
حركة من دون بركة؟
عاد لبنان ليعيش موسم صيف واعداً وناجحاً في ظل مطاعم ومقاهٍ مزدحمة، ومهرجانات تبهر العالم ومغتربين عادوا إلى أرضهم الأم. لكن هل هذه الحركة الموسمية تكفي لإعادة النهوض والإنماء؟
لا شك في أنّنا نعيش من جديد حلم موسم الصيف، وحُبّنا للحياة، الذي كدنا أن نُحرَم منه، في ظل الظروف الراهنة التي كنّا نعيشها في لبنان والمنطقة. فطوَينا صفحة الكابوس وعدنا إلى نعمة لبنان المزدهر والحركة التي نتكلّ عليها. لكن هل تكفي لإعادة الثقة واستقطاب الإستثمارات وإعادة بناء الاقتصاد على ركائز متينة؟
عدنا نشهد عودة المغتربين الذين يتبارون على مقاعد الطائرات الملآنة، ويؤكّدون مرّةً أخرى تمسكهم بأرضهم وجذورهم. لكنّ الذي نشهده واقعاً أنّ هؤلاء المغتربين يعودون لتمضية موسم الصيف، لكن من دون استثمارات بارزة ومن دون رؤية واضحة يجب أن تكون مرتبطة بخطة إصلاحية إنمائية لإعادة الثقة وإستقطاب المستثمرين والإستثمارات.
من جهة أخرى، نلاحظ أنّ سياحتنا اليوم مبنية على الإغتراب، لكن لم نشهد بعد عودة السيّاح العرب والأوروبيِّين الذين كانوا يزورون لبنان كبلدهم الثاني، حتى بعد رفع الحظر بالمجيء للبنان، لم نشهد بعد حركة عربية بارزة ولا عودة لإستثماراتهم. فإعادة بناء الثقة تحتاج إلى وقت، وبالأخص إلى قرارات شجاعة ورؤية واضحة وخطة وإستراتيجية دقيقة، مع تنفيذ وملاحقة صارمة.
من جهة ثالثة، الحركة على الطرق الكثيفة والإزدحام الكبير، لم تواكبها إستثمارات سياحية، أو تجارية. فالكل يتنقل في جميع المناطق، حيث يمضي أوقاتاً مرحة، لكن هذه الحركة لم تواكبها بعد استثمارات بارزة.
فالإستثمارات حتى في المجال السياحي لا تزال خجولة، ولا نرى بعد إعادة الفنادق الكبرى إلى نشاطها أو العلامات التجارية الكبرى إلى إزدهارها، لأنّ المخاطر والمخاوف لا تزال تحت الرماد.
أمّا بالنسبة إلى الإستثمارات الصناعية والسياحية، فلم نشهد بعد إستثمارات ملحوظة في هذه المجالات المرتبطة بالثقة من جهة، ومن جهة أخرى لإعادة بناء قطاع مصرفي ومالي نشط ومتين.
يا للأسف، حتى المشاريع المزدهرة والتي تحقق أرباحاً بارزة لم تستثمر أرباحها في الداخل، لكن تستثمر في الخارج لتنويع إستثماراتها وتقليص المخاوف والمخاطر.
لا شك في أنّنا عدنا إلى الخط الصحيح، حيث نعيش صيفية حيَوية من كل النواحي، لكنّ المطاعم والمهرجانات لن تكفي لتحويل هذا الجو الإيجابي إلى إنماء إقتصادي بارز، إذ من البديهي ربط هذا الموسم الواعد برؤية مشتركة وخطة واضحة وإرادة صلبة لإعادة بناء لبنان الجديد، وهو لبنان جذورنا، لبنان المحبة، العيش المشترك، إحترام الجميع، ومنصة الحضارات، لبنان السلام بعيداً من لبنان السلاح والدمار.
لدينا فرصة ذهبية لترجمة هذه الأجواء الإحتفالية بمشروع متكامل ومترابط، لإعادة بناء الثقة وإعادة إستقطاب الإستثمارات والمستثمرين، ليعود لبنان ليس فقط مصيَفاً، لكن منصّة تجارية وإقتصادية ومختبراً للرياديِّين والمبتكرين، وأرضاً خصبة للشركات الدولية، وإقتصاداً نامياً ومنظماً وشفافاً.
علينا إعادة الثقة ليس فقط لشعبنا ومغتربينا، لكن أيضاً لإخواننا العرب والمجتمع الدولي، والبلدان المانحة، وتنفيذ الإصلاحات والمطالب المرجوّة، لنعود إلى فلك الاقتصاد الدولي، وأن نكون محط أنظار وعدسات الإستثمارات الدولية.