
زيارة باريس بروتوكولية أم تنفيذية؟
إستقبل الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون الأسبوع الماضي، رئيس مجلس الوزراء اللبناني القاضي نواف سلام، وهي الزيارة الرسمية الأولى للأخير إلى فرنسا، بعد تولّيه منصبه منذ كانون الثاني 2025. فماذا كانت أولويات ونتائج اللقاءات في قصر الإليزيه؟
لا شك في أنّ فرنسا تقف تاريخياً إلى جانب لبنان، ولا تزال كذلك حتى تاريخه، من خلال الدعم العسكري، عبر وجودها في قوات «اليونيفيل»، والإقتصادي والمالي والنقدي، بعد تنظيم مؤتمرات باريس (1 و2 و3)، وأخيراً مؤتمر «سيدر». وأيضاً سياسياً، بعد ضغوط وجهود لإنتخاب رئيس جديد للجمهورية، وتسمية رئيس مجلس الوزراء وقيام حكومة جديدة.
في هذه الزيارة الأولى الرسمية لسلام إلى باريس، كانت أولوياتها تجديد مهمات القوات الدولية (اليونيفيل) مع بعض إعادة الهيكلة وملاحقة وتنفيذ القرار 1701، وأيضاً التركيز على الخروقات العسكرية الإسرائيلية اليومية، التي تطعن بسيادة وإستقلالية لبنان.
أمّا الأولوية الثانية، فكانت التركيز على الإصلاحات الإقتصادية والمالية المرجوّة، منذ سنوات وعقود. وقد ذكّر وشدّد الرئيس ماكرون على المؤتمر الإستثماري الأخير الذي لُقِّب بـ «سيدر» (CEDRE) ويعني «المؤتمر الإقتصادي للتنمية من خلال الإصلاحات ومع الشركات»، وقد كانت «خميرة» هذا المؤتمر، أنّ كل تمويل يجب أن يكون لمشاريع واضحة، بحسب دفاتر شروط دقيقة، ومع تدقيق ومراقبة داخلية وخارجية. لكن يا للأسف حتى هذه الساعة، لم يُقترح مشروع واحد بحسب المعايير والمتطلّبات في البلدان المانحة.
نذكّر بألم وأسف، بأنّه بعد قرار التعثُّر المالي في 7 آذار 2020، الذي كان إفلاساً مبطّناً للبنان، لا يُمكن إعادة تنظيم مؤتمرات تمويلية أو اللجوء إلى البلدان المانحة من دون مشروع صندوق النقد الدولي، وتنفيذ كل الإصلاحات المرجوّة مع التدقيق في كل المؤسسات ومداخيل الدولة.
وقد ذكّر وشدّد الرئيس ماكرون خلال إجتماعه بالرئيس سلام، على ألّا تمويل ولا مؤتمرات ولا إعادة إعمار، ولا بلدان مانحة، من دون تنفيذ كل الإصلاحات المالية والنقدية والإقتصادية من جهة، وأيضاً السياسية والأمنية من جهة أخرى.
وشدّد الوفد الفرنسي على أنّ على لبنان تنفيذ الإصلاحات المالية، وخصوصاً إعادة هيكلة المصارف، وقانون الفجوة المالية (Fiscal Gap Act)، قبل إجتماعات الخريف لصندوق النقد الدولي. فلا شك في أنّ المحبة والصداقة والدعم المعنوي كانت موجودة، لكن في الوقت عينه كانت هناك لهجة الإصرار والضغوط بألّا تمويل لسنت واحد من دون التنفيذ والملاحقة والتدقيق.
في المحصّلة، من الواضح أنّ فرنسا والأوروبيِّين لهم مهمّة الضغط وملاحقة الإصلاحات المالية والنقدية، أمّا الأميركيّون فلهم مهمّة أمنية وسياسية، تتعلق بالضغط لتسليم السلاح في أقرب وقت ممكن. فالغيوم عادت إلى آفاق لبنان، الذي يقف مجدّداً على مفترق طرق: إمّا يُنفِّذ كل المتطلّبات المالية والنقدية والأمنية المرجوّة، وإمّا أن يكون تحت سَيف ومخاطر الحروب وعدم الإستقرار والعقوبات، وعزله تماماً عن العالم.