
هل تستطيع إيران دعم “تمرد” الحزب على السلطة اللبنانية؟!
يشكل سلاح “حزب الله” جزءاً لا يتجزأ من الترسانة الإيرانية، وطالما تحكمت به واستخدمته في مشاريعها في المنطقة، وهي، بطبيعة الحال، في ظل تراكم خسائرها الاستراتيجية، تحرص عليه. وبهذا المعنى، يتعاطى كثيرون مع “حزب الله” على قاعدة أنّه، في وضعيته الراهنة، ليس أكثر من “حارس” للسلاح الإيراني في “بلاد الشام”.
ويواجه هذا السلاح، في ظل القرارات التاريخية التي تأخذها الحكومة اللبنانية القاضية بنزعه قبل نهاية العام الحالي، تحديات كبيرة، قد تستدعي من “حزب الله”، في حال وجد الدعم الكافي، تفعيل مقولة أمينه العام التاريخي الراحل حسن نصر الله، في تبرير هجومه على الحكومة اللبنانية وأركانها في السابع من أيار 2008: الدفاع عن السلاح بالسلاح!
ودخلت الجمهورية الإسلامية في إيران على خط دعم “المقاومة الإسلامية في لبنان”، وحاولت أن ترسم حولها خطاً أحمر، وفعّلت وسائطها الإعلامية والديبلوماسية، علّها تنجح في تفويت الفرصة على الحكومة اللبنانية المدعومة من الغرب والعرب، ولكن هل تنجح طهران في ذلك؟
المؤكد أنّ المساعي الإيرانية لحشد دعم ديبلوماسي لـ”حزب الله” لن تنجح، إذ لا توجد دولة مؤثرة واحدة في العالم، يمكن أن تقف مع سلاح “حزب الله” أو تتهاون بشأنه، على اعتبار أنّ هذا الموقف يجب أن يترافق مع توافر جملة قدرات لا بد منها، ومن بينها: إقناع إسرائيل بالتراجع عن المخططات المرسومة للبنان في حال لم يتم نزع سلاح “حزب الله”، وتوفير ميزانيات ضخمة ليس لإعادة الإعمار فحسب، بل لتوفير الظروف الآيلة إلى إنقاذ الاقتصاد اللبناني من الكوارث البنيوية التي يعاني منها، أيضاً.
وهذه القدرات لا بد منها، لأنّه في حال التلكؤ عن تنفيذ قرار نزع سلاح “حزب الله”، فإن الدول الساعية إلى ذلك، لن تكتفي بترك لبنان يحل مشاكله مع إسرائيل وحده، بل سوف تفرض عليه عقوبات مؤذية!
وهذا يعني أنّ إيران، عليها أن توفر لـ”حزب الله” دعماً ديبلوماسياً، من جهة أولى، ودعماً مالياً، من جهة ثانية، ودعماً تسليحياً، من جهة ثالثة، ودعماً عسكرياً، من جهة رابعة.
وإيران التي كانت قادرة على ذلك في زمن سابق عاجزة عنه في الزمن الحالي، فهي تعاني من شح مالي، كما تواجه حصاراً محكماً يعرقل حركة تهريب الأموال، وبالتالي هي بالكاد تستطيع أن تمرر لـ”حزب الله” الأموال التشغيلية. وعلى مستوى الدعم التسليحي والعسكري، خسرت إيران مواقعها الاستراتيجية في المنطقة، إذ كانت تستعمل سوريا جسراً، ومخزناً، ومصنعاً وملجأ. حالياً، انتقلت سوريا إلى موقع استراتيجي جديد يناصب إيران عموماً و”فيلق القدس” خصوصاً العداء، كما أنّ القيادة السورية الجديدة تنظر بسلبية مطلقة إلى أي دور يمكن أن يلعبه “حزب الله” في داخل سوريا كما على حدودها.
وأقفلت السلطة اللبنانية مدعومة من أكثر من دولة الطرق البحرية والجوية بين بيروت وطهران، حتى بات الطيران المدني الإيراني عاجزاً عن الوصول إلى مطار رفيق الحريري الدولي، في حين أن الطائرات المدنية المقبلة من دول “صديقة” لإيران باتت تخضع لأنواع متشددة من الرقابة.
وهذا يعني أنّ “حزب الله” في حال هرب من القرار الحكومي اللبناني إلى الأمام، سواء عبر فتح مواجهات داخلية أو عبر فتح مواجهات حدودية، سيجد نفسه في موقع المحاصر، في حين ستحظى القوى التي قد يواجهها، بدعم مفتوح من الدول التي تضمن حالياً الورقة الأميركية الهادفة إلى نزع سلاح “حزب الله” وإنهاء أسباب النزاع اللبناني- الإسرائيلي.
ولن تستطيع إيران، والحالة هذه، من تقديم أي دعم لـ”حزب الله”، بل ستكون في وضعية الأب الذي يضحي بابنه من أجل أن يتلهّى على طاولة القمار!
من دون شك، كان “حزب الله”، لو أنّه يمتلك القوة السابقة ويعيش في ظروف جيو- سياسية مؤاتية، يرغب في تفعيل مبدأ: الدفاع عن السلاح بالسلاح.
هذا المبدأ فعّله نصر الله في 7 أيار 2008 ضد الحكومة اللبنانية وأركانها، بسبب اتخاذ قرارات تعتبر سخيفة بالمقارنة مع القرارات الحالية للحكومة الراهنة، ولكنّ “حزب الله” حالياً يكتفي بالتلويح من دون الإقدام، لأنّ ما كان صالحاً آنذاك أصبح حالياً منعدم الوجود، بفعل انهياره والجبهة التي ينتمي إليها وتقودها إيران أمام إسرائيل!