
الضاحية لبعبدا: يرجى مراجعة نصرالله!
أحدث نبأ الذهاب إلى جلسة للحكومة لبحث سلاح “حزب الله” قبل الإعلان عن موعدها الثلثاء المقبل في قصر بعبدا، زلزالًا في الحزب ما زالت ارتداداته مستمرّة حتى الآن. وتطاير سؤال على كل المستويات في الحزب: كيف تجرّأ من تجرّأ في السلطة على مجرّد التفكير في طرح موضوع السلاح على بساط البحث؟ وزاد من حجم السؤال أنّ رئيس الجمهورية جوزاف عون شخصيًا انضمّ الخميس الماضي إلى المجاهرة بضرورة مراجعة أمر هذا السلاح، بعدما كان إلى أمد قريب مصنّفًا ضمن فريق أولوية الحوار على بند بت ملف السلاح. لكنّه أطلّ في خطاب اليرزة ليقول ما قاله وجعل من تابع الخطاب يقتنع أن الرئيس عون قد غادر عضوية فريق الحوار وقرّر الانتساب إلى فريق حان وقت بت مصير سلاح “حزب الله”.
تحرّكت منذ الخميس الماضي ولا تزال، حملة انطلقت من الضاحية الجنوبية لبيروت من أجل إعادة مدّ الجسور بين الضاحية وبعبدا. وترأس الحملة الرجل الثاني في الحزب بعد الأمين العام. ونتحدّث هنا عن رئيس كتلة “الوفاء للمقاومة” النائب محمد رعد الذي يعرف الرئيس عون جيدًا منذ أن كان الأخير قائد الجيش العماد جوزاف عون.
وسيكون محضر اللقاء الذي جمع في القصر الجمهوري مساء اليوم الذي شهد خطاب اليرزة، في ما لو نشر، كافيًا لسبر أغوار الرئيس عون والنائب رعد. لكن هذا المحضر الذي يسجل وقائع أملته واقعة جلسة مجلس الوزراء، لا يكفي وحده لتتبّع مسار العلاقات بين الضاحية وبعبدا التي شهدت تحوّلات لم تكن واردة في ذهن عون ورعد عندما قرّر الجانبان فتح مسار الحوار بينهما على خلفية الانتخابات الرئاسية التي كانت تشهد انسدادًا بسبب رفض وريث زعامة التيار العوني النائب جبران باسيل وصول قائد الجيش إلى قصر بعبدا مباشرة بعد عمّه الرئيس ميشال عون، وفي الوقت نفسه، كان يرفض باسيل خيار رئاسة النائب السابق سليمان فرنجية.
ما مضى قد مضى، وما هو آت آت. لكن رعد الذي يقود حملة إعادة مدّ الجسور بين الضاحية وبعبدا ما زال يحمل بطاقة تحمل توقيع الأمين العام لـ”حزب الله” السيد حسن نصرالله. ويحمل مثل هذه البطاقة أيضًا الأمين العام الحالي لـ “الحزب” الشيخ نعيم قاسم. ويجرّ الكلام عن بطاقتَي قاسم ورعد إلى الكلام عن عموم بطاقات الحزب التي ما زالت قيد العمل على كل المستويات. ويستطيع المرء أن يلاحظ أنّ أيًّا من مسؤولي الحزب الحاليين لم يطلّ بأيّة فكرة تمثل افتراقًا عن حقبة نصرالله التي انقضت جسديًا في أيلول الماضي، والتي ما زال مضمونها مستمرًا حرفيًا.
لا يتوقع أحد أن ينبري أحد الوزراء الشيعة الحاليين للكلام على ملف سلاح “حزب الله” كما يفعل أي من حاملي بطاقات الحزب الممهورة بتوقيع نصرالله. وسيكون من باب الظلم سؤال هؤلاء الوزراء عن رأيهم في سلاح الحزب وهم الذين يتقنون الإنكليزية التي حصّلوا بها كل علومهم التي وضعتهم في مصاف كل الذين سلكوا دروب الاختصاص من مختلف طوائف هذا البلد ومذاهبه. وعندما نستمع مثلًا إلى وزير المال ياسين جابر، وهو الأكثر تجربة في عالم الحكومات منذ أن قامت بينه وبين الرئيس الراحل رفيق الحريري في تسعينيات القرن الماضي صلات وثيقة، نجد أن الرجل صالح ليكون ممثلًا لكل طوائف لبنان وليس للطائفة الشيعية فحسب. وأعطى جابر نموذجًا للعاملين في القطاع العام لجهة السعي إلى دفع وطنهم في مسار النمو والانخراط في عالم المنافع المتبادلة مع محيط لبنان العربي والذي ليس له صلة لا من قريب ولا من بعيد بالعالم الفارسي الذي تمثله ايران حاليًا.
يغلب على وزراء حكومة الرئيس نواف سلام طابع الاختصاص الذي لم يشهد شراكة مع السياسة إلاّ عند عدد قليل من الوزراء كما تبيّن من وزراء حزب “القوات اللبنانية”. وعندما سيطرح في جلسة الحكومة الثلثاء المقبل مناقشة البند الأول على جدول الاعمال، سيتبيّن أنّ أحدًا من الوزراء عمومًا، والشيعة خصوصًا لن يقول “لا” لفكرة حصر السلاح بيد الدولة. كما لا يحتاج أي وزير شيعي أن يخرج من غرفة مجلس الوزراء ليجري اتصالًا بأحد لكي يرشده إلى ما يجب أن يتعامل على أساسه مع هذا البند.
لم يسبق لـ”حزب الله” أن فقد الاتصال بالقرار السياسي في لبنان كما يحصل الآن. وأتى تشكيل الحكومة بعد الانتخاب الرئاسي الذي أوصل العماد جوزاف عون إلى قصر بعبدا بداية العام الجاري ثم تكليف القاضي نواف سلام تأليف الحكومة ليضع خطًا فاصلًا بين زمنين: زمن تلاشي الدولة في حقبة الحرب الأهلية والوصاية السورية والانتداب الإيراني، أي على امتداد نصف قرن تقريبًا. وزمن عودة الدولة إلى الوجود بعد انهيار أعتى قوّة غير حكومية في الشرق الأوسط، هي قوّة “حزب الله” في الحرب الأخيرة.
عندما سيصدر مجلس الوزراء الثلثاء المقبل قرارًا سيكون أمام رئيس الجمهورية الذي سيترأس الجلسة ورقة حملها إليه النائب محمد رعد كتب عليها: “الرجاء مراجعة نصرالله”. قد يكون رعد قد أخطأ بالاسم فوضع نصرالله بدلًا من قاسم. لكن في كل الأحوال يتصرّف “حزب الله” على أساس أن أمينه العام السابق نصرالله لم يمت. وهنا تكمن معضلة الرئيس عون وتاليًا مجلس الوزراء مجتمعًا في كيفية مراجعة الراحل نصرالله الذي غادر الدنيا معتقدًا بقوّة أنّ سلاحه باقٍ أبدا!