بالأرقام.. باب الفرص مفتوح تجارياً بين بيروت وواشنطن

بالأرقام.. باب الفرص مفتوح تجارياً بين بيروت وواشنطن

الكاتب: بلقيس عبد الرضا | المصدر: المدن
9 آب 2025

على رغم أن أول قرار أصدره الرئيس الأميركي دونالد ترامب، ويقضي بفرض رسوم جمركية على عشرات الدول، سيطال الصادرات اللبنانية إلى الولايات المتحدة بنسبة 10 في المئة، غير أن قراره التنفيذي الجديد لم يورد اسم لبنان في لائحة الدول المشمولة بالرسوم. ومن هنا، تدل المؤشرات الاقتصادية إلى أن التأثير المباشر على لبنان سيكون ضعيفاً، نظراً إلى صغر حجم صادراته إلى السوق الأميركية ولكون معظمها من السلع الفاخرة. أما التأثير غير المباشر فقد يظهر فقط إذا قاد هذا التشدد التجاري إلى ركود اقتصادي عالمي.

صحيح أن هذه الخطوة تعد جزءاً من توجه أميركي أكثر تشدداً إلى إعادة ضبط ميزان التجارة الدولية لمصلحة واشنطن، غير أنها تثير تساؤلات عديدة ومخاوف حول مدى تأثير هذه الرسوم على اقتصادات الدول، ومنها لبنان، خصوصاً في ظل الأزمة الاقتصادية والمالية العميقة التي يمر بها البلد. فما هو حجم التبادل التجاري فعلياً بين لبنان والولايات المتحدة الأميركية؟

حجم مقبول ولكن…

على الرغم من بُعد المسافة بين بيروت ونيويورك (نحو 9000 كلم)، إلا أن البضائع اللبنانية وتحديداً المجوهرات والأسمدة وبعض المنتجات الغذائية تخطت هذا البُعد، ووصلت إلى الأسواق الأميركية، بحسب ما تظهره بيانات الجمارك في لبنان، إذ ارتفع حجم تصدير السلع خلال السنوات الماضية بنحو 84 مليون دولار، وتحديداً ما بين 2020 و2024.

وفيما تشير بيانات مرصد التعقيد الاقتصادي The Observatory of Economic Complexity (يختصر بـ OEC وهو موقع يعرض بيانات التجارة الدولية أنشأته مجموعة Macro Connections في معمل الإعلام التابع لمعهد ماساتشوستس للتكنولوجيا الأميركية) إلى أن قيمة الصادرات اللبنانية إلى الولايات المتحدة بلغت في كانون الثاني 2025، نحو 14.1 مليون دولار، فيما استورد  لبنان نحو 33.9 مليون دولار، ما أدى إلى عجز في الميزان التجاري قدره 19.8 مليون دولار. 

وبين كانون الثاني 2024 والشهر عينه في العام 2025، انخفضت صادرات لبنان إلى الولايات المتحدة بمقدار 15.9 مليون دولار (52.9 في المئة)، من 30 مليون دولار أمريكي إلى 14.1 مليون دولار. ووفق البيانات، صدّر لبنان المنتجات الغذائية وفي مقدمتها زيت الزيتون النقي بنحو 1.76 مليون دولار، والمجوهرات بنحو 1.58 مليون دولار والفواكه والمكسرات المصنعة الأخرى 1.27 مليون دولار، إضافة إلى بعض الصناعات الغذائية وسلع مختلفة.

المجوهرات في الصدارة

ووفق البيانات، تأتي المجوهرات في قمة السلع اللبنانية المصدرة الى الولايات المتحدة. ففي العام 2023، وصلت قيمة تصدير المجوهرات إلى 75.1 مليون دولار، بينما بلغت في  العام 2022 نحو 79.8 مليون دولار، وفي العام 2021 وصلت الى 53 مليون دولار.

