
الجلسة تمرّ… لكن البلد مهدّد بالانفجار!
مع انتظار جلسة الثلاثاء، يبدو البلد وكأنّه على وشك الدخول إلى غرفة العمليات لإجراء جراحة خطرة، أو كأنّه بدأ العدّ التنازلي للانحدار في منزلق لا تُعرف نهاياته.
المغزى السياسي لانعقاد جلسة لمجلس الوزراء تناقش ملف سلاح «حزب الله» هو أنّ الملف بدأ يخضع للنقاش تحت سقف المؤسسات الدستورية، للمرّة الأولى في شكل جدّي، بعدما كان حتى اليوم مجرد مسألة خلافية سياسية يتساجل فيها الجميع على المنابر. وهذا الدخول في المؤسسات ينطوي على تحدّيات حقيقية، لأنّه يستثير مخاطر الانقسام داخل مؤسسات الحكم. وتحت الضغط الديبلوماسي الأميركي والعسكري الإسرائيلي، قد يتحول مادة انشقاق وتفجير للدولة والبلد.
ويمكن القول إنّ الموفد الأميركي توم برّاك، بإنذاره الحكومة اللبنانية، بالتزامها خلال هذا الشهر برنامجاً زمنياً محدّداً ببضعة أشهر، لنزع سلاح «الحزب»، وضع قنبلة موقوتة في قلب المشهد اللبناني، لأنّه يستحيل على الحكومة التزام هذه المهلة.
أوحى برّاك أنّ الفرص الممنوحة للبنان منذ اتفاق وقف النار في تشرين الثاني الفائت، من خلال الموفدة السابقة مورغان أورتاغوس، ثم من خلاله، قد استنفدت، وأنّ أي فرصة جديدة تُمنح للبنان ستكون مشابهة لسابقاتها. وهو ترجم هذا الاقتناع بتغريدته العنيفة أخيراً: «أشبعتمونا كلمات. لن نصدقكم بعد اليوم. نريد أفعالاً». وتبدو هذه التغريدة وكأنّها إعلان عن نهاية حقبة المماطلة، وإصرار على إقران الوعود بخطة ملموسة لنزع السلاح من لبنان بكامله. وهذا الطلب يحشر الحكومة بين نار الضغط الدولي المستعرة، ونار الصدام الداخلي الذي يخشاه الجميع.
ليس واضحاً ما الذي يتوقعه الأميركيون برفعهم السقف إلى هذا المستوى: هل يعتقدون أنّهم سيدفعون «الحزب» إلى التنازل وتسليم السلاح؟ أم سيدفعونه إلى محاورتهم حول ثمن التخلّي عن السلاح؟ أم إنّهم يضيّعون الوقت بالمواقف في انتظار حسم الملف مع إيران، فيأتي الحل مع «الحزب» ضمن الصفقة؟ أم إنّهم، بكل بساطة، يعرفون أنّ «الحزب» لن يتراجع بأي ثمن، وبذلك هم يغسلون أيديهم من الوساطات ويفتحون الباب على مصراعيه لإسرائيل لكي تفعل ما تريد؟ أم إنّهم يطمحون إلى عزل «الحزب» محلياً أمام الغالبية الرافضة للسلاح، من طوائف وقوى أخرى، أو خلق صدام بينه وبين الدولة وهذه القوى؟
ما أظهره «الحزب» حتى الآن، هو الإصرار على المواجهة حتى الرمق الأخير دفاعاً عن السلاح. وقد تعمّد الأمين العام لحزب الله الشيخ نعيم قاسم أن يرمي قنبلته، قبل أيام من الجلسة المقررة، ليعرف الجميع ما الذي ينتظرهم: «لن نسلّم السلاح بأي ثمن. ومن يطالبنا بالتخلّي عنه يخدم إسرائيل». ومعنى هذا الكلام أنّ أي حوار حول الموضوع لن يثمر. وهذا الموقف يجعل مهمّة رئيس الجمهورية جوزاف عون ورئيس الحكومة نواف سلام مستحيلة، إذ كيف يمكن التفاوض مع من يرفض النقاش في أساس فكرة الحوار؟
ويبدو عون، الذي التزم تكراراً أمام الأميركيين، تنظيم حوار هادئ ومثمر مع «الحزب» حول سلاحه، في مواجهة وضع لا يُحسد عليه. إذ هو يريد تجنّب إغضاب الأميركيين الذين يقدّمون الدعم إليه وإلى الحكومة والجيش والمؤسسات الأخرى، لكنه في المقابل لا يستطيع مواجهة «الحزب» ولا يرغب في ذلك. وخطابه الأخير رسالة إلى الأميركيين تطالبهم بتخفيف الضغط الذي يمارسونه وإمهال لبنان الرسمي مزيداً من الوقت. لكن تغريدة برّاك الأخيرة بتدو وكأنّها أغلقت الباب تماماً على هذا الاحتمال.
إذاً، التمثيلية المقرّرة لجلسة الثلاثاء معروفة: نقاش ساخن ومواقف حادة، لكن أحداً لن يضغط على زر الانفجار. وسيمنع عون إحالة الملف على التصويت، لأنّ هذا يعني نهاية اللعبة وتفجير الحكومة. وفي أي حال، خيار وزراء «حزب الله» وحركة «أمل» جاهز، عند أي مفاجأة، وهو الانسحاب في اللحظة التي يُحال فيها الملف على التصويت، ما يعطل الميثاقية. وفي النتيجة، المنتظر هو بيان خجول يؤكّد «أهمية الحوار الوطني» ومبدأ «حصر السلاح بيد الدولة»، ولكن لا آليات واضحة ولا خطط زمنية.
وهكذا، قد تنجو الحكومة من جلسة الثلاثاء، ولكن، إلى أي حدّ سينجو البلد؟ فبمجرد صدور البيان، من المرجح أن يمنح الأميركيون إسرائيل ضوءاً أخضر، إما لكي تواصل استراتيجية «الاستنزاف» الحالية ضدّ مواقع «الحزب» وكوادره، في لبنان كله، وإما لكي تستعيد الحرب الموسعة والشاملة، فتقوم بتدمير قدرات «الحزب» بكاملها. ما يعني أنّ لبنان يقف على حافة الهاوية. وليس السؤال المهم: «ماذا سيدور في جلسة الثلاثاء؟»، بل: «ما الذي ينتظر لبنان بعدها؟».