
خاص- بالفيديو- خمسُ سنواتٍ مرّت… والخمسةُ أيامٍ لم تنتهِ!
في الرابع من آب ٢٠٢٠، تمام السادسة وسبع دقائق مساءً، انفجر قلب بيروت. لم يكن مجرد انفجار، بل كان زلزالاً أخلاقيًا وإنسانيًا ووطنياً، مزّق جسد المدينة وترك أبناءها معلّقين بين الركام والخذلان.
في اليوم التالي للجريمة، خرج رئيس الجمهورية السابق ميشال عون ليُطمئن الناس، فقال: “في غضون خمسة أيام سيصدر القرار الظني”. خمسُ كلمات رُميت كوعودٍ في الهواء، فتمسّك بها أهالي الضحايا كغريق يتشبّث بقشّة، ثم مرّت الأيام، وتحولت إلى أسابيع، فشهور، فسنوات… ولم يصدر القرار.
خمس سنوات مرّت، والخمسةُ أيام لم تنته. الزمن توقّف هناك، في اللحظة التي تهاوت فيها صوامع القمح، وانهارت شرفات البيوت، وتطاير الزجاج، وارتفعت الأرواح. توقّف عند وجوه الأطفال الذين لم يفهموا ماذا جرى، وعند أمّهات جلسنَ على الركام تبكي أبناءها، عند جثامين لم يُعثر عليها، وقلوب لم تهدأ.
ما زالت بيروت تعيش في اليوم السادس من الانتظار. العدالة لا تزال على الطريق، مكبّلة بالحسابات الطائفية، مدفونة تحت تواقيع القضاة والسياسيين، وعاجزة أمام حيطان الحصانات. لم يُحاسب أحد. لم يُسجن أحد. لا مسؤول استُدعي، ولا متّهم مَثُلَ أمام العدالة.
والدولة؟ قرّرت أن تنسى.
لكنّ الأهالي لا ينسون.
صور أحبّائهم لا تزال تُرفَع كل سنة. أصواتهم لا تزال تصرخ في وجه صمتٍ أقسى من الانفجار نفسه. كل سنة، في التاريخ ذاته، نسمع أسماءهم من جديد: ألكسندرا، رالف، جو، ميشال، سحر، عمران… ونشعر أن الدم لا يزال طريًا، وأن الأنين لا يزال في الهواء، لا يُسمع إلا لمن فقد.
ماذا نقول بعد خمس سنوات؟ أن بيروت عادت؟ لا.
أن العدالة اقتربت؟ لا.
أن الدولة تحرّكت؟ بالطبع لا.
نقول فقط إن الجرح لا يُشفى، أنّ الحزب الذي صادر قرار البلد وهدد القضاء وافتعل احداث الطيونة وحرب الإسناد المُدمّرة ما زال يتحكّم بأواصل البلد ومن نجا من مسؤوليه ما زال حرًا طليقًا يهدّد ويحرّك مناصريه بمسيرات تهدد السلم الأهلي، وإن الوطن الذي يسمح بقتل أهله ثم يتفرّج ليس وطنًا بل جريمة مستمرة.
بيروت اليوم مدينة تُخفي وجعها تحت طبقات من الحياة القسرية. الناس يتظاهرون أنهم تجاوزوا، يذهبون إلى أعمالهم، يكتبون على الحيطان، يضحكون في المقاهي… لكن الحقيقة في الداخل غير ذلك. في الداخل، لا أحد تجاوز. الجميع هناك، في تلك اللحظة، في تلك الصرخة، في ذلك الدم، في تلك الوعود الكاذبة.
خمسُ سنوات مرّت، والخمسة أيام لم تنته.
ولا يبدو أنها ستنتهي قريبًا.
إلّا إذا قرّر هذا البلد، أخيرًا، أن يكون بلدًا للناس، لا مقبرة للعدالة.
وفي الفيديو المرفق مشاهدٌ للحظات الانفجار الأولى، عسى ان يراها المسؤولون فتتحرك ضمائرهم.