صناعة الدواء في لبنان: نجاح موضعيّ مهدّد بغياب السياسة الوطنية والرؤية التصديرية

صناعة الدواء في لبنان: نجاح موضعيّ مهدّد بغياب السياسة الوطنية والرؤية التصديرية

الكاتب: لوسي بارسخيان | المصدر: نداء الوطن
11 آب 2025

ينطبق على قطاع صناعة الدواء في لبنان القول الشعبي “ربّ ضارة نافعة”. فعلى الرغم من تراجع قطاعات إنتاجية كثيرة منذ تفاقم الأزمة المالية، شهد هذا القطاع فورة ملحوظة في الإنتاج، رفعت حصّة المصانع المحلّية في سوق لبنان من نحو 10 % إلى أكثر من 30 %. فأثبتت الصناعة الدوائيّة قدرتها على الصمود والتكيّف مع أصعب التحدّيات، وبالتالي نجحت في بناء سمعة متينة تقوم على الجودة والشراكة مع شركات عالميّة.

إلّا أنه على الرغم من الطفرة التي حقّقها، فإنّ مستقبل هذا القطاع لا يزال يتأرجح بين طموحات التوسّع والتأهيل وفق المعايير العالميّة، والتحدّيات اليوميّة التي تهدّد استمراريّته. إذ تواجه الصناعة الدوائيّة صعوبات في التوسّع الداخليّ والخارجيّ، وسط منافسة غير عادلة في السوق المحلية أو الخارجية، وبنية تنظيميّة غير مستقرّة. وهذا ما يجعل هذه الصناعة بحاجة إلى ما “يشفيها” من الإهمال وغياب السياسات الداعمة… فهل تبادر الدولة إلى احتضانها ضمن استراتيجية تنموية واضحة؟ أم تهدر هذه الفرصة المتاحة في الاقتصاد اللبناني؟

في العام 2018، لحظت خطة “ماكينزي” قطاع الدواء، كمحرّك واعد للاقتصاد. فشجّعت الخطة على توسيع قاعدة الإنتاج المحليّ، بما في ذلك تشجيع تطوير منتجات جديدة مثل القنب الهندي الطبيّ، مع توفير حوافز تشريعيّة وماليّة ترفع مستوى التصنيع إلى المعايير الإقليميّة. ومع أنّ صناعة الدواء محليًّا “بدأت تقترب من خطوط تنفيذ هذه الخطة”، كما تقول رئيسة نقابة مصانع الدواء في لبنان كارول أبي كرم في حديث مع “نداء الوطن”، فإنّ غياب الرؤية الوطنيّة، وسياسات الحماية، لا يزالان من أبرز المعوّقات أمام تطوّرها واستثمار إمكاناتها الكاملة.

نقابة مصنّعي الدواء: إطار موحّد لتعاون المصانع ودعم الصناعة الوطنيّة

تأسّست نقابة مصنّعي الدواء في لبنان في العام 2016، بعد جهد استمرّ منذ تسعينات القرن الماضي، ما أرسى قواعد التنسيق الأولى بين معامل إنتاج الأدوية، والتي كان عددها قبل الأزمة اللبنانية نحو 11 معملًا وارتفعت خلال الأزمة إلى 13.

فمع تكرّر الأزمات السياسية والاقتصادية والأمنية، وخصوصًا خلال العقد الأخير من القرن العشرين، بدأت مصانع الأدوية تطوّر نوعًا من التعاون المشترك، تُرجم في أوراق عمل تُرفع إلى الجهات الرسميّة للمطالبة بالمعالجات والدعم. إلّا أنّ هذا التنسيق ظلّ يفتقر إلى غطاء قانونيّ، إلى أن تأسّست أول نقابة رسميّة لمصنّعي الدواء، فشكّلت خطوة تنظيميّة أساسيّة نحو حماية القطاع.

