
مصير السلاح داخل الحزب : سجال المتشددين و”الواقعيين”؟
كُثُر في لبنان، كانوا يرون أن ردّ فعل حزب الله على قرار الحكومة بسحب سلاحه، وتكليف الجيش بإعداد خطة تنفيذية يتم تطبيقها من الآن وحتى نهاية السنة الحالية، جاء أقل بكثير من المتوقع. يعود هؤلاء إلى تجربة العام 2008 وقرار الحكومة في حينها بنزع سلاح الإشارة وشبكة الاتصالات لدى الحزب، وليس السلاح ككل. وفي حينها، استدعى الأمر اجتياحًا لبيروت والجبل. بينما اليوم جاء الردّ بمقاطعة الحكومة، وبخروج تظاهرات يومية لم يتبناها الحزب حتى.
عوامل كثيرة هي التي تتحكم بهذا المسار الذي يسلكه حزب الله، من خلال إبقاء الاعتراض عليه في الخانة السياسية.
الحزب وناسه
متغيرات كثيرة حصلت، كان أبرزها ما أفرزته الحرب الإسرائيلية الأخيرة. إذ تمكنت تل أبيب من تنفيذ عمليات اغتيال لمعظم قادة حزب الله الأساسيين في المجال العسكري، إلى جانب اغتيال أمين عام الحزب السيد حسن نصرالله ورئيس المجلس التنفيذي هاشم صفي الدين. هذا أحد العناصر الأساسية التي أسهمت في إضعاف الحزب ربما، بالإضافة إلى استمرار العمليات العسكرية الإسرائيلية وعمليات الرصد الدائم والمستمر لقيادات الحزب وعناصره وكوادره، وهذا أيضاً لا يمنح حزب الله القدرة على التحرك الواسع.
لذلك فإن جل ما يركز عليه حزب الله حالياً، هو رفض التعاطي مع القرار ومنع تنفيذه. وهذا ما كان يريده الحزب أيضاً بعد اتفاق وقف اطلاق النار، الذي جرى التوصل إليه في تشرين الفائت. إذ لم يكن في البداية يوافق على تسليم مخازنه ومواقعه للجيش، إلا أنه عاد ووافق على ذلك. أما بخصوص السلاح في شمال نهر الليطاني، فحتى الآن يؤكد حزب الله بحسم أنه لن يوافق ولن يلتزم بتطبيق قرار الحكومة. أحد المسؤولين الكبار في الحزب استخدم عبارة “لن نسمح بتسليم أي بندقية بعد اليوم”.
كل هذه المواقف تبدو ظاهرة ومعروفة، بينما يبقى السؤال الأساسي عن كيفية مواجهة الحزب قرار الحكومة في ظل كل التطورات الإقليمية والدولية التي تحصل، مع الإشارة إلى أن اجتماعات مكثفة تعقد للبحث في الخيارات المقبلة والبديلة. إلا أن سؤالاً أساسياً لا بد من طرحه، إذ في إطلالته الأخيرة قال رئيس كتلة الوفاء للمقاومة النائب محمد رعد إنه لن يسلم السلاح، وأهالي الشهداء لن يسمحوا بتسليم السلاح، مشيراً إلى أن أحداً لن يكون قادراً على ضبط الناس وضبط ردود الفعل، وبعدها قال بوضوح: “انا أتحدث باسم الناس كي تسمع قيادة الحزب، وقيادة الحزب هي التي تتخذ القرار”.
قاسم ورعد
حملت عبارة رعد تساؤلات كثيرة حول احتمال وجود تباين في الآراء داخل حزب الله. وهذه من المرات الأولى والأكثر جدية التي يجدر فيها طرح السؤال. لم يكن لأحد أن يتخيل طرحه بخصوص الحزب وتماسكه. لكن ما قاله رعد كان واضحاً لجهة تمرير مواقف اعتبر فيها أن قيادة الحزب بحاجة لسماعها، وهو ما يأتي بالتزامن مع تساؤلات حول وجود آراء متعددة ومتباينة داخل حزب الله في كيفية التعاطي مع كل الملفات الداخلية، ومع الاعتداءات الإسرائيلية، وفي ظل حماسة جهات داخل الحزب للرد على الضربات الإسرائيلية بالرغم من كل المخاطر التي ستنجم عن ذلك.
كل ذلك يعيد المتابعين إلى أشهر ماضية، وتحديداً للخطاب الأول لأمين عام الحزب الشيخ نعيم قاسم ما بعد اتفاق وقف إطلاق النار. في ذاك الخطاب تحدث قاسم بوضوح عن معادلات الدخول في تسوية سياسية وانتخاب رئيس للجمهورية والانضواء في اتفاق الطائف وتطبيقه والالتزام به، بالإضافة إلى البحث في الاستراتيجية الدفاعية. فُهم هذا الخطاب في حينها بأنه يواكب التطورات ويتعاطى بواقعية مع كل مجريات الأحداث، والتحولات التي سيقبل عليها لبنان. ولكن، حسب المعلومات في حينها، رفضت جهات عديدة داخل الحزب هذا المسار، الذي اعتبر بأنه تراجعي. وبنتيجة ضغوط ومشاورات عديدة، عاد قاسم في خطاب آخر ورفع لهجته المتشددة.
الدخول الإيراني
بالتزامن مع جلسة الحكومة التي عقدت لاتخاذ قرار بشأن السلاح، اختار الشيخ نعيم قاسم أن تكون إطلالته واضحة في رسائلها، فرفع سقف خطابه السياسي عالياً، معلناً عن رفض تسليم السلاح ورفض النقاش في أي بند يتعلق به قبل انسحاب إسرائيل وإطلاق سراح الأسرى ووقف الاعتداءات والخروقات، وإطلاق مسار إعادة الإعمار.. “وبعدها خذوا منا أحلى نقاش”. كلام قاسم أيضاً فُسر بوجهين، الأول من قبل الحكومة التي اعتبرت أن مواقفه استفزازية ومحاولة لفرض الشروط عليها، وهو ما دفع إلى الإصرار أكثر على اتخاذ القرار، لأنه لو تم التأجيل لتكرس انطباع أن قاسم هو الذي فرض التأجيل بفعل موقفه. والثاني هو الذين يريدون التصعيد أكثر في الحزب وعدم التساهل والتهاون مع هذه القرارات، ويحاولون مطالبة قاسم بخطوات عملانية تواكب المواقف السياسية التصعيدية.
عملياً، لا يزال حزب الله يدرس كل خياراته، بما فيها أن لا يلتزم بالقرار أو لا يسمح بتنفيذه. ولكن في المقابل، هناك حالة غضب وغليان واضحة داخل البيئة الشيعية، وهذه لا تتصل بعدم تنفيذ القرار، بل بمجرد اتخاذه، لأنه سحب الشرعية التي كان يتمتع بها الحزب من الدولة اللبنانية.
في الموازاة، لا يمكن فصل الدخول الإيراني المباشر على خطّ التطورات عن كل ما سلف. إذ على مدى الأيام القليلة الماضية، كثف المسؤولون الإيرانيون من مواقفهم الرافضة لتسليم سلاح حزب الله والمؤكدة على وجوب إفشال قرار الحكومة، ما يوجب انتظار تطورات ستحملها الأيام المقبلة، على مستوى الإقليم وكيفية انعكاسها في الداخل.