تفاصيل “خطة” مصرف لبنان لاستعادة الودائع

تفاصيل “خطة” مصرف لبنان لاستعادة الودائع

الكاتب: عماد الشدياق | المصدر: نداء الوطن
11 آب 2025

محاولة جديدة لحلّ أزمة الودائع “تُطبخ” على نار هادئة في مطبخ مصرف لبنان. الشيف الذي يتأنى في جلب المكوّنات وتحضيرها هو الحاكم كريم سعيد. وهذا يعني أنّ الأطراف الأخرى التي يفترض أن تشارك في الخطة، ارتأت التراجع قليلًا، وترك القرار لكي يتخذه مصرف لبنان.

تتمحور المقاربة التي يتمّ تحضيرها في مصرف لبنان حول مجموعة من الإجراءات التي تركّز على معالجة أزمة الودائع بالدرجة الأولى، وفيها مقاربة جديدة لودائع “ما بعد الأزمة”، ستُمكّن المركزي من خفض حجم الودائع بنحو 25 مليار دولار.

بداية، تقوم الرؤية على قاعدة باتت شبه ثابتة وهي: دفع مبلغ 100 ألف دولار لكلّ مودع يستوفي الشروط. لكنّ الجديد في هذا البند، بحسب معلومات “نداء الوطن”، أنّ هناك توجّهًا لدفع هذه الودائع (الـ 100 ألف دولار لكلّ مودع مستوفي الشروط) في غضون سنة واحدة.

تضيف المصادر أنّ القرار سيفضي إلى ضخّ ما يصل إلى نحو 4 مليارات دولار دفعة واحدة، ستدفع بالعجلة الاقتصادية قدمًا بشكل كبير.

البند الأهم والأكثر ابتكارًا في الخطة، يتعلّق بمسألة الودائع “غير مستوفية الشروط”. أي تلك التي نشأت في القطاع أو دخلت إليه خلال الأزمة، أي بعد 17 تشرين الأول 2019. تُقدّر تلك الودائع بحسب ما يُنقل عن مصادر عليمة في هذا الشأن، بقرابة 55 مليار دولار من أصل 83 مليار دولار، جزء كبير منها تجمّع نتيجة تداول الشيكات بين المودعين والمصارف.

وعليه، فإنّ المعلومات تفيد، بأنّ المركزي لديه كمّ كبير من الـ Data عن حركة الشيكات منذ بداية الأزمة إلى اليوم، مكّنته من خلق جدول، أو Table ، يحدّد قيمة الشيك المصرفي “كل شهر بشهره” على مدى الأشهر الـ 60 المنصرمة (من 5 سنوات إلى اليوم)، أيّ أنّ مصرف لبنان قادر على معرفة القيمة الحقيقيّة لأيّ شيك مصرفيّ دخل مقاصته في تاريخ إيداعه أو صرفه.

وبالتالي، سيتمكّن “المركزي” من خلال ذلك، من معرفة القيمة الحقيقيّة لكلّ وديعة وفقًا لهذا الجدول، ثم طرح خيارين أمام المودع: قبضها بالقيمة الفعلية وفق مدّة زمنيّة سريعة أو الاحتفاظ بها كاملة لأجل غير معلوم دفعه.

بحسب المعلومات، فإنّ المركزي يحاول تحفيز المودعين على الانخراط في تلك الآلية من خلال جعل السقف الأدنى للقيمة التي ستُدفع للمودعين لقاء شيكاتهم المصرفية هي 20 %. أي أنّ مصرف لبنان سيعترف بـ 20 % من الوديعة في الحدّ الأدنى، لكن يمكن أن ترتفع تلك النسبة في حال كان الجدول يلحظ ذلك، أي يلحظ أنّ قيمة الشيك في تاريخ صرفه كانت أكثر من 20 %.

هذه النسبة، بحسب التقديرات، هي عادلة جدًا، ولا تسمح لبعض المودعين بالتذاكي على المصارف ولا على مصرف لبنان، لأنّ قيمة الشيكات خلال الأزمة لم تكن بقيمتها الفعلية، والمودعون كانوا يعلمون ذلك تمام المعرفة. وبالتالي، فإنّ مصرف لبنان يفتح لهم اليوم، المجال من خلال تلك النافذة، للحصول على قيمة أموالهم الفعلية “بلا مبالغات”.

بحسب التقديرات التي تُنقل عن “المركزي”، فإنّ هذه الطريقة ستُمكّن مصرف لبنان من خفض مجموع المطلوبات (ودائع) بحوالى 25 مليار دولار. أي أنّ كتلة الودائع أو الدين المترتب للمصارف على مصرف لبنان (الرقم نفسه تقريبًا) ستنخفض إلى قرابة 58 مليار دولار.

الخطوة الأخرى التي يعتزم الحاكم اتخاذها لإنجاح الخطة، تقضي بفتح حوار مع المصارف، من أجل خفض حجم الفوائد التي حصلت عليها من مصرف لبنان لقاء الأموال التي أودعتها لديه.

أهميّة هذه الخطة أنّها تحاول تحاشي تفليس المصارف، وفي الوقت نفسه تفتح الباب واسعًا أمام كلّ مصرف لمعرفة ما له لدى مصرف لبنان وما عليه، وبالتالي معرفة كيفية إعادة الودائع للمودعين.

أهميتها الثانية أنّها ستقتصر على حراك داخل القطاع نفسه، من دون مدّ يد العون إلى خارجه. أي إلى الدولة، التي ستبقى أصولها ومقدراتها محايدة عن عملية ترتيب شؤون “البيت الداخلي” للقطاع.

المعلومات تشير أيضًا إلى أنّ سعيد أقدم على هذه الخطوة، بعد أن لمس عدم قدرة السلطة ولا جديّتها في تغيير أي شيء، مستدلًا على ذلك، بأنّ السلطة لم تسنّ قانونًا واحدًا على مدى السنوات الست المنصرمة يدفع القطاع قدمًا أو يقدّم أيّ حلّ، مكتفية بالتعاميم التي أصدرها رياض سلامة خلال سنوات الأزمة والتي ما زالت سارية المفعول حتى اليوم.

ومن خلال الخطة المذكورة، يتقلّص حجم الفجوة من 83 مليار دولار إلى ما بين 50 و 55 مليار دولار، يملك منها مصرف لبنان (الاحتياطيات والذهب والموجودات لديه) ما يصل إلى نحو 40 مليار دولار. ما يعني أنّ الفجوة المالية، ستتقلّص في حال نجح مصرف لبنان في تطبيق خطته، إلى نحو 15 مليار دولار، وهو رقم تعتبره أوساط مصرفية متابعة، رقمًا مقبولًا يمكن الانطلاق منه لهيكلة المصارف، ثم تحديد المسؤوليات وتوزيع ما تبقّى من الخسائر.

وبالتالي، يمكن لتلك الخطّة أن تمهّد الطريق لإعادة إطلاق الاقتصاد اللبناني من دون أن يتمّ إفلاس المصارف أو تدمير القطاع المصرفي أو التفريط بمقدرات الدولة التي ستكون مسؤولة عن ديونها الخاصة. أي عن سندات “اليوروبوندز”.