لبنان في قبضة «ساعات عصيبة» تُحاصِره معادلة المُرّ و… الأَمَرّ

لبنان في قبضة «ساعات عصيبة» تُحاصِره معادلة المُرّ و… الأَمَرّ

المصدر: الراي الكويتية
3 آب 2025

48 ساعة عصيبة يمرّ بها لبنان في الطريق إلى الثلاثاء – المفترَق الذي ستحاول فيه بيروت تحقيقَ تَوازُنٍ بالِغ الصعوبة، بين عدم إغضاب واشنطن التي تُعبّر عن مناخٍ دولي – عربي يَعتبر أن سَحْبَ سلاحِ «حزب الله» يجب أن يتمّ «أمس قبل اليوم» ووفق جدول زمني قصير وواضحٍ، وبين إرضاءِ الحزب الذي يرى أن صدورَ مثل هذا القرار عن مجلس الوزراء هو بمثابة «وصفة خراب» أو بالحدّ الأدنى «تسليماً للبلد إلى اسرائيل».

ومنذ أن أُعلن عن «جلسة السلاح» التي أعقبها خطابُ «دقّت ساعة» عودةِ «الأمر للجيش وحده» وتسليم «حزب الله» ترسانته الذي أطلقه الرئيس جوزاف عون، ملمّحاً إلى اتجاه لجدْولةِ هذا الملف وإلى تَوازٍ بين حصرية السلاح ووقف الاعتداءات الإسرائيلية والانسحاب من التلال الخمس وإطلاق الإعمار، حتى ساد لبنان استنفارٌ سياسي مع «كواتم صوت» لم تَحجب سِباقاً بين «هدير» مَخاوف من أيّ انزلاقٍ للوضع الداخلي نحو صِدامٍ وبين الخشية من «هدر» الفرصة الأخيرة الممنوحة من عواصم القرار لـ «بلاد الأرز» للتصرف بإزاء هذا الملف قبل أن تَدخل مجدداً «منطقةَ الأعاصير» وهذه المَرة بانكشافٍ كامل وبلا أي مظلة دَعْمٍ خارجي.

العصا من الوسط

وتتركّز الاتصالاتُ التي لا تهدأ على خطين:

– داخلي محوره رئيس الجمهورية مع كل من رئيس الحكومة نواف سلام الذي وجّه الدعوةَ إلى جلسة الثلاثاء، ورئيس البرلمان نبيه بري، شريك «حزب الله» في الثنائية الشيعية، في محاولةٍ لبلوغ صيغة على طريقة «إمساك العصا من الوسط»، بما يُراعي أمرين.

أوّلهما المَخاطرَ العالية التي تلوح في الأفق في حال أدار لبنان الرسمي الظهرَ للضغوط الخارجية، ولمضامين الرسالة الأميركية الحازمة عبر الموفد توماس براك بأن على الحكومة الانتقال من الأقوال إلى الأفعال «فوراً».

والثاني مقتضياتِ موقف الحزب الذي يرفض مبدأ تحديد جدول زمني لسَحْب سلاحه ويصرّ على «أولويات» الانسحاب الإسرائيلي من التلال الخمس، ووقف الاعتداءات والاغتيالات وإطلاق الأسرى وبدء الإعمار ثم النقاش الداخلي في السلاح وبخلفية البحث في إستراتيجية دفاعية.

– والخط الثاني يتولّاه عون مباشرة مع الحزب لضمانِ «عبور آمن» للجلسة، بحيث لا تَنفجر الحكومةُ بـ «فيتو الميثاقية» بحال غاب وزراء الثنائي الشيعي أو انسحبا من الجلسة، أو بـ «غضبةٍ» من الوزراء الذي يمثّلون أطرافاً مناهضة لـ «حزب الله» إذا انجرفت الحكومة نحو «أنصاف الحلول» أو قرار «لايت» بمعنى «مسحوب الدسم» في ما خص الجدول الزمني أو تغليفه بغموضٍ و«لعب على الأولويات» وترتيبها، تَسَلْسُلياً أو بالتزامن والتوازي.

وفي وقت تشير المعطيات حتى الساعة إلى أن وزراء الثنائي سيحضرون الجلسة، فإن المعلومات التي توافرتْ عن لقاء عون مع رئيس كتلة نواب «حزب الله» محمد رعد بعيد خطاب رئيس الجمهورية (الخميس) بالتوازي مع زيارة مسؤول وحدة الارتباط والتنسيق في الحزب وفيق صفا لقائد الجيش العماد رودولف هيكل، عَكَسَتْ «حقل الألغام» الذي دَخَلَه لبنان مع تَحَوُّل قضية السلاح أشبه بـ «منشار» قد يكبّده أثماناً في استقراره الداخلي بحال مضى قدماً من دون رضى الحزب، وقد تكون باهظةً فاتورتُه على البلد والدولة والشعب إذا اختار مراضاة الأخير وتَخَلَّف عن مجاراة توقّعاتِ الخارج بسحْب السلاح «الآن».