خلال هذه المرحلة، مرّ لبنان بتحدّيات كثيرة، وبقي اعتماده خلالها على الدواء المستورد، وهو ما عرّض الأمن الدوائيّ لاهتزاز دائم. وانطلاقًا من هنا، بدت مسؤولية النقابة كبيرة في زيادة وعي المواطن وتعزيز ثقته بالصناعة الوطنيّة للدواء. فسعت وفقًا لأبي كرم لتحقيق سلسلة إنجازات ملموسة، أبرزها التوصّل بالتعاون مع الجهات المعنية، إلى إعفاء المواد الأوّلية المستوردة من ضريبة القيمة المضافة. كما عملت، بالشراكة مع وزارة الصحّة ومنظمة الصحّة العالمية، على رفع معايير التصنيع الجيّد (GMP) بهدف تعزيز ثقة المواطن اللبناني بالدواء المنتج محليًّا. وكذلك ساهمت النقابة في تعديل قانون تنظيم وتسعير الدواء، وإقرار ميثاق للمعايير الأخلاقية في الدعاية الطبيّة، فضلًا عن تطوير بعض القوانين المتعلّقة بالصناعة الدوائيّة، وتوسيع قدرات القطاع عبر المشاركة في مؤتمرات وورش عمل دولية. وهذا بالإضافة إلى تسليطها الضوء على صناعة الدواء اللبنانية، من خلال مشاركة ممثلي الشركات والنقابة في ندوات ولقاءات علمية، أو من خلال إنتاجات وثائقية عرضت في وسائل الإعلام. وقد ركزت هذه الجهود على إبراز دور الدواء المصنّع محليًا ليس فقط في تأمين الاحتياجات الصحّية، بل أيضًا في دعم الاقتصاد الوطنيّ، والحدّ من تسرّب العملة الأجنبية، وخلق فرص عمل للشباب اللبناني. كما بيّنت أهميّته في تطوّر الصناعات المساندة، كمثل مصانع الكرتون وأنابيب البلاستيك والألمنيوم، والتي تسهم في الدورة الاقتصادية المحلية.

حين تراجع المستورد… لبّت المصانع اللبنانية نداء السوق

مع أنّ إقبال المواطنين على الدواء اللبناني لم يتوسع إلّا بظلّ الأزمة الماليّة التي مرّ بها لبنان، تؤكّد أبي كرم أنّ مصانع الدواء في لبنان كانت تحضّر خلال الفترة التي سبقتها، لأرضية كسب ثقة المستهلك المحلّي. مستشهدة بحلول ثلاثة مصانع محلّية بين أكبر 15 شركة، وسط 850 شركة دواء عالمية وإقليمية ولبنانية موجودة على الأراضي اللبنانية من بينها 11 مصنعًا للدواء اللبنانيّ.

في المقابل، دفع انهيار قيمة “الليرة” بالمواطنين إلى البحث عن بدائل أقلّ كلفة من الأدوية المبتكرة، ما رفع حصة الدواء اللبناني في السوق. فنشطت صناعة الدواء التي صارت من بين القطاعات القليلة التي استمرّت في تشغيل شرائح القوى العاملة والاختصاصيين، محافظةً على طاقاتهم داخل لبنان.

بالطبع، لم يكن متاحًا لمصنّعي الدواء خلال الأزمة، توسيع استثماراتهم، إلّا أنّ الأرضيّة المتوفّرة من تقنيّات حديثة وتجهيزات متقدّمة، إلى جانب الكوادر المتخصّصة من صيادلة، كيميائيين، فيزيائيين، أطبّاء، مهندسين وفنيين، ساهمت في صمود المؤسّسات وتوسيع نشاطها لتلبية حاجات السوق المتزايدة.

تقول أبي كرم: “المصنّع اللبناني خلافًا للشركات الأجنبيّة لديه استثمارات لا يمكنه أن يتركها ويرحل، فهناك عائلات تعيش من إنتاجنا، ومن هنا، كان تشبّثنا بمصانعنا وأرضنا”. وهذا ما ميّز صناعة الدواء اللبنانية خلال كلّ الأزمات التي مرّت على لبنان، سواء خلال جائحة كورونا، والأزمة الاقتصادية، أو عدواني الـ 2006 و 2024. وهذا ما شكّل حافزًا لزيادة استثماراتها رغم ظروف الحرب، لتتحوّل إلى ضمانة أيضًا لاستمرار عمل قطاعات أخرى وأبرزها قطاع الصيدلة.

