خياران لحكومة لبنان: مواكبة “الانتحار” أو سحب السّلاح

خياران لحكومة لبنان: مواكبة “الانتحار” أو سحب السّلاح

الكاتب: وليد شقير | المصدر: اساس ميديا
2 آب 2025

ما يسبق جلسة مجلس الوزراء المخصّصة لعنوان سحب سلاح “الحزب” الثلاثاء المقبل هو نموذج عمّا سيليها من اعتداءات إسرائيلية. لكنّ امتناع “الحزب” عن الاستجابة للمطلب الإسرائيلي الأميركي العربي بتجريده ممّا بقي من قوّته سيعمّق الانقسام الداخلي. ما هو أكثر خطورة في المرحلة المقبلة مفاعيل هذا الانقسام الأشدّ وطأة ودماراً على اللبنانيّين.

لم تكن دعوة الرئيس اللبناني العماد جوزف عون قبل يومين إلى “وقف الموت” عن عبث. هي رفض للعناد الذي يأخذ لبنان إلى التهلكة المحقّقة بعدما انخفضت قدرته على الصمود إلى تحت الصفر.

جرأة عون مقابل عناد “الحزب”

قال إنّ “الوفاء للشهداء ولتضحياتهم وللقضيّة التي ارتقوا من أجلها، يقتضي منّا جميعاً، أن نوقف الموت على أرضنا وأن نوقف الدمار والانتحار، خصوصاً حين تصبح الحروب عبثية مجّانية ومستدامة، لمصالح الآخرين، حفاظاً على كرامة شعبنا وأرضنا ودولتنا ووطننا”.

منبع الجرأة التي طبعت كلام عون إدراكه، بعد أشهر من تدوير الزوايا في شأن مسألة سحب سلاح “الحزب”، أنّ “ساعة الحقيقة” حانت. تبلّغ الرئيس من العواصم المعنيّة بأنّ المخارج كافّة التي كان طرحها هو، وتلك التي ذهب بعيداً في الليونة بمقاربتها رئيس مجلس النواب نبيه برّي، للبدء بخطوات سحب السلاح رُفضت من إسرائيل. بالمقابل يرفض “الحزب” أيّ التزام من دون الحصول على “شيء ما” من تل أبيب.

يعود لبنان إلى الحلقة المفرغة إيّاها: أيّ الخطوات هي الأولى، وقف إسرائيل انتهاكاتها وضمان انسحابها من التلال الخمس، لتليها أولى مراحل سحب السلاح، وتطبيق إسرائيل اتّفاق وقف الأعمال العدائية، أم أن يسلّم “الحزب” السلاح أوّلاً ليتمّ البحث بالخطوات الإسرائيلية المقابلة؟

لماذا تأجّلت مناقشة الحكومة لسحب السّلاح؟  

ما أدّى سابقاً إلى تأجيل اتّخاذ قرار في مجلس الوزراء بشأن حصريّة السلاح بيد الدولة ووضع الآليّة التنفيذية هو توافق عون وبرّي ورئيس الحكومة نوّاف سلام على تجنّب أيّ سجال بين مكوّنات الحكومة بهذا الشأن، في ظلّ إصرار “الحزب” على أولويّة وقف إسرائيل انتهاكاتها. فضّل سلام الانسجام مع وجهة نظر عون وبرّي وتأجيل الأمر إلى حين نضوج محادثات الرؤساء الثلاثة مع الموفد الأميركي توم بارّاك (وقبله مورغان أورتاغوس). هذه المحادثات وصلت الأسبوع الماضي إلى جدار الرفض الإسرائيلي للمخرج الذي طرحه برّي على بارّاك وأبدى الأخير إيجابيّة حياله: أن توقف تل أبيب القتل والتدمير منذ الأوّل من آب حتّى الخامس عشر منه، على أن يضمن برّي وضع جدول زمنيّ لسحب السلاح على مراحل، مع تحديد تواريخ بداية ونهاية كلّ مرحلة، وفق مبدأ الخطوة مقابل خطوة. تذهب رواية بعض من اطّلعوا على نتائج لقاء بري-بارّاك الأخير (23 تمّوز الماضي) إلى حدّ القول لـ”أساس” إنّ برّي قدّم تنازلات بالموافقة على خطّة سحب السلاح وحمل “الحزب” على الموافقة عليها، إذا وافقت إسرائيل على اقتراحه وقف القتل لمدّة 15 يوماً. فهم هؤلاء أنّه لو استجابت تل أبيب لكان برّي مضى في موقفه حتّى لو رفض “الحزب”. الرفض الإسرائيلي لاقتراحه نسف مسعاه، وتبلّغ الأمر من بارّاك بعد ساعات. يتعاطى هؤلاء مع بارّاك على أنّه أُسقِط في يده، بعدما قابل برّي بالليونة نفسها وامتدح حنكته. التأكيد على أنّ مورغان أورتاغوس عائدة إلى الملفّ اللبناني يعني إطلاق واشنطن يد إسرائيل في مواصلة عمليّاتها العسكرية، كما جرى ليل أول أمس بقصف البقاع والجنوب.

