«المرأة الخارقة» في لبنان.. مهارات فولاذية ودرع حماية

«المرأة الخارقة» في لبنان.. مهارات فولاذية ودرع حماية

الكاتب: زيزي إسطفان | المصدر: الراي الكويتية
3 آب 2025

في زمنٍ ما زالت الصورة النمطية للمرأة تحصرها بين الضعف والرقة، تَخرج سهام قصير لتكسر القواعد برشاقة وثقة.

هذه الشابة اللبنانية، التي تحمل في داخلها قلباً رقيقاً وجسداً فولاذياً، جعلتْ من القوة البدنية رسالة، ومن الأنوثة هوية ثابتة لا تُمسّ.

بين الرياضة والقوة البدنية والأمن والحماية سلكت سهام درباً قَلَّ نظيرُه بين النساء ولا سيما في عالمنا العربي وكانت رائدة في تعبيد الطريق امام شابات يحلمن بالوصول الى ما وصلت إليه.

منذ الطفولة، بدا أن سهام مختلفة. ففي سن السابعة فقط، كانت قادرة على حمل قارورة الغاز بكل سهولة، في وقتٍ كانت العائلةُ تحاول ثنيَها عن المهمات اليومية التي تتطلب مجهوداً بدنياً. لم يكن ذلك مجرد تفوّق جسدي، بل انعكاساً لطاقة داخلية دفعتْها إلى تحدي كل ما هو مألوف.

عشقتْ الرياضة بكل أشكالها، لكنها لم تتوقف عند المتعارَف عليه. في السادسة عشرة، قررت أن تجرّ سيارة باستخدام الحبل. لم يكن الأمر عرضاً عابراً بل بداية سلسلة من التحديات تدرّجت فيها من جرّ سيارة واحدة، إلى اثنتين، وصولاً إلى طائرة تزن أكثر من ستة أطنان ونصف طن، وذلك حين كانت في الثانية والعشرين من عمرها، عام 2022.

ورغم الإنجاز الاستثنائي، أرادت سهام أن توصل رسالة أعمق: الفتاة القوية لا تتخلى عن أنوثتها. فأصرّت يوم جرّت السيارة على أن ترتدي فستاناً، لتؤكد أن الأنوثة لا تتعارض مع القوة، بل تكملها. لاحقاً، أقدمت على جرّ بيك أب محمّل بخزان مياه، وكأنها تصرّ في كل مرة على اختبار حدود قدراتها… وتَجاوُزها.

لكن طموح سهام لم يتوقف عند استعراض القوة. فشغفُها بالأمن والحماية دفعها إلى السعي خلف حلم بدا مستحيلاً في لبنان، حيث تَقلّ الفرص أمام النساء في هذا المجال. غير أن قصير، التي لا تَعترف بالمستحيل، التحقت بأكاديميةٍ بريطانية متخصصة، ثم بأخرى أميركية، وحصلت على 18 شهادة في مجال الأمن والحماية، لتكون الفتاة الوحيدة بين طلاب دفعتها، ولتتخرج في طليعة الدورة.

إلى جانب مسيرتها الرياضية والأمنية، شقّت طريقَها في ريادة الأعمال، فافتتحت ثلاثة نوادٍ رياضية، لتقدّم من خلالها مساحة آمنة ومشجعة للنساء والرجال على حد سواء كي يكتشفوا قدراتهم ويتجاوزوا حدودهم.

تجسّد سهام قصير اليوم نموذجاً جديداً للمرأة العربية: قوية، طموحة، أنثوية، ولا تتنازل عن حلمها، حتى حين يبدو الطريق محفوفاً بالتحديات. هي قصة إلهامٍ، ودرس في كسر الحواجز، ورمزٌ لامرأة ترى في كل سقف … أرضية جديدة تنطلق منها.

وتقول سهام لـ «الراي»: «اختارتْني الأكاديمية لأمثّلها في الشرق الأوسط والعالم العربي، وكان ذلك مصدر فخر ومسؤولية كبيرة لي.»

وما بين الدراسة والتحديات البدنية، كانت تخوض منافسات على مستوى محلي وعربي في مسابقات «أقوى امرأة»، وتقول بثقة: «كنت دائماً أحتل المرتبة الأولى.»

