خاص- فصل المسارين

خاص- فصل المسارين

الكاتب: نبيل موسى | المصدر: beirut24
7 آب 2025

لم يعد خافيًا على أحد، داخليًا وخارجيًا، أن الانقسام العامودي في لبنان بلغ حد الاستعصاء، بعدما بات الفريقان المتخاصمان يسيران على خطين متوازيين لا يمكن أن يلتقيا. وبالرغم من أن هذا الانقسام ليس طائفيًا أو مذهبيًا على غير عادة الانقسامات السابقة في لبنان، إلا أنه يبدو أشد خطرًا على البلاد نظرًا لارتباطه الوثيق بالوضع الإقليمي المتفجّر في منطقة تشهد تغيرات دراميتيكية، وصولًا الى رسم خرائط جديدة انطلاقًا من رؤية كل دولة أو مجموعة دينية أو عرقية الى مفهوم السلام الشامل في الإقليم.

هذا الانقسام الذي يقلل البعض من خطورته على المستوى الداخلي لأنه على خلفية سياسية وليست طائفية، يشكل بالفعل خطرًا وجوديًا داهمًا على لبنان، بسبب ارتباط أحد الطرفين، أي “حزب الله”، ارتباطًا عضويًا بالجمهورية الإسلامية في إيران التي تمده بالمال والسلاح وكل أشكال الدعم، لأنه كان يشكل قبل هزيمته في “حرب الإسناد”، رأس الحربة في المشروع التوسعي الإيراني في المنطقة العربية على حساب المذاهب الأخرى غير الشيعية والهوية العربية المعرّضة للتآكل منذ ما بعد انتهاء الحرب العراقية الإيرانية في 20 آب عام 1988.

الانقسام في لبنان بات واضحًا بما لم يعد يدع مجالًا لحملات التضليل بأن تفعل فعلها على المستويين الداخلي والخارجي: فريق سيادي لبناني يتقدمه العهد وأغلبية حكومته مدعومًا من أكثر من مئة نائب في البرلمان (وفق الجلسة ما قبل الأخيرة)، ومن أغلبية الشعب اللبناني بجميع طوائفه وأحزابه ومكوّناته، مطلبه الوحيد قيام دولة سيدة حرة مستقلة تؤمّن العدالة والمساواة بين مواطنيها بعد ان تبسط سيادتها على كامل ترابها، مدعومة بثقة مواطنيها وبالدول الشقيقة والصديقة للتوصل الى حل دائم مع إسرائيل انطلاقًا من اتفاقية الهدنة وصولًا الى اتفاقية سلام ضمن مشروع عربي متكامل.

على الضفة الأخرى يقف “حزب الله” مع ما تبقى من سلاحه وحيدًا بلا حليف داخلي أو خارجي، محاولًا أخذ الطائفة الشيعية كرهينة في المفاوضات على مستقبله ،من خلال هيمنته على قرار “حركة امل” المغلوبة على أمرها والمحتارة بين إحداث انقسام داخلي والمضي مع الحزب في رحلة الانتحار الجماعية. كما ان الحزب المتروك إلا من إيران ما زال يحاول أخذ لبنان كله رهينة للتضحية به مجددًا على مذبح المصالح الإيرانية التي بلغت حدها الأدنى بعد انهيار محور الممانعة الذي مني بهزيمة نهائية في حربه مع إسرائيل والتي لن تنتهي إلا باستسلام إيراني كامل حربًا أو سلمًا.

إزاء هذا الانقسام غير المسبوق، حاول رئيس الجمهورية العماد جوزيف عون، بمساعدة ضمنية من رئيس مجلس النواب نبيه بري، على مدى سبعة أشهر من المفاوضات السرية المتواصلة، إنقاذ “حزب الله” من نفسه وتحريره من تبعيته لإيران عبر إدخاله في مشروع الدولة من البوابة الرئيسية كحزب سياسي كبير له قاعدته الشعبية ومؤسساته التربوية والاجتماعية، على أن يلتزم الحزب بشرط واحد يشكل مطلبًا لأغلبية الشعب اللبناني وكل دول العالم باستثناء ايران: حصرية السلاح بيد الدولة اللبنانية وحدها.

حاول الحزب، جريًا على عادته، المماطلة كسبًا للوقت على أمل أن تتغير الظروف لمصلحته، إلا أن ذلك لم يحدث، بل حصل عكسه تمامًا عبر تكثيف الضربات الإسرائيلية من جهة وزيادة الضغوط الخارجية عليه عبر الحكومة اللبنانية من جهة ثانية. وبعدما اقتنعت رئاسة الجمهورية بأن “حزب الله” لا يريد الا المماطلة وإضاعة الوقت، خاصة انه اكد اكثر من مرة بلسان أمينه العام الشيخ نعيم قاسم انه لن يسلم سلاحه، أحالت الأمر الى الحكومة التي أصدرت قرارها التاريخي الثلاثاء الماضي بحصر السلاح بيد الدولة قبل نهاية العام الحالي، وهو ما استدعى ردا عالي النبرة من الحزب، واصفا القرار بـ”الخطيئة الكبرى”ومؤكدا انه سيتعامل مع القرار كأنه غير موجود. كما سارعت ايران، بوقاحة غير مسبوقة، الى دعم موقف “حزب الله” مؤكدة بلسان وزير خارجيتها عباس عراقجي ان الحزب أعاد تنظيم صفوفه وقواته عادت الى الميدان وأن نزع سلاحه مصيره الفشل.

نظريًا، لا يعني قرار الحكومة شيئًا اذا لم يتم تنفيذه. ولكن، عمليًا، يعني القرار الكثير بحيث أصبح “حزب الله” خارجًا عن الشرعية ومجرد ميليشيا مسلحة خارجة عن القانون بالنسبة للسلطة اللبنانية. إلا أن الأهم أن القرار نجح في فصل المسارين بين السلطة اللبنانية و”حزب الله” على المستوى الدولي بعدما كانت الولايات المتحدة المدعومة عربيًا في مفاوضاتها مع لبنان تتعامل مع الحكومة اللبنانية و”حزب الله” على انهما طرف واحد في المفاوضات وبالتالي في المصير المتوقع للبنان، وهو ما لم يعد ممكنًا بعد قرار الثلاثاء الكبير.

لقد حاول الرئيس عون بكل ما أوتي من عزم وإرادة وحسن نية إنقاذ “حزب الله” من نفسه ومساعدته للنزول عن الشجرة التي تسلقها سواء بإرادته أو بأمر من طهران، إلا أن المحاولة فشلت، وهو ما كان متوقعًا. وبعدما بلغت الأمور حد الخطر الكبير على البلاد قرر رئيس الجمهورية كلها، المؤتمن على سلامة ومستقبل كل مكونات الوطن، إنقاذ من يريدون إنقاذ أنفسهم بدعم مشروع بناء الدولة، على أن يتحمل الآخرون وداعموهم الإيرانيون مسؤولية مواقفهم وأفعالهم. لقد تم بالفعل فصل المسارين، ونجحت الحكومة في إنقاذ ما يمكن إنقاذه.