
ما هو الـ Carnivore Diet!… أنظمة غذائيّة “عجيبة” من أين منبعها؟
في السنوات الأخيرة، بات من المألوف أن نسمع بين الفينة والاخرى عن نظام غذائي “ثوري” يعد بنتائج سريعة ومذهلة، سواء على صعيد فقدان الوزن أو حتى الوقاية من الأمراض المزمنة والمعقدة. من الكيتو إلى الصيام المتقطع، ومن النباتي الصارم إلى الكارنيفور.
أنظمة تتعدد وتختلف الى حد التناقض أحيانا، لكنها تشترك في شيء واحد: وعود كبيرة وضجة واسعة، وجمهور يبحث عن حلول سريعة ومؤثرة.
انطلاقا من كل ما تقدم، يبرز اليوم نظام الحمية اللحمية، أو النظام المعتمد كليا على المنتجات الحيوانية، كنموذج جديد نسبيا يلقى رواجا ملحوظاً، خصوصا بين أولئك الذين سئموا الأنظمة التقليدية، أو من يعانون من أمراض مزمنة فشل الطب الغذائي التقليدي في تخفيفها. يُروج له على أنه نظام “علاجي” في بعض الحالات، يُقال إنه يساعد في تقليل الالتهابات، وضبط السكر، وتحسين المناعة، بل هناك من يربطه بتحسن حالات السرطان أو الزهايمر، وإن كانت هذه الادعاءات لا تزال في دائرة البحث.
كيف ينظر خبراء التغذية والباحثون الذين يعتمدون على منهج علمي تجريبي إلى مثل هذه الأنظمة؟ هل هي فعلا ثورية ومغيّرة لقواعد اللعبة؟ أم أنها نسخ محدثة من صيحات غذائية سابقة يُعاد تغليفها بعناوين جذابة؟ وهل من المفيد فعلا أن نبقى على اطّلاع مستمر بمثل هذه البرامج؟ أم أن التنقل بينها قد يُربك الجسم أكثر مما يفيده؟
الواقع أن تطور الأبحاث في علوم التغذية والأيض، يجعل من الطبيعي ظهور اتجاهات غذائية جديدة، بعضها يستند إلى أدلة علمية، بينما يستغل الآخر فجوات البحث ليقدم نفسه كحل بديل. ما يجب التنبّه له، بحسب مختصين، هو التمييز بين الأساليب المبنية على دراسات طويلة المدى، وبين تلك التي تُبنى على تجارب فردية أو مشاهدات محدودة. فليس كل ما يُسوّق على أنه “صحي” هو بالضرورة مناسب للجميع، كما أن النجاح مع شخص لا يعني نجاحه مع الجميع.
في جميع الأحوال، إن مقاربة هذه الحميات ومنها “الكارنيفور”، بعيدا عن الحماس اللحظي والموضة، تتيح لنا فهما أعمق لأثرها الحقيقي، وإذا كانت تقدم فائدة فعلية على الصعيدين القريب والبعيد، أو أنها مجرّد محطات مؤقتة سرعان ما يتم تجاوزها عند ظهور نظام أحدث. المهم بحسب الخبراء، هو اتباع منهج تغذوي فردي ومدروس ومستدام، يخاطب احتياجات الجسم الفعلية، لا رغباته اللحظية.
خصائص حمية اللحم
على الصعيد الغذائي، توضح اختصاصية التغذية كاتيا قانصو لـ “الديار”، أن “نظام الكارنيفور الغذائي يقوم بشكل أساسي على الاستهلاك الحصري تقريبا للأطعمة الحيوانية، إذ يركّز على تناول اللحوم بجميع أنواعها، إلى جانب بعض المنتجات المشتقة منها، ومرق العظام ومشتقات الحليب منخفضة اللاكتوز كالأجبان الصلبة”.
وتقول: “تشمل قائمة الأطعمة المسموح بها في هذا النظام، اللحوم الحمراء كالبقر والغنم والماعز، وبعض المدارس تُجيز اللحوم البيضاء مثل الدجاج والديك الرومي، بينما تعارضها أخرى. كما تدرج الأسماك والمأكولات البحرية، والدهون الحيوانية كالسمن والدهن الحيواني (الشحم)، فضلا عن الكبد والأعضاء الداخلية. ويُسمح أيضا بـالبيض والماء والملح في اغلب التوجهات، وأحيانا كميات ضئيلة جدا من التوابل حسب المدرسة المتبعة، مع إمكانية تناول القهوة السوداء أو الشاي، تبعا للنهج الغذائي المحدد”.
وتشدد على أن “نظام الكارنيفور يمنع بشكل صارم تناول مجموعة واسعة من الأطعمة ذات المصدر النباتي. وتتضمن قائمة الممنوعات: الخضراوات والفواكه بجميع أنواعها، الحبوب، البقوليات، المكسرات، البذور، والزيوت النباتية. كما يُمنع استهلاك الحليب ومنتجاته، رغم أن بعض مدارس الكارنيفور تسمح باستثناءات محدودة، مثل الزبدة أو الأجبان كاملة الدسم. ويُحظر تماما تناول السكر والعسل والمحليات الصناعية أو الطبيعية، بهدف الحفاظ على نقاء النظام القائم على المنتجات الحيوانية فقط”.
نتائج ملموسة!