الأكاديمية التي التحقت بها لم تقتصر على التدريب البدني فقط، بل شملت تَعَلُّمَ فنون القتال والدفاع عن النفس، إلى جانب مهارات الرماية، وكيفية تأمين وحماية الشخصيات العامة. وتضمّنتْ تدريباتها أيضاً استراتيجياتِ المراقبة وكيفية القيادة واختيار الطرق الآمنة، بالإضافة إلى تحضير وتنفيذ مهام خارج البلاد. وتقول عن ذلك: «قمتُ بخمس مهمات خارج لبنان مع سياسيين وفنانين لبنانيين وغير لبنانيين.»

وبفخر تضيف سهام التي اختارتْ تدشين أكاديمية خاصة للأمن والحماية، تهدف من خلالها إلى تعزيز دور المرأة في هذا المجال الحيوي: «أسستُ أول فريق أمن وحماية نسائي في لبنان، لأفتح المجال وأمهّد الطريق أمام النساء اللواتي سيأتين بعدي، وأختصر عليهن الطريق حتى لا يعانين ما عانيتُه للوصول والنجاح».

وفي وقت تنتظر مجموعة من الشابات المتدربات في لبنان اللحظة المناسبة للانطلاق ميدانياً في اختصاص الرماية واكتساب المزيد من الثقة بالنفس ليكنّ على قدر المهمات الملقاة على عاتقهنّ، تستمر المدربة سهام في توسيع نشاطها وتقديم خبراتها في تدريب جيل جديد من الفتيات الطموحات في هذا المجال الرياضي الدقيق.

فبعد سلسلة من التدريبات التي تولّتها في لبنان، والتي ما زالت نتائجها تنتظر التفعيل على الأرض ريثما تكتمل جهوزية المتدربات، انتقلت سهام بخبرتها إلى المملكة العربية السعودية، حيث أشرفت على تدريب ثلاث شابات سعوديات خضن أول بطولة نسائية للرماية في المملكة. والبطولة التي شاركت فيها 15 فتاة، أظهرت تميّز المتدربات الثلاث، إذ تمكنّ من انتزاع المراكز الثلاثة الأولى، في سابقةٍ تعكس مستوى الاحتراف الذي بلغنه في وقت قياسي.

وفي ظل الحضور المتزايد للمرأة العربية في الميادين الرياضية، تشكّل هذه المبادرات علامة فارقة في مسار كسر الصور النمطية وفتح آفاق جديدة أمام النساء في العالم العربي والعالم.

وتقول سهام لـ «الراي» إن الحماسة التي لمستْها لدى الشابات للدخول في مجال الأمن والحماية أسعدتْها وألقتْ على عاتقها مسؤولية كبيرة ولا سيّما بعدما بدأت تشعر بأنها باتت تمثّل قدوةً لهنّ ومصدر إلهام. «وهذا الشعور يدفعني إلى مزيد من الالتزام والعطاء لأكون على قدر ثقة الشابات وتطلعاتهن. وقد فهمتْ الشابات انهن يستطعن أن يُظْهِرْن قوتهن ومهاراتهن دون أن يفقدن أنوثتهن، بل على العكس أظهرت هؤلاء الشابات أن المرأة قادرة على القيام بمهام متعددة بالفاعلية ذاتها والتركيز نفسه، ولديها قدرة استيعاب وقدرة على التخطيط واتخاذ قرارت سريعة وصائبة تحت الضغط. والنساء قادرات على ان يبرعن في مجال الأمن ويكن الأوائل».

وتضيف: «مع كل مهمة أمنية أقوم بها، أشعر بأنّني ربما قد لا أعود منها أو قد أتعرض لمخاطر كثيرة، لكن ذلك لا يخيفني، بل يضخّ فيّ المزيد من الحماسة والأدرينالين. فأنا مستعدة لأتمم واجبي، أن أموت بدل الشخصية التي أقوم بحمايتها، فهذا عملي وواجبي. أفضل ذلك على أن أقول في نفسي: كنتُ قادرة على فعل المزيد ولم أفعل خوفاً وتَراجٌعاً. لا أهرب من الخطر، بل أنغمس في عملي حتى النهاية». وتختم بابتسامة فيها الكثير من الإصرار «والدتي طلبت مني التوقف عن المخاطرة، لكنني أجبتها: دعيني أقوم بالعمل الذي أحبه».

