لاريجاني في بيروت لـ «تعويم» أوراق التفاوض مع واشنطن

لاريجاني في بيروت لـ «تعويم» أوراق التفاوض مع واشنطن

المصدر: الراي الكويتية
13 آب 2025
– «حزب الله» يَمضي في «عصيانه» ويذكّر بـ «قدسية» سلاحه

تنشغل بيروت غداً بزيارةِ ممثّل المرشد الأعلى الإيراني الأمين العام للمجلس الأعلى للأمن القومي علي لاريجاني، التي تأتي على وهج ملامح أزمةٍ سياسية داخل لبنان على خلفية اتخاذ حكومة الرئيس نواف سلام قراراً بسحْب سلاح «حزب الله» الذي أعلن «التمرّد» على هذا المسار «حتى الموت»، وطلائع أزمةٍ دبلوماسية مع طهران بفعل خرْقها الأعراف والقواعد في العلاقات بين الدول عبر مواقف من كبار مسؤوليها جزمتْ أن ترسانة الحزب، الذي تحوّل بمثابة «التنظيم المارد» بين أذرعها، لن تُنزَع و«هذا حلم لن يتحقق».

وتتقاطع زيارةُ لاريجاني مع جلسةٍ يعقدها مجلس الوزراء، سيغيب عنها موضوعُ سحْبِ السلاح بحلول نهاية السنة والذي يَنتظر وضْعَ الجيش خطته التنفيذية قبل 31 الشهر، فيما سيَحضر وزراء الثنائي الشيعي، «حزب الله» وحركة «أمل» بعدما كانا انسحبا من جلسة الخميس الماضي التي أقرّت الأهداف الـ 11 الواردة في مقدمة مقترَح الموفد الأميركي توماس براك، وذهبت تالياً خطوة إضافية في مسار تفكيك ترسانة الحزب.

وعلى وقع مناخاتٍ سياسية أقرب إلى «عاصفة سلبية» تجاه إيران والتصريحات التي اعتُبرت «عدائية» تجاه سيادة الدولة اللبنانية وتعدياً على حقّها الذي «لا شريك لها» فيه برسم سياساتها وتقرير مصيرها وشعبها، فإن لاريجاني الذي برزت دعواتٌ على مواقع التواصل الاجتماعي من مناصرين لـ «حزب الله» لاستقباله على طريق مطار رفيق الحريري الدولي، سيُجري محادثاتٍ مع رئيسيْ الجمهورية جوزاف عون والبرلمان نبيه بري وسلام على أن يلتقي أيضاً قيادة «حزب الله» ومسؤولين روحيين وشخصيات سياسية من «محور الممانعة» وأخرى فلسطينية.

وفيما أعطتْ تصريحاتُ لاريجاني من العراق إشاراتٍ إلى منحى «تراجُعي» عن الشكل النافر في التدخل بالشؤون اللبنانية، فإنّ التدقيق في مواقفه يؤشر إلى مرونةٍ في الشكل أكثر منها في المضمون، حيث أكد «أن لبنان والعراق يتمتعان بالوعي والشجاعة الكافيين ولا يحتاجان إلى أي توصية أو توجيه من إيران»، وان «حزب الله وسائر قوى المقاومة لا تحتاج لوصاية أو قيادة من أحد»، وصولاً لتأكيده أن «جبهة المقاومة جزء لا يتجزأ من شعوب المنطقة، وتُعتبر كل مجموعة من هذه المجموعات ثروة وطنية في بلدها، ولديها فهم جيد للوضع (…) وأعتقد أنه ينبغي بذل كل الجهود للحفاظ على هذه القدرة».

سيناريوهان لإيران حيال لبنان

من هنا، رأتْ أوساط واسعة الاطلاع أن إيران تواجه تعقيداتٍ أكبر في ملفّ «حزب الله» ومستقبله من دون أن يُعرف بعد كيف يمكن أن توفّق بين نقطتين شائكتين:

– الأولى أن قطار سحب سلاح الحزب وُضع على السكة، بعدما صار الحزب بين «فكّي كماشة» استعجال الخارج الدولة اللبنانية بت هذا الملف، وتحفّز إسرائيل الدائم لاستئناف الحرب، وهو ما يَعني أن طهران التي تريد الجلوس مجدداً على «طاولة النووي» وفي جيْبها أوراق قوتها الإقليمية، تقف أمام خطر «احتراق» الذراع الأقوى، بالكامل سواء بـ «نار» صِدام داخلي بحال ذهب الحزب حتى النهاية في معاندة قرار الدولة بسحب سلاحه، أو بنيران فوهات تل أبيب إذا لم تمض بيروت في مسار تفكيك ترسانته جنوب الليطاني وشماله.

– والثانية أن أي سيناريوهاتٍ التفافية مثل تكرار نموذج «الحشد الشعبي» لجهة قوننة «حزب الله»، أو دمجه في الجيش اللبناني، دونها «خط أحمر» أميركي عبّر عنه «الاتفاق الجانبي» بين واشنطن وتل أبيب الملحق باتفاق 27 نوفمبر، ورفض لبناني كان عبّر عنه عون حين اعتبر أن لبنان «لن يستنسخ تجربة الحشد الشعبي في العراق باستيعاب حزب الله في الجيش، ولا أن يكون وحدة مستقلة داخله»، ناهيك عن اعتبار خصوم الحزب أن أي صيغ بهذا المعني لن تعني بالنسبة الى الخارج إلا «أن الجيش صار حزب الله».

عون وسلام… ثابتان

وفي ظل هذه التعقيدات بات واضحاً أن لاريجاني سيسمع من سلام استياءَ واضحاً من مواقف المسؤولين الإيرانيين في شأن قرار سحب سلاح حزب الله، وربما يعبّر عون على طريقته عن مناخ مماثل.