وتكشف قانصو أن “نظام الكارنيفور، رغم جدليته، قد ارتبط وفقا للتقارير والتجارب الفردية بعدد من المنافع الصحية المحتملة. من بين أبرز هذه الفوائد: تقليل الالتهابات المزمنة، وتحسين مشاكل الجهاز الهضمي مثل القولون العصبي والانتفاخ، إلى جانب تحسن في صحة الجلد لدى بعض المتبعين، بما في ذلك حالات حبّ الشباب والأكزيما، رغم غياب الأدلة العلمية الكافية لدعم هذه الادعاءات.
كما يُلاحظ عند كثيرين، تضيف الاختصاصية، فقدان وزن سريع، لا سيما في المراحل الأولى من اتباع النظام، بالإضافة إلى زيادة في الوضوح الذهني واستقرار مستويات الطاقة. وتشير بعض التجارب الشخصية أيضا إلى تحسّن في تنظيم سكر الدم ومقاومة الإنسولين، وحتى بعض أمراض المناعة الذاتية، وإن كانت هذه النتائج لا تزال بحاجة إلى المزيد من الدراسات العلمية لتأكيدها”.
عوارض صحية “فتّاكة”!
وتتحدث عن “التبعات السلبية التي قد ترافق اتباع نظام الكارنيفور، خاصة عند الالتزام به لفترات طويلة. من أبرز هذه المجازفات نقص بعض الفيتامينات والمعادن الأساسية، مثل فيتامين C والمغنيزيوم والألياف الغذائية، ما قد يؤدي إلى مشاكل صحية مثل الإمساك واضطرابات الهضم ، نتيجة لغياب الألياف من النظام الغذائي”. مشيرة الى “إمكانية ارتفاع مستويات الكوليسترول، لا سيما الـ LDL (الكوليسترول الضار)، رغم أن بعض الدراسات الحديثة لا تربط هذا الارتفاع بشكل مباشر بأمراض القلب”.
وتلفت إلى “أن هذا النظام قد لا يكون مناسبا لفئات معينة مثل النساء الحوامل أو المرضعات، وكذلك الأطفال، بسبب احتياجاتهم الغذائية المتنوعة. لذا، هناك صعوبة في الالتزام بهذا النظام على المدى الطويل نظرا لطبيعته المقيدة”، وتؤكد على “أن الدراسات العلمية طويلة الأمد لا تزال محدودة، ما يجعل تقييم تأثيراته البعيدة المدى غير محسوم بعد”.
فترة زمنية محددة!
وتبيّن قانصو أن “الكارنيفور يُستخدم أحيانا كخيار علاجي أو تجريبي في حالات محددة، لكنه ليس ملائماً للجميع”، وتشدد على “أهمية اتباعه تحت إشراف اختصاصي تغذية أو طبيب مختص، خصوصا عند اتباعه لفترة تتجاوز بضعة أسابيع. وتشمل الحالات التي قد يُنصح فيها بهذا النظام بشكل تجريبي أو علاجي: أمراض المناعة الذاتية، مشكلات الجهاز الهضمي المزمنة، مقاومة الإنسولين الحادة، مقدمات السكري أو النوع الثاني من السكري، إضافة إلى حالات السمنة أو زيادة الوزن التي لم تنجح معها الحميات التقليدية”. كما تشير إلى “إمكانية استخدامه في بعض الحالات النفسية الخاصة، ولكن بكثير من الحذر وتحت مراقبة طبية دقيقة”.
وتشدد على “وجود فئات لا يُنصح لها إطلاقا باعتماد هذا النظام الغذائي، سواء لأسباب صحية أو فسيولوجية. وتشمل هذه الفئات: الأطفال والمراهقين، النساء الحوامل والمرضعات، ومرضى الكلى المزمن، نظرا لما قد يسببه النظام من عبء على وظائف الكلى، أو نقص في المغذيات الأساسية. كما لا يُنصح به لمن يعانون من اضطرابات الأكل أو نقص في الحديد أو فيتامينات معينة، حيث قد يؤدي تقييد الأغذية النباتية إلى تفاقم هذه الحالات”.
وتؤكد أن “اتباع الكارنيفور لأكثر من 4 إلى 6 أسابيع، يجب أن يتم فقط تحت إشراف طبي أو تغذوي متخصص، لتجنّب أي مضاعفات محتملة أو تأثيرات سلبية مستقبلا”.
توصيات لا بد من الالتزام بها
وتنصح قانصوه في الختام الأشخاص الراغبين في تجربة نظام الكارنيفور، “بالتحضير المسبق لتفادي الأعراض الجانبية”. وتُوصي “بـالتحقق من الوضع الصحي العام، خصوصا وظائف الكلى قبل البدء في هذا النظام، نظرا لاعتماده الكامل تقريبا على البروتينات والدهون الحيوانية، الى جانب المتابعة مع اختصاصي تغذية أو طبيب طوال فترة الالتزام بالنظام، لضمان التوازن الغذائي وتجنّب النقص في العناصر الحيوية”.
وتشير إلى “أن البدء بـخفض الكربوهيدرات تدريجياً، قد يُسهم في تخفيف صدمة الجسم ويجعل الانتقال أسهل. ومن الضروري أيضا شرب كميات كافية من الماء، مع إضافة الإلكترولايتات الأساسية مثل الصوديوم والبوتاسيوم والمغنيزيوم، لتجنب ما يُعرف بـ “كارنيفور فلو” وهي أعراض شائعة تشمل التعب والدوخة والإمساك، قد تظهر في الأيام الأولى من اتباع النظام”.