هذا الإنجاز لم يكن سوى خطوة من خطوات عديدة تخطط لها سهام، التي تمثّل أكاديمية تدريب معروفة في هذا المجال، إذ كان على أجندتها أن تستكمل جولاتٍ ودورات تدريبيةً في دول أخرى، على رأسها العراق وتايلاند، بهدف تمكين النساء ودعم حضورهن في الرياضات الاحترافية، والتحضير لأطلاق أكاديميتها الخاصة لتدريب الشابات والشبان على طرق الأمن و الحماية المحترفة.

حارسة شخصية في البرلمان اللبناني… تجربة ميدانية فريدة

في مشهدٍ لا يزال نادراً في العالم العربي، وتحديداً في لبنان، أصبحت سهام حارسة شخصية لإحدى نائبات المجلس النيابي، في ظاهرةٍ فريدة من نوعها على الساحة السياسية والأمنية.

النائبة بولا يعقوبيان كانت أوّل مَن آمن بقدرات سهام، ووثق بها ورأى فيها طاقات كامنة ربما لم تكن الأخيرة تدركها بنفسها. فأصرّت على أن تكون إلى جانبها، ليس فقط في تنقلاتها، بل أيضاً داخل أروقة البرلمان اللبناني ووسط فريقها الأمني الخاص المكوّن من رجال.

لكن دخول امرأة إلى هذا المجال، وبهذه الجرأة، لم يكن سهلاً. الاستقبال مِن الفرق الأمنية والشباب العاملين في حماية الشخصيات الرسمية داخل البرلمان لم يكن مشجِّعاً، بل جاء مفعماً بالشكوك المبطّنة والسخرية العلنية أحيانًا. وكانت تُطلب منها أوراق اعتماد لتدخل من مداخل غير تلك المخصصة للحراس، وأحياناً يُوجَّه لها بالدخول من البوابة المخصصة للصحفيين، في تَجاهُلٍ لوظيفتها ومسؤوليتها المباشرة في حماية نائبة منتخَبة.

ورغم هذه الصعوبات، تصف سهام التجربة بأنها الأكثر نضجاً في مسيرتها، إذ علّمتْها ما لم تقدّمه لها الأكاديمية. في لبنان، بلد التحديات اليومية، وجدت نفسها مجبَرة على اكتشاف كل التفاصيل بنفسها، دون مرجع واضح أو تعليمات ثابتة، ما مَنَحَها خبرة ميدانية لا تُقدّر بثمن، وساهم في صقل مهاراتها وتعزيز ثقتها بنفسها.

تجربة سهام في المجلس النيابي لا تقتصر على كسر النمط السائد، بل تعبّر عن جيل جديد من النساء اللواتي يدخلن ميادين طالما اعتُبرت حكراً على الرجال، بعزم وإصرار لا يقلّان عن قوة السلاح الذي يتولين استخدامه لحماية من أوكلت إليهن سلامته.

مرّت سنتان ونيف على مرافقة سهام ليعقوبيان، وباتت تُطلب مِن قبل الكثير من الشخصيات اللبنانية لتكون ضمن فريق الحماية الخاص بهم بعدما لفتتْهم ظاهرةُ الحماية النسائية التي عُرفت مع قلّة من رؤساء العالم مثل فلاديمير بوتين ومعمر القذافي.

كما قامت بتدريب الشبان من شركات أمن خاص أو حتى من جهاز أمن الدولة ليتمكّنوا من ممارسة مهامهم بشكل احترافي بعدما لمسوا أنها بخبرتها وشهاداتها تملك الكثير من المقومات الاحترافية التي يحتاجون إليها في تدريبهم وعملهم.

في حياتها الخاصة تُصِرّ سهام قصير على أن تبقى مكتملة الأنوثة، ومَن يراها في السهرات قد لا يتعرّف إليها إذا كان رآها مثلاً ترتدي زي الحماية الخاص أو تحمل بندقية وجعبة كما في العراق. وهي لا ترفض فكرة الزواج لكنها تقول إن كل شيء بوقته حلو. وهدفها اليوم أن تسير حيثما تأخذها الحياة وألا تفكر كثيراً بالمستقبل وبما يقال. ورسالتها لكل فتاة «تحدي نفسك، ولا تخشي أن تكوني قوية… فالأنوثة والقوة صنوان، فالله سبحانه وتعالى خلق المرأة لتحمل وتلد وهذا منتهى القوة».