
قرار «حصر السلاح» فتح «الأفق الخارجي»… فهل من ضمانات إضافية؟
ما إن وافقت الحكومة على الأهداف الواردة في مقدمة ورقة الموفد الأميركي توم برّاك حتى نشطت حركة الوفود الغربية والعربية في اتجاه لبنان. فإلى الوفد القطري الذي يصل اليوم حاملاً مبادرته النفطية والعسكرية، يتوقع أن يصل الموفدان السعودي والفرنسي الأمير يزيد بن فرحان وجان إيف لودريان، ومعهما نظيرهما برّاك. وإن أوحت هذه الحركة بوجود قرار لدعم لبنان وتسهيل تنفيذ قرار حصر السلاح، فما هو المنتظر منها؟ وهل من ضمانات إضافية؟
لا تخفي المراجع السياسية والديبلوماسية وجود أجواء إيجابية يمكن أن تواكب القرارات اللبنانية الأخيرة، ولا سيما منها القرار الخاص بحصر السلاح، عدا عن الخطوات التي ستواكب هذه الورشة على أكثر من مستوى، في مسعى يؤمل منه أن يساهم في إبعاد شبح المواجهة على الساحة اللبنانية بين أنصار الاحتفاظ بكل أشكال السلاح غير الشرعي ودعاة الإسراع لوضعه في عهدة الجيش اللبناني والقوى العسكرية والأمنية الأخرى وصولاً إلى شرطة البلدية، على عتبة الدخول إلى مرحلة استعادة السيطرة الكاملة على الأراضي اللبنانية كقوة وحيدة تتعهّد بأمن لبنان واللبنانيين والمقيمين على أرضه، بعد انتفاء وجود السلاح غير الشرعي أياً كانت هويته لبنانية أو غير لبنانية.
وفي تفسيرها لهذه الأجواء التي أوحت بها الطحشة الديبلوماسية الجديدة في اتجاه لبنان، وما يمكن أن تجنيه من خطوات إيجابية، قالت إنّها لم تأتِ من فراغ. فهي كانت ثمرة جهود بُذلت في وقت سابق لدعم أهل الحكم في لبنان في سلسلة الخطوات المقرّرة على أكثر من مستوى. فلا تقف الأمور عند القرار بحصر السلاح بالقوى العسكرية والأمنية، بل تتعداها إلى الإجراءات التي بوشر بها على مستوى الإصلاح المالي والاقتصادي والقضائي من اجل تحضير الأرضية الصالحة للانطلاق في المرحلة المقبلة في اتجاه بناء الدولة التي تحتكر السلطات كافة على أراضيها بقواها الذاتية.
على هذه الخلفيات، استذكرت المراجع المعنية بهذه القراءة ومقتضياتها عند البحث في خلفيات الحراك الديبلوماسي، الجهود التي بذلها رئيس الجمهورية لاستقطاب الدعم الدولي، عندما ذكر أنّ الإجراءات التي أقرّها مجلس الوزراء تحت عنوان «حصر السلاح» لا تكتمل بكل مقتضياتها من دون أن تنجح المحاولات المبذولة من أجل تحرير الأراضي التي لا تزال تحت الاحتلال الإسرائيلي، وتثبيت الحدود معها ومع سوريا، شرط تجاوب الدولتين مع ما هو مطروح من أفكار تلغي بعض الهواجس، وتعكس انفراجاً شاملاً.
وعليه، فقد ربطت المراجع المعنية بين هذه الأفكار التي طرحها رئيس الجمهورية وبعض التحركات التي تشهدها المنطقة، ومنها المبادرة السعودية التي رعت اجتماعاً عُقد أمس في الرياض بين مدير المخابرات في الجيش اللبناني العميد طوني قهوجي ونظيره السوري حسين السلامة، للبحث في ما يعوق التواصل المباشر بين البلدين من أجل تثبيت الحدود بينهما في أسرع وقت ممكن، والبتّ بالترتيبات التي تضمن ضبطها لوقف حركة تهريب ونقل الأسلحة والممنوعات. وهي لقاءات تصر المملكة على إنجاحها لمجرد أن يرعاها كل من وزير الدفاع خالد بن سلمان الذي سيرعى المحادثات مباشرة بينهما ومعه الوسيط السعودي المكلّف الملف اللبناني الأمير يزيد بن فرحان، الذي أشارت المعلومات إلى انّه سيزور بيروت خلال الشهر الجاري لاستكمال البحث في ما هو مطروح بناءً على طلب لبنان وسوريا معاً.
