تفاصيل أضخم عملية استخباراتية إسرائيلية داخل إيران

تفاصيل أضخم عملية استخباراتية إسرائيلية داخل إيران

المصدر: اندبندنت عربية
11 آب 2025

أكد تقرير أعده 10 مسؤولين استخباراتيين إسرائيليين سابقين وحاليين أن نواة القوات المتسللة تكونت من إيرانيين إلى جانب مواطنين من دول مجاورة. وتم تجنيد هؤلاء الأفراد من بين الإيرانيين العرب (الأحوازيين) والأكراد والبلوش والأذريين، إضافة إلى مجموعات عرقية أخرى.

نشر الكاتبان الإسرائيليان البارزان في شؤون الاستخبارات والأمن، يوسي ميلمان ودان رافيف، تقريراً موسعاً تناول دور الأجهزة الأمنية الإسرائيلية في تجنيد عدد من المسؤولين والشخصيات الناقمة داخل إيران لتنفيذ عمليات ضد النظام الإيراني.

ويكشف التقرير، ولأول مرة، بعض تفاصيل توظيف هؤلاء من قبل جهاز “الموساد” خلال الحرب التي استمرت 12 يوماً بين إسرائيل وإيران. وتشير التفاصيل إلى أنه في الوقت الذي كانت أنظار العالم مركزة على الهجمات الإسرائيلية على غزة وتبعاتها الإنسانية، كان “الموساد ” ينفذ عملية معقدة وغير مسبوقة داخل العمق الإيراني، استهدفت بالأساس تدمير البنية التحتية النووية للنظام الإيراني. وقد شاركت في العملية عناصر اختراق مدربة، مدعومة بإسناد جوي، في واحدة من أجرأ العمليات الاستخباراتية والعسكرية خلال العقود الأخيرة.

ووفقاً للمعلومات التي أوردتها مصادر استخباراتية إسرائيلية، حملت العملية الاسم الرمزي “طلوع الأسود”، وجاءت نتيجة سنوات من التخطيط، واستقطاب عناصر من داخل إيران وخارجها، وتوظيف تقنيات متطورة، والاستفادة من شبكات تهريب إقليمية.

بداية القصة: الهجوم المنسق فجر 13 يونيو الماضي

في الساعات الأولى من 13 يونيو (حزيران) الماضي، تمركز فريق يضم 70 عنصراً من الكوماندوس المدربين على يد “الموساد”، بينهم إيرانيون يعرفون بأحرفهم الأولى مثل (س.ت)، في مناطق متفرقة داخل إيران، بينها محيط طهران وأصفهان وسمنان. كان الهدف تدمير منظومات الدفاع الجوي ومنصات إطلاق الصواريخ الباليستية ومراكز القيادة العسكرية الإيرانية.

بدأ الهجوم عند الساعة الثالثة فجراً باستخدام الطائرات المسيرة والصواريخ الدقيقة التوجيه، حيث نفذ عملاء “الموساد” داخل إيران الهجمات مستفيدين من معلومات دقيقة ومعدات متطورة.

وفي اليوم التالي، نفذت موجة ثانية من الهجمات بمشاركة عملاء محليين وقوات جديدة قادمة من دول مجاورة. ويبدو أن “الموساد” خطط لهذه العملية لأكثر من عام، إذ صمم هيكل الهجمات تكتيكياً بشكل مشابه لهجمات “الموساد” على “حزب الله” في عام 2023.

 من نفذ هذه الهجمات؟

أكد تقرير أعده 10 مسؤولين استخباراتيين إسرائيليين سابقين وحاليين أن نواة القوات المتسللة تكونت من إيرانيين إلى جانب مواطنين من دول مجاورة. وتم تجنيد هؤلاء من بين الإيرانيين العرب (الأحوازيين) والأكراد والبلوش والآذريين، إضافة إلى مجموعات عرقية أخرى، وفقاً للتقرير.

وأوضح التقرير أن هؤلاء كانوا يمتلكون الدافع للتعاون مع “الموساد” نتيجة القمع الواسع الذي يمارسه النظام الإيراني.

وبحسب مسؤولي “الموساد”، كان استقطاب هؤلاء الأفراد يبدأ بطلب بسيط: تنفيذ مهمة غير خطرة، وإذا كانت النتيجة إيجابية، تكلفهم مهام أكثر حساسية. أما في حال الرفض، فكانت تستخدم أدوات ضغط تشمل التهديد والضغط العائلي والابتزاز.

ومن أكثر طرق الاستقطاب شيوعاً وعود العلاج لأفراد العائلة أو إتاحة فرصة الدراسة في جامعات غربية. كما شكل “الموساد” فريقاً من الأطباء لإجراء عمليات جراحية لأسر المتطوعين في دول ثالثة، مع تغطية التكاليف بسرية تامة.