فقناة «المنار» أوضحت أنّ موقف الحزب خلال اللقاءين مع عون وهيكل كان واضحاً وثابتاً، «حزب الله يعلم حجم الضغوط ويُناقِش». وأضافت: «الأساس بالنسبة إلى الحزب عدم تنازل لبنان لمصلحة إسرائيل، وما الذي يدفع لبنان في مثل هذه اللحظة، حيث باب الحوار كان مفتوحاً، إلى اتخاذ قرارٍ حساس من دون مقدمات تفرضه باستثناء الضغوط الأميركية والعربية».

وفي الوقت الذي نقلت صحيفة «الأخبار» أن رعد أكد لرئيس الجمهورية أنه «لا يمكن الاستجابة لما يطلبه الأميركيون في ظل التعنّت الإسرائيلي»، مشيراً إلى أن «الجميع معنيّ بمواجهة هذه الضغوط من خلال اتخاذ موقف موحّد، وعدم إعطاء الذريعة لمن يريد أن يأخذ البلد إلى الخراب»، أعلن نائب «حزب الله» حسين جشي، «أن الوسيط برّاك عندما يقول إن لا ضمانة لوقف الخروق الإسرائيلية، فهذا يعني أنه لا يُعنى لا بلبنان ولا بشعبه، بل كل ما يعنيه هو أمن إسرائيل»، مطالباً «السلطة السياسية بأن تجرؤ على اتخاذ قرار بتسليح الجيش اللبناني ليصبح قادراً على حماية الأرض والسيادة»، ومعتبراً أن «الطلب من المقاومة التخلي عن سلاحها دون وجود بديل حقيقي يعد دعوة مكشوفة لتسليم لبنان لإسرائيل».

… نصف قرار

ووسط هذه اللوحة البالغة التعقيد، والأقرب إلى صفيح ساخن، التي يتحرّك عليها لبنان الرسمي، تتقاطع المؤشرات عند مسعى لأن تخرج جلسةُ حصرية السلاح بيد الدولة بصيغةٍ «لا تحرق الجسور» مع الحزب ولكن تراعي في الوقت نفسه الحاجة إلى الذهاب أبعد مما قدّمته المذكرة التي سلّمها عون الى براك في زيارته الأخيرة ورُفضت من واشنطن وتل أبيب لأنها لم تشتمل على «المفتاح الذهبي» لقفل باب التصعيد المحتمل وهو التزام لبنان بجدول زمني صار مرادفاً لعبارة الموفد الأميركي «إلى الأفعال دُر وفوراً».

وإذ كان عون كشف أبرزها البنود – النقاط (8) للمذكرة في خطاب الخميس، بدءاً من «الوقف الفوري للأعمال العدائية الإسرائيلية بما في ذلك الاغتيالات»، و«انسحاب إسرائيل خلف الحدود المعترف بها دولياً، وإطلاق الأسرى»، و«بسط سلطة الدولة اللبنانية، على كافة أراضيها، وسَحب سلاح جميع القوى المسلحة، ومن ضِمنها حزب الله، وتسليمه الى الجيش اللبناني»، فإنّ أي «تطويرٍ» لها في اتجاه الجدولة الزمنية، عبر مجلس الوزراء، يتطلّب وفق أوساط سياسية أولاً أن تَحسم الحكومة هل يلتزم لبنان منطق «الخطوة خطوة» الذي سَبَقَ لبراك أن طَرَحَه أم ثمة مَن سيحاول (حزب الله خصوصاً) الدفعَ نحو اعتماد «التراتبية التسلسلية» في المذكرة بوصفها «أولوياتٍ» متوالية تَسبق أي أزمنة قد تُحدَّد.

ثم إن نجاحَ لبنان الرسمي في «الاختبار الأخطر» الذي يلفّه «دخان نار» تطرق الأبوابَ، يتوقف بحسب الأوساط نفسها على وقف لعبة «شراء الوقت» أو «ركل القنينة»، وسط تَهَيُّبٍ للوقع الذي قد تتركه خياراتٍ يمكن أن ترسو عليها الجلسةُ من نوع إعطاء طابع «تقريريّ» لمضمونِ خطاب القَسَمَ والبيان الوزاري لجهة تأكيدهما على حَصْرِ السلاح بيد القوى الشرعية، مع إحالة مسألة وضع الإطار التنفيذي وتحديد الجدول الزمني على المجلس الأعلى للدفاع.

وثمة مناخاتٌ أشارت إلى أن محاولاتٍ تَجري لجْعل مجلس الوزراء يضع أقله «اتفاق إطار» في الموضوع الزمني، بحيث يحدد مثلاً منطلقاتٍ لبدء التنفيذ ولكن من دون رَسْمِ موعدٍ للنهاية بحيث تكون مرتبطة بعناصر أخرى تشمل مجمل ترتيبات تنفيذ اتفاق وقف الأعمال العدائية (27 نوفمبر)، في ظلّ إشاراتٍ إلى أن وزراء «القوات اللبنانية» والكتائب وربما الحزب التقدمي الاشتراكي سيَدفعون نحو صياغاتٍ أكثر وضوحاً وحزماً وتبديداً لالتباسات رافقت الجواب الأول ثم الثاني على مقترح براك.