كان “الحزب” تأهّب لتشدّده بقول أمينه العامّ الشيخ نعيم قاسم قبل يوم من خطاب عون عشيّة عيد الجيش: “ليست المسألة مسألة نزع سلاح المسألة مسألة خطر على لبنان… نحن لا نُهدّد. نحن في موقع دفاعيّ… هذا الدفاع لا حدود له عندنا، حتّى لو أدّى إلى الشهادة”.

قلب الشيخ قاسم الأولويّات مقارنة بما كان يسعى إليه برّي. مقابل التعجيز الإسرائيلي للدولة اللبنانية، يصعب وصف موقفه بأقلّ من التعجيز. قال: “أوّل مهمّة هي إيقاف العدوان. والمهمّة الثانية: الإعمار، وهو مسؤولية الدولة. أميركا تمنع الدول العربية والإسلامية من مساعدتنا. فلتبحث الدولة عن طرق، ولو من موازنتها. سبعة أو ثمانية آلاف شقّة تقريباً يمكن تعميرها بأربعين مليون دولار”.

من شدّة غرق “الحزب” في الأوهام السورياليّة قدّر كلفة إعادة الإعمار بـ40 مليون دولار، في وقت يحتاج تأهيل البنى التحتية وحدها، التي تتيح الإعمار وعودة المواطنين المنكوبين، إلى مئات ملايين الدولارات. في هذه القرى لا ماء ولا محطّات كهرباء ولا شبكة لنقل الطاقة، ومعظم طرقاتها تعرّض للجرف. وبكلامه يؤسّس الشيخ قاسم لتخوين من في الدولة بقوله إنّ “كلّ من يطالب بتسليم السلاح، داخلياً أو خارجياً أو عربياً أو دولياً، يخدم المشروع الإسرائيلي، مهما كان اسمه، وصفته”. استبق جلسة مجلس الوزراء بالضغوط. رافقه الإعلام المقرّب منه بتهديد وليد جنبلاط بـ7 أيّار جديد.

بات مجلس الوزراء أمام خيار من اثنين:

  • أن يتبنّى ورقة ردود الرؤساء الثلاثة على أفكار بارّاك حول نزع السلاح، التي أضاف إليها برّي تحديد تواريخ لإجراءات سحب السلاح مع تحديد مهلة زمنية للتنفيذ، مقابل وقف إسرائيل القتل 15 يوماً. وهي تتضمن 3 مراحل: على لبنان سحب السلاح من “الحزب” في بيروت وضواحيها، ثمّ شمال الليطاني جنوباً، ثمّ في البقاع الغربي ثمّ الشرقي، وفي المقابل تقوم إسرائيل في كلّ مرحلة بخطوات تتعلّق بوقف طلعاتها الجوّية ثمّ انسحابها من التلال الخمس، ثمّ إطلاقها أسرى “الحزب”… ثمّ تحديد الحدود البرّية. في هذه الحال ليس مضموناً حضور وزراء “الحزب” الجلسة، وربّما تضامن معهم وزراء برّي. ستصعّد إسرائيل ضرباتها في ظلّ وحدة المكوّن الشيعي، فيعود الصراع إلى الداخل ليعمّق الشرخ الطائفي، في حال إصرار مكوّنات الحكومة الأخرى على تحديد هذه التواريخ. وستحمّل “الحزب” مسؤوليّة الرفض، وبالتالي فلتان الآلة العسكرية الإسرائيلية.
  • أن يتمّ إقرار ورقة الردّ اللبناني الأساسية من دون تحديد تواريخ للمراحل الزمنية التي تضمّنتها للتنفيذ. “الحزب” وبرّي سيشترطان موافقة إسرائيل قبل تحديد تواريخ التنفيذ.

خشية الرئيس عون من السيناريو الأوّل هي التي دفعته إلى التحذير من “الانتحار”.