تحدّيات استيراد المواد الأوّلية لصناعة على خط النار

لا يزال لبنان يعتمد في صناعة الدواء على المواد الأوّلية المستوردة. وهو في ذلك لا يختلف عن معظم دول العالم باستثناء الصين والهند. غير أنه خلافًا لسائر الدول، يفرض واقع التوترات الدائمة التي يعيشها البلد على المصنّعين اللبنانيين، أن يعملوا وسط “خطوط النار”، وهذا ما يضعهم أمام تجارب قاسية، تعلّموا من خلالها كيف يطوّرون أدوات الصمود.

في العدوان الإسرائيلي الأخير، أظهرت هذه التجارب نضجًا في مقاربة التحدّيات. فإلى جانب الخطة الدوائيّة الرسميّة التي وضعتها الدولة، بادرت كلّ مؤسّسة دوائيّة إلى إعداد خطة داخليّة خاصة بها، ليتمّ تعديلها باستمرار وفقًا لحجم التحدّيات والاحتياجات، وبالتنسيق بين أعضاء النقابة ومع وزارة الصحة.

غامرت المصانع كثيرًا، وفقًا لما تقوله أبي كرم. وفي ذروة الأزمة، رفعت استثماراتها في شراء المواد الأوّلية، تحسّبًا لأي انقطاع قد يهدّد الاستمرارية في الإنتاج. فيما برزت عناصر المواجهة المشتركة بين الدولة والقيّمين على القطاع من خلال تأمين الفيول لتشغيل محرّكات المصانع دون انقطاع، وضمان إبقاء الأجواء مفتوحة لتسهيل استيراد المواد الأولية ومنحها الأولوية نفسها الممنوحة للدواء الجاهز المستورد.

دواء بلا سياسة… ولا حماية وطنيّة

غير أنه على الرغم ممّا أثبته الدواء المصنّع محليًّا من قوّة تنافسيّة وقدرة على الصمود، وخصوصًا في زمن الأزمات، فهو على ما تقول أبي كرم لا يزال يفتقر إلى رؤية وطنيّة شاملة من الدولة اللبنانيّة تحدّد بوضوح ما تريده من هذا القطاع.

فالرؤية، كما تقول، موجودة ولكنها مجزّأة. فهناك بالتأكيد جهود تبذل على مستوى الوزارات المعنيّة، ولكنّ السياسات لا تُبنى فقط داخل الوزارات، بل يجب أن تصدر عن الحكومة ككلّ، وتنطلق من مقاربة استراتيجيّة متكاملة.

وانطلاقًا من هنا، تؤكد أبي كرم على الحفاظ على حصّة الدواء اللبناني في السوق، بل وزيادتها، ما يتطلّب أوّلًا جلوس المعنيين مع أهل القطاع، لتقييم القدرات الحالية، ثمّ إجراء مسح شامل يمهّد لوضع خارطة طريق واضحة، تحدّد الأهداف المستقبلية. فهل نريد الوصول إلى الاكتفاء الذاتي؟ وإذا كان الجواب نعم، فمن المفترض أن ترتفع حصّة الصناعة المحلية من السوق، إلى 50 % في المرحلة القريبة، مع التطلّع للوصول إلى 60 % لاحقًا.

من التحدّيات الأساسية التي تطرحها أبي كرم، ما يتعلّق بغياب سياسات الحماية لصناعة الدواء اللبنانية، أو المعاملة بالمثل، والتي تجعل أبواب الاستيراد مشرّعة أمام الأدوية المستوردة من مختلف الدول تحت شعار “الاقتصاد الحر”، والذي يكشف عن غياب رؤية اقتصاديّة دوائيّة شاملة.

فبينما تعتمد معظم الدول، ومن بينها الدول المحيطة بلبنان، كالأردن ومصر على سبيل المثال، سياسات واضحة لحماية صناعاتها الدوائيّة، إدراكًا منها لما تؤمّنه من قيمة مضافة للاقتصاد، وفرص عمل، واستثمارات متطوّرة، فضلًا عن دورها في ترسيخ الأمن الدوائيّ. يتمتع منتجو الدواء في تلك الدول بما يتوفّر في لبنان من يسر في تسجيل صناعاتهم، لتغرق السوق اللبنانية بدواء مستورد لا يتميّز في أحيان كثيرة بأي قيمة مضافة، عن الدواء اللبناني.

