
ما حقيقة اختطاف الفتيات في صيدا؟… اليكم التفاصيل كاملة!
لا يمكن إنكار وجود بيئة خصبة لاستغلال الفتيات، إذ إنّ انعدام الاستقرار، وغياب فرص العمل، وتفشّي العنف الأسريّ والمجتمعيّ، تجعل الكثيرات فريسةً سهلةً، فحتّى لو لم تكن كلّ الشائعات صحيحة، فإنّ الخطر قائم، وحالات الاستغلال واقعيّة وموثّقة في مناطق عدّة، ما يستوجب ليس فقط تعاطيًا أمنيًا جدّيًا، بل أيضًا تحرّكًا اجتماعيًا لحماية الفتيات والنساء من الوقوع في هذه المصائد.
وكأنّ فتيات لبنان لم يَعُد ينقصهنّ سوى المزيد من الخوف والقلق، فبعد أن أثقلتهنّ الأزمات الاقتصاديّة والاجتماعيّة والمعيشيّة، جاء الدور اليوم على أمنهنّ الشخصي ليصبح مهدَّدًا أيضًا، وسط أنباء تتردّد وتنتشر كالنار في الهشيم عن عصابات استدراج وخطف تُحيك فِخاخها في زوايا العوز واليأس.
آخر هذه الأخبار تمحور حول شركةٍ في مدينة صيدا، يُديرها رجل من الجنسيّة السورية، يُقال إنّها تقوم باستدراج فتيات لبنانيات عاطلات عن العمل من خلال إيهامهنّ بوظائف مغرية، وبعدها تُطلب منهنّ معلومات شخصية، ليُقال بعد أيام عدّة إنّ إحداهن اختفت في ظروف غامضة.
تبدأ رحلة الخطف بعرض عمل يبدو بريئًا للوهلة الأولى، في ظلّ واقع اقتصادي يائس يدفع الفتيات لتَصْديقِ أي فرصة تبدو وكأنّها “طوق نجاة”، وبعد أن تحضر الفتاة إلى موقع العمل المزعوم، يُطلب منها تقديم تفاصيل شخصيّة دقيقة، تشمل عنوان سكنها وأسماء أفراد عائلتها، ومن ثمّ، في بعض الحالات كما يُشاع، تختفي الفتاة من دون أثر، لتنتقل رحلة الخطف إلى مرحلة الذعر في مُحيطها العائلي.
لكن، ووفق ما كشفته مصادر أمنيّة لـ”هنا لبنان”، فإنّ كلّ ما يُتداول حتّى الساعة لا يستند إلى وقائع مُثبتة في صيدا، موضحةً أنّ الأجهزة الأمنيّة في المنطقة تتلقّى باستمرار بلاغات عن اختفاء فتيات، إلاّ أنّ التحقيقات تُظهر في معظم الأحيان أنّ هذه الحالات ناتجة إمّا عن خلافات عائلية، أو ارتباطات شخصية مثل الزواج من دون علم الأهل، كما كان يُشاع سابقًا بـ”الخطيفة”، وليس نتيجة عمليات خطف منظّمة أو استدراج.
وتؤكّد المصادر أنّه لا توجد بلاغات رسميّة أو حالات مُثبتة حتّى اللحظة في صيدا بشأن هذه المزاعم، مُشددّةً على أنّ القوى الأمنية تُتابع بجدّية أي شكوى، وتعمل على التحقّق من صحتها قبل إصدار أي موقف.
وتلفت إلى أنّ ظواهر الابتزاز والاستدراج عبر فرص عمل وهميّة تنتشر في مناطق أخرى من لبنان، لا سيما في بعض قرى البقاع، حيثُ تغيب الرقابة الفعّالة وتزداد معدّلات الفقر والعوز، لكنّها اعتبرت أنّ تضخيم الأخبار أو نشر الذعر من دون التحقق يُساهم في زعزعة الأمن المجتمعيّ ويضرّ بالمصلحة العامة، مؤكدةً أنّ القوى الأمنيّة ستُلاحق كل من يثبت تورّطه في ترويج أخبار كاذبة أو تهديد السلم الأهلي.
وكشفت المصادر الأمنيّة نفسها أنّه قبل نحو أربعة أشهر، تمّ إلقاء القبض على رجل من الجنسيّة السوريّة كان متورّطًا في استدراج الفتيات وخطفهنّ إلى داخل الأراضي السورية، إلا أنّ التطورات الأخيرة، بدءًا من التغييرات في بنية الحكم في سوريا، وصولًا إلى أحداث السويداء، دفعت بهذا الشخص وأمثاله إلى التردّد كثيرًا قبل تكرار مثل هذه الأفعال، خوفًا على أنفسهم أكثر من خوفهم من الملاحقة أو المسؤولية تجاه الضحايا.
وفي ظلّ هذا الواقع، لا يمكن إنكار وجود بيئة خصبة لاستغلال الفتيات، إذ إنّ انعدام الاستقرار، وغياب فرص العمل، وتفشّي العنف الأسريّ والمجتمعيّ، تجعل الكثيرات فريسةً سهلةً، فحتّى لو لم تكن كلّ الشائعات صحيحة، فإنّ الخطر قائم، وحالات الاستغلال واقعيّة وموثّقة في مناطق عدّة، ما يستوجب ليس فقط تعاطيًا أمنيًا جدّيًا، بل أيضًا تحرّكًا اجتماعيًا لحماية الفتيات والنساء من الوقوع في هذه المصائد.
المطلوب اليوم تعزيز التوعية على جميع المستويات، من الأسرة إلى المدرسة، ومن الإعلام إلى الجمعيات المعنيّة، حول كيفية التحقّق من فرص العمل، وضرورة تقديم البلاغات الفورية في حال وجود أي شبهة، والأهم من ذلك كله، كسر حاجز الخوف، وتشجيع الفتيات على الحديث وعدم التستّر على محاولات الاستغلال. لذا، من الضروري أن تتحرّك الدولة لتوفير فرص عمل حقيقية وآمنة، تضمن للنساء كرامتهنّ وتحميهنّ من الوقوع ضحايا للطامعين والمستغلين.
في المحصّلة، لم تُثبت التحقيقات في صيدا بعد وجود عصابات منظّمة أو عمليات اختطاف مُمنهجة، لكنّ هذه القضية تفتح الباب واسعًا أمام نقاش أكبر حول الأمان الشخصي للفتيات في المناطق اللبنانية كافة، وضرورة بناء منظومة حماية متكاملة، فالخوف لا يولد فقط من الجريمة، بل أحيانًا من الشعور بالعجز أمام الشائعة، والغموض، واللّايقين، والأهمّ من ذلك، أنّ كل فتاة لبنانيّة أو أجنبيّة موجودة على الأراضي اللبنانية تستحقّ أن تعيش بأمانٍ وكرامةٍ، لا أن تكون ضحيّةً لمستغِلٍّ يعاني من اضطرابات نفسيّة ويستغلّ حاجة النساء وظروفهن.