
“عودة” إيران عبر بغداد وبيروت: استعداد للمواجهة أم للمقايضة؟
من بغداد إلى بيروت، تبدو إيران وكأنها في هجمة “مرتدة” للعودة إلى المشرق العربي. لكن حلقة الوصل الأساسية بالنسبة إليها، وهي سوريا، لا تزال غير متاحة حتى ديبلوماسياً. فعلى الرغم من كل الضربات العسكرية التي تلقتها إيران وحلفاؤها في الحرب الإسرائيلية الأخيرة، إلا أن الضربة الأكبر كانت بسقوط نظام بشار الأسد. هذا السقوط غيّر الوضع الجيواستراتيجي لإيران في المنطقة، وقطع طريق طهران، بغداد، دمشق، بيروت. كانت هذه العواصم هي الخطوط المتقدمة التي شيدتها طهران على مدى سنوات طويلة، في سياق تمددها الإقليمي، وفي سياق مشروعها الأكبر. وهذا ما انقلب مؤخراً بعدما وجدت طهران نفسها في قلب الصراع المباشر مع إسرائيل.
لبنان والعراق
بعد المواجهة العسكرية على مدى أيام بين إيران وإسرائيل، تُستأنف المساعي لتجديد المفاوضات النووية مع الولايات المتحدة الأميركية، بالتزامن مع عودة المواقف الإيرانية تجاه لبنان والعراق، بسقف مرتفع جداً وواضح، يشير إلى رفض إيران لقرار الحكومة اللبنانية حول حصر السلاح، معلنة أن هذا القرار لن يُنفذ، وأن الحزب استعاد قدراته العسكرية وقوته، وهو سيبرهن ذلك عندما تقتضي الحاجة. لا ينفصل هذا الموقف عن موقف إيران بشأن تطورات الوضع العراقي. والمعلومات التي تحدثت عن بحث من قبل الحكومة العراقية لحصر سلاح الحشد الشعبي في يد الدولة العراقية. وهو ما أثار اعتراضات لقوى عديدة في الحشد بالإضافة إلى الاعتراضات الإيرانية.
انطلاقاً من هذه المواقف، تأتي زيارة أمين مجلس الأمن القومي الإيراني علي لاريجاني، إلى العراق وبعدها إلى لبنان، في إشارة إيرانية واضحة للاحتفاظ بالنفوذ في هاتين الدولتين ولإثبات الحضور، وانه لا يمكن اتخاذ مثل هذه القرارات من دون مشورة طهران أو رأيها ودورها. يأتي ذلك على وقع التحضير لتجديد المفاوضات الإيرانية الأميركية، أو لاحتمالات تجديد التصعيد الإيراني الإسرائيلي، خصوصاً أن تصريحات الطرفين تشير إلى ذلك.
الجبهات كلها؟
في المواجهة الأخيرة بين البلدين، تحيّدت كل الجبهات الأخرى، تماماً كما كانت إيران قد حيدت نفسها عن حرب الإسناد، إنما حالياً يُطرح سؤال أساسي إذا ما كانت أي مواجهة عسكرية ستدفع بكل الحلفاء إلى الانخراط فيها بشكل مباشر ومتزامن، خصوصاً أن هناك رأياً إيرانياً واضحاً يرجح التصعيد، ويفضله كنوع من رد اعتبار على كل ما تعرض له المحور في الأشهر الفائتة. وهناك من يشير إلى أن نقاط القوة التي تمتلكها إيران ستكون بفتح جبهات متعددة، بدلاً من استفراد إسرائيل بكل طرف لوحده.
وجدت إيران نفسها أمام مأزق يطال كل مشروعها في المنطقة، وهو لا يتوقف عند حدود المنطقة العربية أو المشرق العربي، بل وصل إلى تطويقها في القوقاز، وهي لا بد لها أن تبحث عن نوافذ جديدة للعودة منها، ولإعادة إثبات قوتها وإبرازها، أو انها ستكون إلى جانب حلفائها مضطرة لتقديم كل التنازلات المطلوبة، وليس أقلها تفكيك كل البنى العسكرية العائدة لهم، وهم حتى الآن يعلنون رفضهم لذلك.
لاريجاني إلى بيروت
بعيد صدور قرار الحكومة اللبنانية، سارعت إيران إلى تصعيد موقفها والتعبير عن رفض الامتثال لذلك. تنوعت مواقف الإيرانيين ما بين وزير الخارجية، ومستشار مرشد الجمهورية، والحرس الثوري، أي أن كل الاتجاهات في إيران تعارض مسألة سحب سلاح حزب الله. وفي هذا المجال تضيق المساحة بين “المعتدلين” و”المتشددين” أو بين الذين يريدون التعاطي بواقعية ومن يصرّون على مواصلة التصعيد. وهذا دليل لا بد أن يكون له مؤشرات وانعكاسات على مستوى المنطقة.
إثر المواقف الإيرانية أيضاً، صدر موقف واضح عن وزارة الخارجية اللبنانية رفض فيه لبنان التدخل في شؤونه من قبل إيران، وتمسكت الحكومة اللبنانية بقرارها وبتطبيقه. وذلك استباقاً لزيارة لاريجاني التي سيلتقي فيها المسؤولين اللبنانيين، بينما الأهم هو ما سيعلنه لاريجاني من بيروت، وما سيبلغه لحزب الله أو يتشاور فيه مع الحزب بشأن المرحلة المقبلة وكيفية التعاطي مع التطورات.
على مدى السنوات الماضية، وقبل الوصول إلى لحظة الاتفاق النووي في العام 2015، رفضت إيران الدخول في أي مفاوضات مع الولايات المتحدة الأميركية بشأن مناطق نفوذها، وكانت تصر على حصر التفاوض بالملف النووي. اليوم انقلبت الآية، أصبحت إيران بحاجة لإدخال مناطق نفوذها في سياق المفاوضات مع الولايات المتحدة حول الملف النووي.