وتشير هذه الأرقام  إلى أن نسبة الضرائب التي تم فرضها على الجانب اللبناني، قد لا تكون ذات تأثير ملحوظ على قيمة السلع المصدرة، والتي تعتبر أصلاً من السلع الفاخرة إلى حد كبير، ويمكنها مواجهة هذه الرسوم، وهو ما أعاد تأكيده وزير الاقتصاد والتجارة عامر البساط. ويرى البساط بأن التأثير المباشر على لبنان سيكون ضعيفاً، مشيرًا إلى أن الأثر غير المباشر قد يظهر في حال حدوث ركود اقتصادي عالمي، فيما لفت إلى أن الولايات المتحدة تعاملت مع لبنان بشكل أفضل بالمقارنة مع دول أخرى.

وعلى رغم ذلك، ليس مستبعداً أن يكون هناك بعض التأثيرات على تصدير بعض السلع من المؤسسات الصغيرة والمتوسطة، لأن ذلك سيضغط على قدرتها العملية، وقد يجبرها على تقليص الإنتاج.

أضف إلى ذلك أن بعض المنتجين اللبنانيين، وتحديداً صغارهم، قد يتكبدون خسائر بسبب ارتفاع الأسعار، ما قد يزيد من الأعباء المالية عليهم، في ظل الظروف الاقتصادية الحالية. وعلى رغم غياب أي أرقام أو إحصاءات، بشأن أليات تصدير السلع، من جانب المنتجين الصغار، فإن العديد من صفحات التواصل الاجتماعي تشير إلى وجود خط إنتاجي مباشر لتصدير السلع إلى الولايات المتحدة، ولاسيما الصناعات الغذائية التقليدية والمنتجات الحرفية.

ميزة يمكن استغلالها؟

وفيما يتركز العديد من التحليلات على تأثيرات فرض الرسوم وانعكاساتها على التجارة الدولية، يرى نائب رئيس جمعية الصناعيين زياد بكداش أن التأثير على الصادرات اللبنانية إلى الولايات المتحدة لن يكون مسألة تثير المخاوف، ذلك أن حجمها محدود نوعاً ما، بسبب غياب أي خطة صناعية واضحة من جانب القيمين على إدارة ملف الصناعة، ما يعوق فتح أسواق جديدة للمنتجات اللبنانية. 

وعلى رغم ذلك، يقول بكداش لـ”المدن”: يمكن أن تكون الرسوم فرصة للبنان. فعلى العكس من التفكير في حجم الخسائر، يمكن للبنان أن يلعب دوراً أوسع في زيادة قدراته الصناعية، واستغلال هذه الميزة (10 في المئة) التي فرضت بدلاً من 34 و35 في المئة على دول أخرى عربية ذات اقتصادات مشابهة مثل تونس وغيرها، وبالتالي، الاستفادة من زيادة حجم الصادرات، وتنويعها. ولا يخفي بكداش أن الصناعة اللبنانية قادرة على المنافسة في حال توافُر البنى التحتية ودعم السلطات.

تطور لافت 

من خلال مراقبة حجم الاستيراد والتصدير بين الولايات المتحدة ولبنان، يلاحظ بأن حجم تصدير السلع ارتفع بعد الأزمة الاقتصادية في مقابل تراجع حجم الاستيراد من الولايات المتحدة، وبالتالي تقلّص مستوى العجز التجاري. وبعدما كان لبنان يصدر بقيمة 98 مليون دولار في العام 2020، ارتفعت القيمة إلى 129 مليوناً في 2021، ومن ثم إلى 121 مليوناً في 2023، و153 مليوناً في العام 2024، وهو ما يعني أن انفتاح الأسواق اللبنانية على الولايات المتحدة ولو بنسب ضئيلة مقارنة مع دول أخرى. وبالتالي، مع فرض الرسوم، من غير المرجح أن تنخفض القيمة إلى مستويات كبيرة. 

أما حجم الاستيراد من الولايات المتحدة فقد تراجع تدريجاً من 936 مليون دولار في العام 2020 إلى 569 مليون دولار في العام 2024، ما يعني تقلص حجم العجز التجاري مع الولايات المتحدة من 838 مليون دولار في العام 2020 إلى 416 مليون دولار في العام 2024، أي بنحو 50 في المئة. 

لكن المشكلة تكمن في معرفة مدى رغبة الرئيس دونالد ترامب في مواصلة فرض الضرائب والرسوم، وفي إمكان توسع الخطوات لتشمل المواد الأولية أو صناعات معينة، ما قد يكون له تأثير على الإنتاج اللبناني.