انطلاقًا ممّا ذكر، يمكن فهم الفارق الصارخ في التبادل الدوائيّ بين لبنان والأردن مثلًا، حيث يُسجّل في لبنان ما يصل إلى 380 دواءً أردنيًّا، بينما لا يصدّر لبنان إلى الأردن سوى 30 دواءً فقط. علمًا أنّ مجموع ما يصنع محليًّا حاليًّا يصل إلى 1200 منتج دوائيّ، معظمها يصرّف في السوق اللبنانية حصرًا.

الصناعة المحلّية في سوق مفتوحة بلا عدالة

تنقسم سوق الدواء في لبنان إلى قسمين رئيسيين: أدوية الأمراض المزمنة الأساسية، التي تشكّل حوالى 50 % من السوق، وأدوية علاج الأمراض المستعصية، التي تشكّل القسم الآخر. وفيما يُسيطر الدواء اللبناني اليوم على نحو 80 % من سوق أدوية الأمراض المزمنة، يبدو شبه غائبٍ في المقابل عن سوق الأدوية الخاصة بالأمراض المستعصية، ما يجعل حصّته العامة في السوق المحلّية لا تتجاوز 25 %.

ترتبط أسباب سيطرة الصناعة اللبنانية على الحصة الكبرى من سوق الأدوية المزمنة بالسعر أوّلًا بالإضافة إلى النوعية التي اكتسبت الثقة خلال الأزمة الماليّة. ويحدّد هذا السعر قانونًا بأقلّ بنسبة 15 % من سعر الدواء المبتكر. علمًا أنّ عددًا من المصنّعين المحلّيين يطرحون أدويتهم بأسعار أدنى من هذا الحدّ، بحيث تنخفض كلفته على المواطنين أحيانًا إلى مستويات تضع الدواء اللبناني ضمن الفئة الأرخص مقارنة مع المستحضرات المستوردة من دول مرجعية.

هذا في وقت يشجّع غياب الاستثمارات في الجزء الثاني من السوق على اختراقها من قبل بعض مصانع الدواء المحلّية، والتي سعت ولا تزال إلى عقد اتفاقيات توضيب أوّلي وثانوي لأدوية السرطان والتصلّب اللويحي المبتكرة، بالتعاون مع موردين خارجيين. في مقابل حصول مصانع أخرى أيضًا على امتيازات لتصنيع أدوية لمرضى القلب والسكري، يتمّ تصديرها من لبنان إلى أوروبا وأفريقيا.

لا شكّ أنّ هذه المبادرات، تعدّ خطوات أساسية في مسار تحقيق الأمن الدوائيّ الوطنيّ، إذ تنطوي على توجّه واضح نحو نقل تكنولوجيا مصانع الدواء العالمية إلى لبنان. ولكنّ تطويرها وتوسيعها مقرون أيضًا بالخطة الوطنية الشاملة المطلوبة.

فحتى ولو كان لبنان بلدًا صغيرًا لا يتجاوز عدد سكانه الخمسة ملايين نسمة، فإن ما يميّزه، برأي أبي كرم، هو العنصر البشري، والإرادة، والخبرات المتراكمة، وهي عناصر قادرة على أن تعوّض على صغر السوق الداخلية عبر فتح أسواق خارجية، ولكن بشرط توافر الحوافز المطلوبة، سواء أكانت إدارية أو ضريبية، لتأمين بيئة مناسبة للإنتاج المحلّي والتصدير.

التصدير كخيار استراتيجيّ

في الوقت الحالي، لا تتجاوز نسبة تصدير الدواء اللبناني إلى الخارج الـ 10 بالمئة من مجمل حجم الإنتاج المحلّي، وهو بالتالي سوق محدودة جدًا، رغم ما يشكّله التصدير من مدخل أساسي لتوسيع فرص النمو.

انطلاقًا من هنا، تبرز الحاجة إلى مقاربة جديدة للاتفاقيات التجارية، تُعيد النظر بكلّ ما لا يضمن فتح أسواق خارجية للدواء اللبناني، وتُوقف توقيع اتفاقيات جديدة لا تصبّ في هذا الاتجاه.