وإلى هذه المبادرة التي تعني العلاقة مع سوريا، فإنّ الإتصالات المفتوحة مع برّاك تناولت إمكان أن يستحصل على بعض الخطوات الإسرائيلية التي يمكن ان تساهم في الإسراع في عملية حصر السلاح بالدولة اللبنانية، رهاناً ممن قام بها بأنّها كانت مدار بحث بين واشنطن وتل أبيب في المرحلة التي واكبت الخطوة الحكومية. وما يأمله لبنان هو أن يحمل برّاك معه الجواب الإسرائيلي بما يضمن التجاوب مع ما يرغب به لبنان، خصوصاً على مستوى إعلانها وقفاً للعمليات العسكرية في لبنان لفترة محدّدة تتراوح على الأقل بين 3 إلى 6 أسابيع، من ضمن البرنامج الذي اقترحه برّاك لإطلاق المرحلة الأولى على الساحة اللبنانية في أفضل الظروف، وإزالة بعض العوائق التي يتوقعها رئيس الجمهورية جوزاف عون سبباً في إعاقة ما هو مطروح في شأن جمع السلاح، ويساعد في التخفيف من شروط الحزب التي حاول رئيس الجمهورية ومعه رئيسا مجلس النواب والحكومة معالجتها. وقد تردّد في الساعات الماضية انّ هذا الموضوع كان مدار بحث بين برّاك والمستشار الرئاسي الأميركي مسعد بولس في أنقرة، كونهما من أصول لبنانية وقد عبّرا عن اهتمام بالغ بما يجري فيه.
وإلى هذه الملاحظة على أهميتها، فإنّ ما هو لافت، إن صحت المعلومات، أنّ الموفدة الأميركية السابقة إلى لبنان مورغان اورتاغوس قد ترافق برّاك في زيارته المقبلة للبنان مطلع الاسبوع المقبل، بصفتها مسؤولة في بعثة بلادها في الامم المتحدة عشية البحث في مسألة التمديد لقوات «اليونيفيل» نهاية الشهر الجاري لسنة جديدة، وخصوصاً انّها تواكب إلى جانب السفيرة الأميركية السابقة في لبنان دوروثي شيا حركة المشاورات الجارية في أروقة مجلس الأمن، في انتظار اقتراح البعثة الفرنسية لمشروع القرار، لأنّها حاملة القلم في ملف لبنان. وهي تسعى بالإضافة إلى المهمّة التي يقوم بها الموفد الرئاسي الفرنسي لودريان الذي يزور بيروت لأسباب ديبلوماسية واقتصادية وأخرى تتصل بالمساعدات المالية، إلى تجاوز المخاوف من تقليص المساهمة الأميركية في موازنة «اليونيفيل» والشروط الأميركية المطروحة، بطريقة باتت مرتبطة بما يمكن ان تنجزه الحكومة في الجنوب لتسهيل قرار التمديد بلا التعقيدات المقترحة إسرائيلياً حول «قواعد السلوك» المتشدّدة لتثبيت الوضع في المنطقة، بالتنسيق مع القوى العسكرية والأمنية اللبنانية.
ويبقى المهمّ في كل ما يجري، انّه من باب السعي إلى تحصين الوضع في لبنان على مستوى ممثلي الدول الذين يشكّلون أعضاء الخماسيتين الديبلوماسية والعسكرية المهتمين بتنفيذ البنود المتعلقة بحصرية السلاح وترسيم الحدود وحماية سيادة لبنان كلياً. وهي مهمّات لا يمكن أن تقارن بما تقوم به دول اخرى تحاول تحريض اللبنانيين على بعضهم البعض من خلال التمسك بخيارات قد تقود إلى «انتحار جماعي» إن فشلت الخطوات المقرّرة لحصر السلاح وتوفير الظروف للانتقال إلى مرحلة وقف النار، وكلها عناصر تساهم في نقل لبنان من موقع إلى آخر. فهل سيكون ذلك ممكناً؟ وهل سينجح لبنان في الحصول على ضمانات إضافية في هذا الخصوص؟