ستارلينك في مرمى الاتهام: صفقة تقنية أم خرق للسيادة؟

ستارلينك في مرمى الاتهام: صفقة تقنية أم خرق للسيادة؟

الكاتب: لوسي بارسخيان | المصدر: المدن
11 آب 2025

في خضمّ الأجواء السياسية المشحونة، وبينما كان بند سحب سلاح حزب الله يتصدّر جدول أعمال مجلس الوزراء يوم الثلثاء من الأسبوع الماضي، برز ملف “ستارلينك” تحت بنده الثامن كعامل إضافي لتوتير أجواء الجلسة. إلا أن البحث في هذا البند تأجل حتى الخميس المقبل، وفقًا لما أعلنه وزير الإعلام. 

ولم يتأكد بعد ما إذا كانت وزارة الاتصالات ستمضي فعلًا بعرض “مساعي توفير خدمات الإنترنت عبر الأقمار الصناعية، والعروض التي تلقتها من شركات عالمية في هذا المجال” في الموعد الثاني المحدد لها، وخصوصًا بعدما رشح عن جلسة للجنة الإعلام والاتصالات، عُقدت في اليوم التالي من جلسة مجلس الوزراء، من رفض للمساومة على تطبيق القوانين اللبنانية وخرق سيادة لبنان الرقمية تحت ذريعة الأمر الواقع، أو حتى الحاجة الملحة لتنويع مصادر الاتصال وتحقيق التغطية. وهو ما يُعتقد أنه فرمل من اندفاعة وزارة الاتصالات في مسارها الذي سلكته نحو منح الترخيص ل”ستارلينك” بمرسوم يصدر عن مجلس الوزراء.

كتاب إلى الوزير

كان أحد الحاضرين في جلسة لجنة الاتصالات، رئيس هيئة الشراء العام الدكتور جان العلية. وتبين أن الأخير وجه كتابًا إلى الوزارة على خلفية عنوان البند الثامن المطروح، طالب من خلاله بإيداع الهيئة “كامل المستندات والتوضيحات المتعلقة بهذا الموضوع ليُبنى عل الشيء مقتضاه القانوني.”

كتاب العلية لم ينفصل عن النقاش الذي أثاره سير وزارة الاتصالات بآليتها للترخيص، من دون أي إشعار للجهات الرقابية، ولا سيما هيئة الشراء العام، عن الرغبة في تلقي العروض، مع أن وزارة الاتصالات جهة خاضعة لأحكامه. وتبين أن الوزارة تسلحت في ذلك برأي استشاري وحيد طلبته من هيئة التشريع والاستشارات. وهذا ما جعل الرأي الاستشاري في ذاته مادة لنقاش مطول، حضر طيفه في جلسة اللجنة النيابية ويتوقع أن يستكمل في جلسات أخرى. 

السيادة الرقمية

بحسب المعلومات، فإن الجلسة التي حضرها أيضا القاضيان عبد الرضى ناصر وزينب حمود عن ديوان المحاسبة الى جانب الوزير شارل الحاج ورئيس وأعضاء اللجنة، ومعنيين بوزارة الاتصالات الى جانب مستشار رئيس الجمهورية للدراسات العميد زياد هيكل، كانت مخصصة لدفن ملف الـOTT نهائياً بعدما طوي بقرار صدر عن الهيئات الرقابية. ولكنها تحولت في نقاشاتها المطولة نحو التوسع في عرض الثغرات القانونية والمؤسساتية والأمنية والتقنية التي تشوب ملف الترخيص لستارلينك، والتي لخصتها قراءة خبيرة بورقة عمل، علم أن خلاصاتها طرحت بشكل غير مباشر خلال الجلسة، وحصلت “المدن” على نسخة منها.

فعلى رغم الهاجس الأمني المحيط بمشروع مرسوم الترخيص لشركة ‘ستارلينك’ في لبنان، خلصت القراءة العلمية له، الى أن مخاطره تتجاوز البعد الأمني لتشمل مخالفات قانونية واستراتيجية تمس السيادة الرقمية، وإدارة الطيف الترددي، وحماية البيانات، والتوازن بين القطاعين العام والخاص، واحترام القوانين الناظمة. 

مخالفات قانونية واستراتيجية 

تلك الخلاصة ترافقت مع توثيق الورقة مخالفات بالجملة لخمسة قوانين، يمكن اختزالها بالآتي:

  • مخالفة قانون الاتصالات (431/2002)ولا سيما مواده 5 و19 و20 و21، التي تحصر حق منح التراخيص بالهيئة الناظمة وحدها، مع اشتراط اعتماد مسار تنافسي وشفاف  في آلية منحها. وهذه المخالفة وفقا للقراءة الخبيرة “تتعارض مع الموقف الرسمي للحكومة اللبنانية التي لطالما استندت إلى هذا القانون في قرارات وزارية ومراسيم سابقة.”

  • مخالفة قانون المعاملات الإلكترونية وحماية البيانات (81/2018) عبر الإذعان لاصرار ستارلينك على نقل بيانات المشتركين إلى خوادم الشركة الأم في قطر، وهذا ما يضعف قدرة القضاء والأجهزة الأمنية على الوصول للبيانات، ويخالف مبدأ حفظ البيانات ضمن النطاق السيادي.

