
“مدارس الصيف الخاصة… وجه آخر للطبقية في التعليم”
في مجتمعاتٍ يزداد فيها التفاوت الطبقي عامًا بعد عام، باتت العطلة الصيفية فرصة جديدة لتعميق الفوارق بين الأطفال، لا لتقليصها. فبينما كان يُنظر إلى فصل الصيف كمساحة للراحة والاستجمام واللعب الحر، تحوّل في بعض البيئات إلى موسمٍ تربويّ موازٍ، تُفرَز فيه العائلات حسب القدرة المادية، وتُقسَّم فيه الطفولة إلى درجات.
لم تعُد المدارس الصيفية مجرّد نشاطات ترفيهية بسيطة، بل أصبحت مؤسسات كاملة ببرامج دولية، ولغات، وورش عمل فنية، وتقنيات رقمية، وجولات خارجية، وتدريبات رياضية تخصصية. كل ذلك بسعرٍ قد يتجاوز دخل عائلة متوسطة لشهرٍ أو أكثر. وفي المقابل، يجد كثير من الأهل أنفسهم عاجزين عن توفير أبسط الأنشطة لأولادهم، فيُتركون للفراغ أو للشارع أو للإلكترونيات، من دون رافعة تربوية أو بيئية بديلة.
اللافت أن هذه المدارس الصيفية لا تُسوّق نفسها كخيارٍ تعليمي، بل كمساحة “لبناء شخصية الطفل” و”تطوير مهاراته القيادية” و”تعزيز ثقته بنفسه”. لكن ما يُبنى فعلًا هو طبقة من الأطفال يُمنَحون فرصًا ذهبية، فيما تُغلق الأبواب بوجه آخرين بسبب فواتير آبائهم. فبدل أن تسعى المجتمعات لتأمين صيف متكافئ، بات الصيف ذاته مشهدًا من مشاهد الانقسام الصارخ.
في بلدٍ مثل لبنان، مثلًا، يضطرّ بعض الأهالي للاقتراض أو تقسيط تكاليف هذه البرامج، كي لا يشعر أبناؤهم “بالنقص” أمام رفاقهم. فيما تختار عائلات أخرى العزلة أو تبرير الغياب، متجنّبة نظرات الشفقة أو المقارنات المؤلمة.
من المؤلم أن تتحوّل التربية إلى امتياز، واللعب إلى سلعة، والفرح إلى رفاهية. فحين يصبح التمايز في الصّيف بين من “يلعب ويتعلّم” ومن “ينتظر مرور الوقت”، نحن لا نربّي جيلًا بل نُكرّس واقعًا تربويًا منقسمًا، تتراكم فيه الفوارق من الطفولة، ويصعب ترميمها لاحقًا.
هل ما زال ممكنًا أن نحلم بصيفٍ مجانيّ، مشترك، تنفتح فيه أبواب النوادي العامة والمراكز البلدية والحدائق لكلّ الأطفال؟
أم أن التعليم نفسه، حتى خارج المدرسة، قد استُبيح لقوانين السوق والربح؟
في الإجابة، ترقد صورة الطفولة التي نريدها لمجتمعاتنا.