وفقًا لأبي كرم، يجب أن تكون الأولويّة عند توقيع أي اتفاقية لتبادل الدواء، لشراكات مع دول تملك قيمة مضافة حقيقية في منتجاتها، ولتأمين تبادل الخبرات، واستقدام التكنولوجيا التي لا تملكها الصناعة المحلّية، على أن ترتبط بآليات تفرض تصنيع بعض الأصناف محليًّا خلال فترة زمنية محدّدة، بما يعزّز الأمن الدوائيّ في لبنان. وهذا ما يتطلّب دعمًا تشريعيًّا وتنظيميًّا أكبر من قبل الدولة، يترافق مع الجهود الخاصة في إرساء شراكات عالميّة استراتيجيّة تساهم في بناء قدرات محلّية مستدامة.

فالتصدير يشكّل أولويّة بالنسبة لمعظم مصنّعي الدواء في لبنان. وهو يبدو أساسيًا أيضًا، خلال المرحلة المقبلة التي ستتضمّن إنتاج القنب الطبي لأغراض صناعيّة. إذ إن إنتاجًا بلا سوق سيكون كارثيًا، ويعرّض المجتمع اللبناني لمخاطر إساءة استخدام المنتج داخليًّا.

ومن هنا، إذا كانت مصانع الدواء لن تتدخل في زراعة القنب الطبي، وفقًا لما تؤكّده أبي كرم، فإنها في المقابل تتطلّع للتعاون مع المزارعين، من أجل توفير زراعة تلتزم بالمعايير الجيّدة، على أن يسمح للمصانع بتحويل المنتج إلى مواد أوّلية ومستحضرات قابلة للتصدير والاستعمال الطبي المنضبط والذي يتوافق مع معايير الـ “GMP”. وتعوّل أبي كرم في هذا الإطار على الهيئة الناظمة لتضع آلية دقيقة تضمن تصنيعًا نوعيًّا، سواء ضمن مصانع قائمة أو مستثمرة جديدة. فإذا كان القانون سمح لشركات دوائية أو تجارية بالاستثمار في القطاع، يبقى الأهم كما تقول بإلزامها جميعها بالمعايير المطلوبة، حتى لا تتحوّل السوق اللبنانية إلى منفذ لتصريف إنتاج غير منضبط.

يبقى أنه في بلد يتنقل من أزمة إلى أخرى، لم تعد صناعة الدواء مجرّد خيار اقتصادي، بل تشكل ركيزة من ركائز الأمن الصحي والدوائيّ، وإحدى أدوات صمود النظام الصحي. ومن هنا تبرز ربّما الحاجة إلى وضع الصناعة الوطنيّة للدواء، من ضمن استراتيجية اقتصادية وصحية، تخرجها من خلف قضبان الظروف الاستثنائية، لترفعها كأولويّة وطنية تُحمى بالتشريعات أوّلًا وبتطبيق القوانين الصادرة، وأبرزها قانون إنشاء الوكالة الوطنية للدواء، وما تتطلّبه من تحديد للسياسات العامة، وخصوصًا لناحية حماية المنتج الوطني. وهذا بالإضافة إلى دعم هذه الصناعة بالإعفاءات، وتعزيزها بالتكنولوجيا، وفتح أسواق التصدير أمامها.

يوفّر قطاع الدواء بواقعه الحالي ألفي فرصة عمل مباشرة، وخمسة آلاف فرصة غير مباشرة في صناعات متصلة. ووفقًا لدراسة أجرتها “اليونيدو” فإنه بمقابل كلّ فرصة عمل بقطاع صناعة الدواء في لبنان تولد 2.9 فرصة عمل في القطاعات المتصلة.
تخضع صناعة الدواء في لبنان لمنظومة تنظيميّة دقيقة، تُشرف عليها مصلحة الصيدلة في وزارة الصحة العامة، وتشترط على المصانع الالتزام بمعايير علمية عالمية تشمل التحاليل في مختبرات معتمدة من منظمة الصحّة العالمية، ودراسات التكافؤ الحيوي. وتُفرّق هذه المنظومة بوضوح بين الأدوية والمتمّمات الغذائية، سواء على مستوى مسار التسجيل أو الجهات الفنية المعنية أو شروط التصنيع والمراقبة.