هل تطفئ الحكومة فتيل الانفجار؟

هل تطفئ الحكومة فتيل الانفجار؟

الكاتب: انطوان الاسمر | المصدر: اللواء
2 آب 2025

يدخل لبنان مرحلة دقيقة ومصيرية مع بداية العدّ العكسي لمهلة الـ120 يوماً، سيكون لها انعكاسات عميقة على مصيره السياسي والأمني والاقتصادي. هذا الموعد، وإن بدا كأنه امتداد لسلسلة من المهل السابقة، يحمل هذه المرّة طابعاً مختلفاً تماماً: إنه مهلة غير قابلة للتأجيل، خطواتها تدريجية لكن عقوباتها تصاعدية، تبدأ سياسياً واقتصادياً وتُتوَّج بخريفٍ أمنيٍّ وعسكريٍّ يتبيّن أن الاستعداد له جارٍ منذ أشهر.

المفارقة المُرّة أن المشهد اللبناني الراهن لا يختلف كثيراً عن ما كان عليه قبل تشرين الثاني 2024. الرهانات ذاتها، العجز ذاته، الإنكار ذاته، والتواطؤ أو اللامبالاة من سلطة تستمر في إدارة الأزمة بمنطق الإنكار والتعويل على الفرج الخارجي، من دون أي محاولة جادة لإحداث انعطافة حقيقية. فكل المؤشرات تدل إلى أن ما سيأتي سيكون امتداداً لما سبق، لا قطيعة معه. وإذا لم تبادر الجهات المعنية، وخصوصاً تلك الممسكة بملف السلاح، إلى مراجعة حقيقية، فإن لبنان مقبل على سيناريو شديد القسوة.

الكلام عن مهلة ليس تفصيلاً، بل رسالة واضحة بأن المهل انتهت عملياً، وهذه الفرصة هي الأخيرة قبل الشروع بخطوات قاسية. المهلة ليست جامدة، بل ديناميكية، تتدرّج من ضغوط ديبلوماسية إلى عزلة اقتصادية، وصولاً إلى الخيار الأمني والعسكري المفتوح على احتمالات لا تُحمد عقباها.

الأخطر في المشهد هو أن الجهات المعنية الإقليمية والدولية متأهبة للمواجهة. اللاعب الرئيسي الذي يحضّر جيشه ويملأ مخازنه هو الطرف الذي يملك القرار بفتح أو إغلاق أبواب الحرب، بينما اللاعب الاحتياطي يقف في الظل، بانتظار لحظة التدخل إذا فشل اللاعب الأول في تنفيذ المهمة. هذا التقسيم الميداني لا يدع مجالاً للشك: ما يجري هو تحضير لحرب، لا لمجرد ضغط سياسي أو اقتصادي. حرب قد تتجاوز، من حيث الحجم والنطاق، ما شهده لبنان سنة 2024، وقد تتخطى كذلك هول حرب صيف 2006.

المؤلم في كل ما سبق، ليس فقط السيناريو المتوقّع، بل واقع أن هناك من لا يزال يعيش حال إنكار كاملة. المعنيون بملف السلاح، والذين يفترض أنهم يدركون حجم التحوّلات الإقليمية والدولية، يتصرّفون كأن شيئاً لم يتغير. رهانهم لا يزال على الحليف الإقليمي الذي يتخبّط داخلياً وخارجياً. والانهيار الاقتصادي تم التعوّد عليه. أما عزلة لبنان عن محيطه العربي والدولي، فلم تعد مصدر قلق.

لا يقتصر الإنكار على السياسيين فقط، بل يمتد أيضاً إلى بعض الأوساط الشعبية، التي اعتادت العيش في ظل الاستقرار الهش والسلم المزوّر، غير مدركة أن الآتي مختلف، وأن النزف المقبل لن يكون كسابقيه، لا من حيث الدمار ولا من حيث حجم الدماء التي ستُراق.

السؤال المطروح اليوم بإلحاح: هل لا يزال في الوقت متّسع لتدارك ما هو آتٍ؟ نظرياً، نعم. لكن عملياً، يبدو أن لا نية جدية لإجراء مراجعة وطنية شاملة. المطلوب أولاً، اعتراف صريح بأن السلاح الخارج عن الدولة بات عبئاً لا يمكن الدفاع عنه، لا محلياً ولا دولياً. وثانيا، فصل المسارات اللبنانية عن المحاور الإقليمية التي لم تجرّ على لبنان سوى العزلة والانهيار، وأثقلت كاهله وأغرقت شعبه في أتون الاحتراب والقلاقل.

يشهد الأسبوع المقبل على محاولة تدارك في الحكومة، لكن السياق العام يوحي بأنها ستكون محاولة شكلية، لا ترقى إلى مستوى التحدي، فيما الوقت يضيق. التجارب السابقة علّمت الجميع أن الطبقة السياسية بارعة في إنتاج مبادرات شكلية لا تصمد أمام أول اختبار. وهي اليوم تعود إلى الأساليب ذاتها: توزيع المسؤوليات، التلويح بالمخاطر من دون التعامل معها بجدّية، والانشغال بالمكاسب الفئوية على حساب المصلحة الوطنية.
لم يعد مجدياً الرهان على عامل الوقت. ثمة ترف لإضاعة مزيد من الأشهر في حوارات شكلية أو محاولات امتصاص الضغوط. قد تكون المهلة القائمة راهناً الفرصة الأخيرة لطرح تسوية داخلية تُعيد بناء الدولة على أسس سيادية واضحة، وتعيد الاعتبار لدورها الأمني والاقتصادي، وتفصل المسار اللبناني عن المحاور.

لبنان يقف على حافة الهاوية، مرة جديدة. لكن الفارق اليوم أن الهاوية أعمق، والهوّة أوسع، والانفجار الآتي – إن لم يُتدارك – سيكون أشدّ تدميراً من كل ما سبقه. ما بعد تشرين 2024 لن يكون كسابقه، إلا إذا استمرّ الإنكار والرهان الخاطئ. وعندها، ستكون المهلة انتهت، والمصير حُسم… بثمن الدم والدمار، إذا لم يتم تدارك المخاطر واحتواء الحسابات الخاطئة.