قيادة العمليات: من تل أبيب إلى قلب إيران

تم التخطيط للهجوم وتنفيذه بسرية تامة عبر شبكة اتصال آمنة، مقرها الرئيس في شمال تل أبيب وبعض القواعد الحدودية. كان لكل فريق تعليمات اختراق محددة، وتم تعيين أسماء رمزية مستوحاة من نغمات موسيقية لتعريف الفرق ومهامها. بعض الأفراد عاشوا في إيران لفترات طويلة وكانوا جاهزين للعمليات، بينما دخل آخرون إيران قبيل الهجوم عبر تركيا أو أذربيجان أو أرمينيا.

وفي هذا السياق، برز الدور الحيوي لعناصر شبكة البنية التحتية أو دعم العمليات التابعة لـ”الموساد” داخل إيران، وهم عملاء قاموا بتخزين وإخفاء المعدات العسكرية لفترات طويلة في بيوت آمنة.

فوردو: هدف لا يدمر بالقنابل التقليدية

كان الهدف الأهم في العملية منشآت تخصيب اليورانيوم في فوردو، الواقعة داخل جبل وعلى عمق 90 متراً تحت الأرض. لم تكن هناك خطة عملية سابقة لتدمير هذا الموقع، إذ إن القاذفة الأميركية الوحيدة القادرة على حمل قنبلة “جي بي يو-57” (المعروفة باسم بانكر باستر) هي التي يمكنها تدمير المنشأة.

وكان المخطط الأولي لبعض الجنرالات الإسرائيليين يتضمن إرسال فريق كوماندوس للتسلل سراً إلى فوردو، وتفجير أجهزة الطرد المركزي، والاستيلاء على اليورانيوم المخصب، ثم الهروب من إيران. لكن رئيس “الموساد” الحالي ديفيد بارنيا، رأى أن المخطط محفوف بالأخطار، بخاصة في ظل التأثير النفسي العميق الذي تعرض له الإسرائيليون بعد حادثة احتجاز الرهائن في السابع من أكتوبر (تشرين الأول) على يد حركة “حماس”.

وبدلاً من ذلك، راهنت إسرائيل على تعاون محتمل مع إدارة ترمب بعد فوزه في انتخابات نوفمبر (تشرين الثاني) 2024، إذ كان الرئيس الأميركي قد أعلن مراراً أنه لن يسمح لإيران بالحصول على السلاح النووي في حكومته الجديدة.

 كيف اقتربت إسرائيل من هدفها؟

يذكر التقرير أن إسرائيل وسعت قبل الهجوم عمليات الاستطلاع والتسلل بالتعاون مع مهربي المنطقة. استفاد “الموساد” من شبكات تهريب واسعة تشمل الوقود والأدوية والأجهزة الإلكترونية والأسلحة عبر سبع دول مجاورة لإيران. كما قامت فرق من عملاء “الموساد” في الهند وتايلاند وأرمينيا وأذربيجان بتدريب عناصر التسلل، وبعضهم تدرب داخل الأراضي الإسرائيلية باستخدام نماذج محاكاة لأهداف إيرانية.

في يوم الهجوم، دمرت القوات الجوية الإسرائيلية بالكامل أنظمة الدفاع الجوي المعروفة، التي كانت تحيط في معظمها بطهران. واستهدفت في الساعات الأولى منصة إطلاق صواريخ باليستية إيرانية، مما أعاق رد الفعل السريع للحرس الثوري الإيراني، خشية تعرض منصات الإطلاق الأخرى للخطر.

لاحقاً، أطلقت القوات الجوية الإسرائيلية صواريخ على غرف نوم 11 عالماً نووياً في إيران، مما أدى إلى مقتلهم جميعاً، بعد أن أعد عملاء “الموساد” معلومات هذه العملية بدقة عالية.

رد إيران والتداعيات السياسية

بعد تأخير دام عدة أيام، ردت إيران بموجة صاروخية، تمكنت أنظمة الدفاع الإسرائيلية من اعتراض معظم الصواريخ، لكن بعضها أصاب أهدافه وتسبب في أضرار ملموسة. أسفرت هذه الهجمات عن مقتل 30 مدنياً إسرائيلياً، وتقدر تكلفة إعادة إعمار المواقع المتضررة بأكثر من 12 مليار دولار.

في نهاية المطاف، زعم ترمب أن الضربات على منشآت فوردو ونطنز وأصفهان أفشلت تماماً البرنامج النووي الإيراني، إلا أن المحللين الإسرائيليين والأميركيين عبروا عن موقف أكثر حذراً.

وقال رئيس الاستخبارات العسكرية الإسرائيلي السابق الجنرال تيمير هيمان، إن “إيران لم تعد على وشك الوصول إلى القنبلة النووية، لكن إذا قرر المرشد الإيراني استئناف البرنامج، ففي أفضل الأحوال قد تعود إيران إلى ما كانت عليه في غضون عام أو عامين”.

 وحذر من أن الهجوم قد يكون له أثر عكسي، يزيد من تصميم إيران على الحصول على السلاح النووي، ليس لشن هجوم، بل كوسيلة ردع ضد تكرار مثل هذه الضربات من جانب إسرائيل.