وكان لافتاً أمس أن رئيس الجمهورية أكد أمام زواره «أننا نعمل على بناء الثقة بين الشعب اللبناني والدولة، كما بين الدولة والخارج، بهدف وضع الدولة على السكة الصحيحة»، معلناً «في محاربة الفساد لا خيمة فوق رأس أحد، لقد سقطت كل المحرمات في هذا السياق والقرار اتخذ».

كذلك أكد سلام «العمل على أن تحتكر الدولة وحدها حق امتلاك السلاح، وهو مسار بدأنا به».

لا استقالة من الحكومة

في موازاة ذلك، ارتسم سقف متمايز عن الحزب من بري الذي أكد«أنّ الاستقالة من الحكومة غير واردة،» لافتاً إلى«أنّ دقة الظروف الاستثنائية التي يمرّ فيها لبنان تستوجب تحلّي جميع الأطراف بأعلى درجات المسؤولية والحكمة».

وبهذا الموقف، بدا بري الذي استقبل قائد الجيش العماد رودولف هيكل وكأنه قام بـ«تنفيس»التهديدات التصاعدية من «حزب الله» بإسقاط الحكومة في حال مضت في تنفيذ قرار سحب سلاحه، وسط استحضار أوساط سياسية موقف وزير المال ياسين جابر (من حصة بري) الذي غاب عن «جلستي السلاح» والذي أكد فيه «أن أولويتنا بناء الدولة وتفعيل دورها وتعزيزه، وفي مقدمتها الجيش والقوى العسكرية كافة، وحصرية السلاح بيدها، وهذا ما أكده البيان الوزاري، وهذا أمر متفق عليه»، موضحاً في الوقت نفسه «أن السؤال الذي يحتاج إلى الإجابة الواضحة التي نطلبها، هل سيدعنا الآخَرون نبني الدولة التي بها نطالب؟ وهل سيوقف المعتدي الإسرائيلي اعتداءاته، وهل هناك ضمانات بوقف هذه الاعتداءات وإلزامه بالانسحاب إلى حدودنا كما تنص القرارات الدولية؟ وكما المضمون الواضح لاتفاق وقف النار؟ ليعود النازحون ويعيدوا الإعمار”؟

براك وأورتاغوس إلى بيروت

هذه الأسئلة يُفترض أن يحمل أجوبة عنها توماس براك الذي يُنتظر أن يزور بيروت الاثنين المقبل، حاملاً الردّ الإسرائيلي على ما طلبه لبنان خلال زيارته الأخيرة والمتعلق بإعلان تل أبيب موافقتها على مضمون الورقة الأميركية بكامل مندرجاتها تمهيداً للبدء بتنفيذها، كما ذكرت قناة «ام تي في»، التي تحدثت أيضاً عن أن الموفد الأميركي سيبحث في آلية الدعم المنتظر للجيش و«التحضيرات للمؤتمر الاقتصادي المزمع عقده لإعادة إعمار لبنان، بمشاركة الولايات المتحدة وفرنسا والسعودية وقطر ودول صديقة أخرى».

ويسود ترقب لِما ذُكر عن أن الموفدة السابقة مورغان أورتاغوس سترافق براك، وهو ما سيعني أن الأمر يرتبط بالتمديد الذي يفترض أن يحصل في مجلس الأمن لقوة «اليونيفيل» نهاية الشهر، خصوصاً أن اورتاغوس كانت نُقلت من منصبها كنائبة للمبعوث الأميركي إلى الشرق الأوسط لتتولى مركز مستشارة سياسية أولى في البعثة الأميركية لدى الأمم المتحدة حيث تعمل مع السفيرة السابقة في بيروت دوروثي شيا.

«اليونيفيل» لمرة واحد وأخيرة؟

ولم يكن عابراً أن ملف التمديد “اليونيفيل” سلك طريقاً وعراً في الساعات الماضية في ظل معطيات متقاطعة عن رغبة أميركية – إسرائيلية في تمرير «تمديد أخير» لسنة «لمرة واحدة ونهائية» ربما مع تعديل في الصلاحيات في اتجاه «حرية التدخل» من دون مؤزارة من الجيش اللبناني، وإلا تمنع واشنطن التجديد كلياً.

وكانت صحيفة «جيروزاليم بوست» نقلت” أن إسرائيل والولايات المتحدة طرحتا بديلين للبعثة، أحدهما يشمل «إنهاء ولاية اليونيفيل بالكامل والانسحاب التدريجي من المنطقة»، والبديل الآخر يشمل «تمديد ولاية اليونيفيل لمدة عام واحد فقط، مع مهام محددة تشمل التفكيك المنظم لمواقعها والانسحاب المنسق مع الجيش اللبناني، ونقل المسؤولية الأمنية الكاملة إلى الحكومة اللبنانية».

وينطوي هذا الطرح على محاولةٍ إسرائيلية لإزالة «وسيط» بينها وبين لبنان والدفع الضمني نحو تنسيق «الأمر الواقع» الأمني بين الجانبين مباشرةً مع ما يحمله ذلك من أبعاد سياسية مضمرة.

في المقابل، مضى «حزب الله» في إعلاء رفضه أي تسليم لسلاحه. وإذ نشر «الإعلام الحربي» فيديو جديداً تحت عنوان «سلاحي أقدس من أن ينزع»، أكد النائب إيهاب حمادة أن أحداً لن يتمكن «من أن ينتزع مناً سكينا أو إبرة أو عصا»، محذراً من يحاولون «أن ينزعوا الشرعية عن سلاح الوجود، سلاح حِفْظ لبنان».