس الإنماء والأعمار لن تمنع مجلس الجنوب من وضع يده على المساعدات المرتقبة..
“إذا لم يبن الرب البيت فعبثًا يتعب البناؤون”. وإذا لم تقم الحكومة الثلاثاء بواجبها الوطني تجاه مواطنيها بتأكيدها عمليًا على حصرية السلاح بيد الجيش، فعبثًا يتعب الأشقاء والأصدقاء لأن المصير المحتوم آت لا محالة.