  • مخالفة قانون سرّية المخابرات والمراسلات (140/1999) نتيجة لغياب واجهات اعتراض قانونية داخل لبنان بإشراف قضائي. اذ لا ينص مشروع المرسوم على أي تجهيزات محلية للاعتراض، وهذا ما يقصي السلطات اللبنانية من القدرة على مراقبة الاتصالات وفق الأطر القانونية.

  • مخالفة قانون الشراء العام (244/2021) حيث يتجاوز الترخيص آليات المنافسة العلنية، معتمدًا على تفاوض ثنائي مباشر بين الوزارة والشركة، من دون إعلان أو دعوة عروض أو تقييم رسمي.

  • مخالفة المرسوم الاشتراعي (126/1959)من خلال المسّ بالحصرية التي تملكها الدولة في حق استثمار وتشغيل خدمات الاتصالات، خصوصاً الدولية، وذلك عبر منح شركة أجنبية ترخيص تقديم خدمات اتصالات دولية مباشرة للمستخدمين، من دون امتياز تشريعي صادر عن مجلس النواب.

لا آليات رقابة أمنية فاعلة

وعلى رغم أن ما ذكر يجعل من مشروع الترخيص المقترح لشركة Starlink Lebanon S.A.L  إمتيازاً فعلياً لشركة أجنبية للعمل في السوق اللبناني، فإن أخطر ما فيه بحسب القراءة المتخصصة أن إجازة المشروع المقترح لتوجيه كامل حركة البيانات اللبنانية إلى خوادم خارجية في قطر، سيتم من دون أي آليات رقابة أمنية فاعلة، بل سيكتفي الجانب اللبناني بتطمينات شكلية وردت في محضر اجتماع أمني خلا من أي مشاركة لممثلي ستارلينك وهيئة أوجيرو، وصيغت وعوده بلغة غير ملزمة ومن دون آليات تنفيذ أو رقابة وطنية مباشرة، إضافة الى ما تم رصده في مشروع المرسوم والعقد المقترح من ثغرات بنيوية تمس الإطار التنظيمي والسيادي، أبرزها غياب تعريف قانوني واضح للترخيص، وضعف الضوابط التقنية وحوكمة البيانات، وغموض النموذج التشغيلي وآليات حماية المستهلك والتسعير. 

وإذ تتم الإشارة إلى القوانين اللبنانية، فإن معظم البنود تبقى غير ملزمة أو قابلة للتجاوز بفضل الصياغات الفضفاضة أو غياب الآليات التنفيذية، من دون تحديد صريح لنوع الترخيص أو مرجعيته القانونية وفق قانون الاتصالات 431/2002 أو قرارات الهيئة الناظمة، علمًا أن العقد المقترح لم يوضح طبيعة العلاقة بين الكيان المحلي والشركة الأم Space X، ولم يفرض أي التزام مباشر عليها بالاستثمار في البنية التحتية أو الخضوع لسقوف أسعار أو معايير جودة، كما لم يُلزمها بتسجيل عمليات الفوترة والعوائد ضمن النظام المالي الوطني أو ضمان الامتثال الضريبي، وهذا ما يمكن أن يفتح الباب لممارسات احتكارية أو تهرّبية تحت غطاء “الكيان المحلي“.

امتياز شبه حصري

إضافة إلى ذلك، يمنح العقد ستارلينك امتيازًا شبه حصري مقابل رسم ترخيص سنوي متدن (25 ألف دولار)، ونسبة 25% من الإيرادات، وهو الرسم إياه المطبق على شركات DSP وISP اللبنانية التي تُخضعها الدولة لضوابط أشد.

وبدلًا من حماية السوق المحلي، يجيز العقد لوزارة الاتصالات أن تعمل كموزّع لخدمة منافسة، في مخالفة لمبدأ الحياد، وبما يلحق ضررًا مباشرًا بشركات الإنترنت المرخّصة، ويكرّس نموذجًا استثنائيًا قابلًا للتكرار لتجاوز القوانين مستقبلاً. 

بهذه الصيغة اعتبرت القراءة المتخصصة أن المشروع لا يبدو مجرد صفقة تقنية، بل هو مسار يمهّد لتفكيك الضوابط السيادية والتنظيمية التي يفترض أن تحكم قطاع الاتصالات الوطني. وانطلاقًا من ذلك، يُتوقع أن ترتفع الأصوات وأن يخصص مؤتمر صحافي أو أكثر لهذه الغاية قريباً، وأن تتم الدعوة إلى تجميد المقترح وإعادة التفاوض حتى استكمال الإطارين القانوني والمؤسساتي، ليكون التفاوض ضمن مسار شفاف يشمل جميع الجهات المعنية، ومن خلال سياسة وطنية شاملة للإنترنت الفضائي. ويكون دور الدولة في هذا الإطار كطرف سيادي وشريك ناظم، لا مجرّد وسيط تنفيذي، يسعى لحفظ التوازن بين التطوّر التقني وحماية السيادة، ويكفل المساواة بين جميع الجهات العاملة، ويمنع تحوّل الفوضى التنظيمية إلى غطاء لصفقات فردية أو استنسابية.